الأقباط متحدون - لماذا تثير السعودية الفتن الطائفية؟
أخر تحديث ١٣:٢٩ | الثلاثاء ٧ ابريل ٢٠١٥ | ٢٩برمهات ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٢٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

لماذا تثير السعودية الفتن الطائفية؟

د.عبدالخالق حسين

مقدمة
للإجابة على السؤال في العنوان أعلاه، علينا أن نوضح بعض الحقائق التاريخية والثقافية عن هذه المملكة ومؤسساتها والمستوى الثقافي لملوكها.

الحقيقة الأولى: مرت الدولة السعودية بثلاث مراحل تاريخية، الأولى، "السلطنة النجدية" التي تأسست عام 1744 على يد محمد السعود، وكانت عاصمتها الدرعية وشملت أجزاءً كبيرة من شبه الجزيرة العربية وانتهت بيد القوات التركية العثمانية بقيادة إبراهيم باشا عام 1818. المرحلة الثانية 1824-1891، والثالثة تأسست على يد عبدالعزيز بن سعود في العشرينات من القرن العشرين.

ومنذ المرحلة الأولى توافقت رغبات محمد بن عبد الوهاب (مؤسس الحركة الوهابية) ورغبات محمد بن سعود (مؤسس الدولة الأولى)، فتم التحالف بينهما، على توزيع غنائم الغزوات وإدارة شؤون المملكة. فتم عقد التحالف بين الأسرتين، أن تكون السلطة الزمنية (الدنيوية) لآل سعود، والسلطة الدينية والتوجيه الثقافي لآل الشيخ (أي أبناء وأحفاد الشيخ محمد بن عبدالوهاب)، وبقي هذا التحالف لحد اليوم.
 
الحقيقة الثانية، أن تأسيس أي دين أو مذهب جديد لا بد وأن يتأثر بالظروف البيئية (الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية). فظروف النجد صحراوية قاحلة وقاسية، ومصادر الرزق فيها شحيحة جداً، والسكان قبائل بدو قساة رحل يعتمدون في عيشهم على الغزو واحتلال مناطق الرعي بحد السيف. لذلك فالحركة الوهابية هي نتاج ظروف الصحراء القاسية المعزولة عن الحضارة، وهي امتداد للمذهب الحنبلي المعروف بالتشدد، والذي ازداد تشدداً على يد ابن تيمية الذي لم يكتف بتكفير المسيحيين واليهود، بل وكفر حتى الشيعة وهم مسلمون، وكذلك كفّر من لا يوافقهم من أهل السنة والجماعة. و ابن تيمية هذا له أقوال غريبة وعجيبة في التشدد الديني ونشر الكراهية، فمن أقواله على سبيل المثال:

"إذا أَقَمتَ في دار الكفر للتّطبّب أو التّعلّم أو التّجارة، فأقم بينهم وأنت تضمر العداوة لهم". ويقصد بدار الكفر بلاد أي شعب من غير المسلمين، وخاصة المسيحيين، إذ يؤكد هذا في قول آخر له : "من لم يبغض النصارى والكفار ليس مسلماً". وفيما يخص الشيعة فينكر عليهم إسلامهم، إذ أجاب على سؤال وجه له فيما إذا كان الشيعة كفار في نظره فقال: "من شك في كفرهم فقد كفر." وهذا هو رأي محمد بن عبدالوهاب مؤسس الحركة، والشيخ عبدالعزيز بن باز، مفتي السعودية السابق، والشيخ صالح الفوزان وغيرهم من مشايخ الوهابية الحاليين، وهم لا يخفون هذا الموقف، بل يعلنونه بمنتهى التفاخر. كذلك تناهض الوهابية الثقافة وحرية التعبير والتفكير، إذ يقول محمد بن عبد الوهاب في هذا الخصوص: "الفكر والكفر سيان لأنهما من نفس الحروف". وربما قوله هذا صحيح لأنه كلما أزداد الإنسان ثقافة وتبنى فكراً متنوراً نفر من العقيدة الوهابية المعادية للإنسانية، ولذلك يحارب النظام السعودي الفكر التنويري. 

وتكفير المسلمين من الشيعة أعطى الذريعة للوهابيين بغزو المدن الشيعية مثل كربلاء والنجف وسوق الشيوخ، وقتل الألوف من الأبرياء ونهب خزائن العتبات المقدسة، وقاموا بهذه الجرائم الإرهابية منذ أوائل القرن التاسع عشر وحتى أوائل تأسيس الدول العراقية الحديثة.

والجدير بالذكر أن تعاليم ابن تيمية وبن عبدالوهاب وبن الباز والفوزان في نشر الكراهية ضد من يختلف مع الوهابية هي سائدة في مناهج التعليم في المدارس والمعاهد السعودية لحد اليوم. لذلك لم نستغرب إذا كان 15 من 19 من الذين قاموا بجريمة 11 سبتمبر 2001 في أمريكا كانوا سعوديين، وبن لادن وتنظيم القاعدة ولدا في السعودية. لذلك فالإرهاب جزء أساسي من العقيدة الوهابية. (راجع كتاب د. أحمد صبحي منصور: جذور الارهاب فى العقيدة الوهابية)(1)

الحقيقة الثالثة: لقد بات معروفاً وخاصة لدى الدوائر الغربية، أنه لولا قيام السعودية بنشر التطرف الديني في العالم الإسلامي لما وجد الإرهاب الديني أصلاً. فهناك دراسة أكاديمية للسفير الأمريكي السابق لدى كوستاريكا ( كورتين وينزر) بعنوان: (السعودية والوهابية وانتشار الفاشية الدينية)(2 و3)، ذكر فيها إفادة خبير أمام لجنة العدل التابعة لمجلس الشيوخ في 26 يونيو 2003م  بأن "السعودية أنفقت 87 مليار دولار خلال العقدين الماضيين لنشر الوهابية في العالم"، وأنه يعتقد أن مستوى التمويل قد ارتفع في السنوات الماضية نظرا لارتفاع أسعار النفط. ويجري وينزر مقارنة بين هذا المستوى من الإنفاق بما أنفقه الحزب الشيوعي السوفيتي لنشر أيديولوجيته في العالم بين 1921 و1991م حيث لم يتجاوز الـ 7 مليار دولار. ويلاحظ وينزر جهود نشر الوهابية في عدد من بلدان جنوب شرق آسيا، وأفريقيا والدول الغربية من خلال بناء المساجد والمدارس الدينية والمشروعات الخيرية واستقطاب الشباب العاطل والمهاجرين في هذه البلدان. وتقول هذه الدراسة إن خريجي المدارس الوهابية كانوا وراء الأعمال الإرهابية مثل تفجيرات لندن في يوليو 2005م واغتيال الفنان تيودور فان جوخ الهولندي عام 2004م." 

وقد أشرنا إلى دور السعودية في الإرهاب في عدة مقالات لنا، وعلى سبيل المثال أذكر مقالنا الموسوم: (السعودية والوهابية وجهان لإرهاب واحد)(4)
 
الحقيقة الرابعة، رغم ما تتمتع به السعودية من ثروات هائلة وفتحت الألوف من المدارس وعشرات المعاهد والجامعات في المملكة... إلا إن ملوك آل سعود لم يهتموا بتعليم وتثقيف أنفسهم، فثقافتهم لا تتعدى ما تلقوه في الكتاتيب التقليدية، التي تقتصر على تعليم القراءة والكتابة بالكاد، وقد لاحظنا ذلك عندما يقدم أحدهم كلمة في مؤتمرات القمة، إذ كما ذكر الدكتور فخري مشكور في مقاله الموسوم (اليمن ضحية الفلوس) عن تردي ثقافة هؤلاء الملوك قائلاً: ((ومن لا يصدق فليستمع الى خطابات ملوك السعودية كنموذج...كان الملك خالد يقف وراء المنصة في مؤتمرات القمة العربية ويختفي وراءه من يتكلم بصوت خافت كلمة كلمة والملك يعيد وراءه تلك الكلمات. وجاء من بعده آخرون تُكتب لهم الكلمات بحجم البعير وتُحرّك لهم ويجرون عليها تمرينات قبل المؤتمر فإذا ظهروا امام الشاشات او المكرفونات ضاعت جهود المدرّبين. وبالامس القريب كان المرحوم الملك عبد الله يصف الشعب السعودي بـ"الشعب الشقيق"!! وقبل اسابيع تحدث الملك الجديد سلمان بفخر واعتزار عن انتشار الاستخراء في بلاده!! . فاذا كان راس الهرم في الدولة بهذا المستوى فما هي الخطة التي يضعها لتطوير بلاده؟))(5)

وعلى ضوء ما سبق نعرف المشكلة الأساسية لهذه المملكة ولماذا تهدد الحضارة البشرية بما تملك من المال الوفير، خاصة وهناك أفراد وجماعات و حكومات في العالم مستعدة لتلبية أوامر حكام هذه المملكة ووضع جيوشها في خدمتهم مقابل المال.

فكما بينا أعلاه، تأسست هذه المملكة على مبادئ وقيم وأعراف وتقاليد بدوية صحراوية، كانت سائدة في القرن الثامن عشر. ورغم التطور الهائل الذي حصل في المملكة من الناحية المالية بسبب الثروات النفطية الخيالية، إلا إن هرم السلطة بقي يعامل الدولة في القرن الحادي والعشرين كما يعامل شيخ القبيلة أبناء قبيلته البدوية وقيمها. ورغم أميته الثقافية، فالملك السعودي هو الحاكم المطلق، يمتلك ثروات البلاد كملكية خاصة له ولأفراد العائلة الحاكمة، يصرفها كما يشاء، ويعامل الشعب كعبيد، إذ كما قال المؤرخ البريطاني المعروف، أرنولد توينبي: "البداوة حضارة متجمدة". ولهذا بقي حكام آل سعود جامدين على أعرافهم البدوية التي كانت سائدة منذ القرون الغابرة.

فهم خارج الزمن وخارج التاريخ، ويرفضون الاعتراف بما حصل في العالم من تطور مذهل في مختلف المجالات الفكرية والعلمية والتكنولوجية والحضارية والعولمة، وحقوق الإنسان والحيوان والبيئة...الخ.

فقد أخذوا من الغرب فقط ما ينفعهم من اختراعات والتكنولوجيا، أي أخذوا الجانب المادي (الهارد وير) ورفضوا الجانب المعنوي (السوفتوير) أي ما أنتجه الغرب من الفكر التقدمي والقيم الانسانية والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان وحقوق المرأة، والعدالة الاجتماعية والإخاء والمساواة ومعاملة أبناء الشعب كمواطنين من الدرجة الأولى، دون أي تمييز بينهم على أساس اللون أو العرق أو الدين أو المذهب. فهناك مسافة ضوئية بين مملكة آل سعود وهذه القيم الحضارية.

وحكام آل سعود يعرفون أنهم خارج الزمن، وأن شعبهم لا بد وأن يطالبهم يوماً بحقوقهم الوطنية كبشر، لذلك، ولضمان بقائهم مدة أطول جاثمين على صدور الشعب السعودي، فلم يبق أمامهم سوى العمل على إثارة الطائفية وتخويف السنة الذين يشكلون نحو 80% من الشعب السعودي، من الشيعة (الروافض) والبعبع الإيراني (الفرس المجوس) حسب تهبير الطائفيين، وتصعيد التعصب الطائفي، ونشر التطرف الديني لدى السنة في العالم الإسلامي، وتكريس الكراهية والعداء ضد أتباع الديانات الأخرى.

وفي نفس الوقت يقوم حكام السعودية بإجهاض أية حركة شعبية في السعودية وذلك عن طريق العصا والجزرة، فعندما حصلت انتفاضات الربيع العربي، قامت الحكومة السعودية بتوزيع المال والمساكن على العاطلين، وفي نفس الوقت دعمت التطرف الديني والإسلامي السياسي في بلدان الربيع العربي لسرقة انتفاضاتهم، كما حصل في ليبيا وسوريا. كذلك بتصدير الإرهاب الوهابي المتمثل في القاعدة وداعش وإثارة الفتنة الطائفية في العراق لنشر الفوضى فيه، و ليقول لسان حالهم لشعبهم: هذه هي الديمقراطية التي تريدونها، فهي تعني الفوضى والخراب وحروب الإبادة الجماعية والدمار. لذلك أبقونا على صدوركم أفضل لكم. فالحكمة تفيد أن النظام والأمن مع الاستبداد أفضل بكثير من الحرية والديمقراطية المنفلتة مع الفوضى وفقدان الأمن.

وهناك شهادات موثقة تؤكد دور السعودية في إثارة الفتنة الطائفية ونشر الفوضى في العراق منذ سقوط حكم البعث الجائر وإلى الآن. وعلى سبيل المثال لا الحصر أكتفي بما نُشِر من تسريبات عن السفير الأمريكي الأسبق في بغداد كالتالي:

((كشفت صحيفة الغارديان البريطانية، ...عن "مجموعة برقيات أمريكية سرية تعود الى العام 2009 تتحدث عن علاقة العراق بجيرانه "، وعدَّت السعودية بأنها " التحدي الأكبر والمشكلة الأكثر تعقيدا للعراق"، وعزت السبب الى " المال السعودي والمواقف المعادية للشيعة وهواجس تعزيز نفوذ إيران الإقليمي عبر الحكومة العراقية الشيعية"، وبينت أن السعودية كانت "ترعى التحريض الطائفي وتسمح لشيوخها بإصدار فتاوى تحريضية على قتل الشيعة". وقال السفير الأميركي السابق في العراق كريستوفر هيل، في مجموعة برقيات سرية بعثها الى وزارة الخارجية الأميركية، ونشرتها صحيفة (الغارديان) البريطانية ، وأطلعت عليها (المدى برس)، إن "السعودية وليس إيران تشكل التحدي الأكبر والمشكلة الأكثر تعقيدا بالنسبة الى الساسة العراقيين الذين يحاولون تشكيل حكومة مستقرة ومستقلة "، وعزا السبب الى " المال السعودي والمواقف المعادية للشيعة والهواجس بأن العراق بقيادة شيعية يعزز نفوذ إيران الإقليمي".(6)

خلاصة القول، أن السعودية تعتبر إثارة الفتنة الطائفية هي آخر حبل النجاة لها، ولذلك وجهت أوامرها إلى مشايخ الوهابية لشن الهجوم السافر على الشيعة (الروافض) وإيران، وتكفيرهم وأنهم أسوأ من النصارى واليهود، وأن الحرب على اليمن هي حرب السنة على الشيعة وإيران. (يرجى فتح رابط الفيديو في الهامش لتشاهدوا ما يقوله إمام مكة في هذه الفتنة).(7) 

abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 

http://www.abdulkhaliqhussein.nl/


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter