بقلم: د.عبدالخالق حسين
الحشد الشعبي هو نتاج ظروف موضوعية استجدت بعد الغزو البعثي الداعشي المغولي للمحافظات ذات الأغلبية العربية السنية في العام الماضي، وبتواطؤ جناحهم السياسي بقيادة أياد علاوي والأخوين النجيفي وغيرهم الذين يأتمرون بأوامر أسيادهم في السعودية وقطر وتركيا. وبات هؤلاء المغول الجدد يهددون الشعب العراقي بحرب الإبادة. لذا أصدر الإمام السيستاني فتوته المشهورة بالجهادي الكفائي لكل مكونات الشعب دون استثناء فتطوع الملايين من الشباب من مختلف الانتماءات، وهو التعبير العملي لتلاحم الشعب مع قواته المسلحة. ولهذا الحشد يعود الفضل في تحقيق النصر على الدواعش.
وبعد الانتصارات الكاسحة التي حققتها القوات الأمنية العراقية، وبدعم من الحشد الشعبي، ومسلحي أبناء العشائر العربية السنية، وإلحاق الهزيمة بالدواعش، جن جنون فلول البعث ومن ورائهم من الإعلام العربي وبالأخص السعودي والقطري، فراحوا يشوهون سمعة الحشد، ولا يذكرونه إلا باسم (المليشيات الشيعية المدعومة من إيران). والتهمة أن هذه المليشيات وبدوافع طائفية انتقامية قاموا بقتل الأبرياء في تكريت وحرق منازلهم بعد نهبها!!. في الحقيقة هذه الاتهامات الباطلة كانت جاهزة ومعدة سلفاً تنتظر الوقت المناسب لاطلاقها. وقد حان هذا الوقت بعد الانتصارات التي أذهلت الجميع.
فالقصد من هذه الحملة الإعلامية الهستيرية معروف، كذلك هناك من يتظاهر بالاعتدال والعقلانية وقول الحق، من كتبة فخري كريم، مثل عدنان حسين ومن لف لفه، ليكتب مقالاً في صحيفة المدى، بعنوان (الحشد ليس قدس الأقداس)، فيعترف مسبقاً بدور الحشد في تحقيق الانتصار إذ يقول: " بالتأكيد، من دون قوات الحشد الشعبي ما كان في الإمكان تحرير مدينة تكريت وبلدات أخرى في محافظتي صلاح الدين وديالى من سيطرة داعش...الخ". وبعد أن يكتسب ثقة القارئ أنه حقاني لا يقول إلا الحق، يبدأ بنفث سمومه بعسل الكلام فيضيف:" الضرورة الوطنية لانبثاق الحشد الوطني واستمرار وجوده لا ينبغي أن تحوّله الى قدس الاقداس، فعناصره بشر وقادته بشر، والبشر خطّاؤون بالضرورة. في تكريت ارتكبت عناصر في الحشد الشعبي انتهاكات للقانون وتجاوزات على حقوق الإنسان، هي امتداد لانتهاكات وتجاوزات مماثلة ارتكبت في مناطق أخرى.".. ودون أن يقدم أي دليل على هذه التهمة.
نحن لا ندعي أن عناصر الحشد الشعبي ملائكة وقدس الأقداس، و فوق النقد معاذ الله، فهم بشر ليسوا معصومين، كما و نؤكد على ضرورة النقد، والأهم هو التمسك بالانضباط العسكري، وطاعة القيادة، وإلا لا يمكن تحقيق أي نصر.
ولكن كلام عدنان حسين وأمثاله من نوع (قول حق أريد به باطل). لا شك أن عملاً كبيراً كتحرير محافظة صلاح الدين من أشرس تنظيم إرهابي (داعش)، لا بد وأن تقع فيه أخطاء، ولكن المبالغة بها والإدعاء أنها (انتقامات طائفية في القتل وحرق البيوت)، الغاية منها تصعيد الاحتقان الطائفي، وتشويه سمعة الحشد، وتحريف الانظار عن جرائم الدواعش البشعة مثل قتلهم 1700 من الشباب بدم بارد في معسكر سبايكر بعد التأكد من هوياتهم المذهبية. وتعامى الاعلام الغربي عن هذه الجريمة وغيرها ولم ينتبه لها إلا الآن وبعد مرور ثمانية أشهر (راجع تقرير بي بي سي- رابط رقم 1 في الهامش).
أجل، لا ندعي أن الحشد قدس الأقداس وفوق النقد، ولكن نرفض أن تواجه تضحياتهم بحملات تشويه السمعة ونكران الجميل والحرب النفسية، وتثبيط العزائم والهمم في وقت يواجه الشعب حروب إبادة. فالذين يركزون على هذه الأخطاء (إن وجدت)، ويبالغون فيها، لهم غايات سيئة وباع طويلة في دس السم بالعسل وتضليل الرأي العام، ولو كانوا محايدين لأشاروا إلى أحابيل البعثيين وإمكانياتهم الفائقة في ارتكاب الجرائم وإلقائها على خصومهم لتشويه سمعتهم. فهناك شهادات من الشرفاء من أهل تكريت تؤكد أن الذين قاموا بهذه الجرائم هم محليون لثارات بينهم و لتشويه صورة الحشد.
ونحن العراقيين لنا تجارب مريرة مع البعثيين ونعرف خبثهم وقدراتهم على تشويه سمعة خصومهم وتقبيح صورتهم، فقد جمعوا كل ما في التراث العربي- الإسلامي والعالمي من خدع، ابتداءً من أستاذهم معاوية وابن العاص ولحد الآن، وعلى سبيل المثال بعث لي صديق عزيز(طلب عدم الإشارة إلى اسمه)، وهو ناشط سياسي مخضرم، بعث لي رسالة ذكر فيها عن خبث البعثيين قائلاً: ((ما يشغل اليوم وسائل الإعلام الخائبة على اختلاف أنواعها هو موضوع بعض التجاوزات المزعومة في مدن صلاح الدين بعد انتصارات القوات المسلحة والحشد الشعبي ومتطوعي بعض عشائر المحافظة. النجاحات التي جعلت من تنبؤات القيادة العسكرية الأمريكية بأن طرد الدواعش يحتاج إلى أكثر من 3 سنوات أمرا مثيرا للسخرية.!... يذكرني ذلك بما جرى أيام الإنتفاضة الشعبانية عام 1991. كانت تصل من منطقة الرضوانية إلى داخل المجمع النفطي ببغداد في الصباح الباكر حافلات نقل أهلية وهي تحمل حوالي 100 من الشباب، يرتدي كل منهم دشداشة رثة ونعال قديم، حيث تزود بالوقود من محطة التعبئة الموجودة في الساحة. ثم تنطلق نحو كربلاء والمدن المجاورة ليندسوا بين الثوار مرددين الهتافات الطائفية وذلك بغية إثارة النعرات الطائفية لدى أبناء السنة، لاسيما الضباط العائدين مع الجيش المنكسر من الكويت¬".
ويضيف الصديق: "أخي: وددت سرد هذه الواقعة التي كنت أشاهدها يوميا خلال الدوام الرسمي بحكم وظيفتي آنذاك ...عسى أن تتناولها في مقالاتك القادمة إن وجدتها مفيدة.. مذكرا بالمقولة الشهيرة: "لا يلدغ المرء من جحر مرتين")). أنتهى، وشكراً للصديق على هذه المعلومة القيمة.
كما وأود الإشارة إلى ما ذكره السيد حسن العلوي (وهو بعثي سابق، وكان مستشار صحفي لصدام في السبعينات)، عن خبث البعثيين وما عملوه في عهد ثورة 14 تموز، أن خصوم الشيوعيين من البعثيين قد ساهموا مساهمة فعالة في بث الإشاعات ونشر شعارات وهتافات غوغائية وتمزيق القرآن من أجل توجيه التهم وإلصاقها بخصومهم الشيوعيين وحبسهم من قبل محكمة شمس الدين عبد الله. وفعلاً حققوا نجاحات باهرة في هذا المضمار. وعلى سبيل المثال لا الحصر، ذكر العلوي قصة مضحكة قائلاً: "البعثيون يتقمصون سلوك الشيوعيين في تشويه سمعة الشيوعيين، كبة حلب أَم كبة موسكو!! حدث في تلك الفترة، وكانت مجاميع من أنصار الحكومة تحكم سيطرتها على الشارع. فدخلنا مطعم تاجران في الباب الشرقي، بعد أن تسلحنا بوضع حمامات السلام على صدورنا والتي كانت تباع على قارعة الطريق، حتى إذا أخذنا مكاننا على مائدة وسط الصالة، وحضر العامل لإستطلاع رغباتنا، بادره أحدنا، حميد رجب الحمداني.. جيب كبة موسكو… فاعتدل العامل بدهشة.. متأسفين لا توجد مثل هذه الكبة. فاصطنع حميد الإنفعال وعلا صوته.. لماذا يا ناس، كبة موسكو لا توجد؟ ماذا عندكم يا متآمرين. هنا حضر صاحب المطعم وقد تدلى كرشه إلى الأمام وهو يعتذر بخوف وانتهازية عن التقصير قائلاً: هل تسمحون بوصف هذه الكبة حتى أحضرها لكم غداً؟ قال حميد.. هات قائمة المأكولات .. وأشار بإصبعه إليها قائلاً هل فهمتم؟ هذه التي كان أعداء الجمهورية والزعيم يسمونها كبة حلب. ولم يكن من صاحب المطعم إلا أن يبادر على الفور لشطب حلب وكتابة الإسم الجديد."(حسن العلوي، عبد الكريم قاسم.. رؤية بعد العشرين، ص57).
وهناك آلاف الأعمال الإجرامية التي ارتكبها البعثيون وألصقوها بخصومهم. فالشعب العراقي يواجه هكذا عدو شرس متمرس بالخبث والدهاء لارتكاب الجرائم وإلقائها على الخصم. فمنذ سقوط حكمهم الجائر عام 2003 وإلى الآن وهم يرتكبون أبشع الأعمال الإرهابية ولكن تحت أسماء تنظيمات إسلامية مثل جند الإسلام، والنقشبندية، والقاعدة والآن داعش، ولا ندري ما هو الاسم القادم. وقلنا مراراً وتكراراً في مقالات عديدة أن هذه التنظيمات هي مجرد أسماء حركية لفلول البعث، ولم يصدقنا أحد إلى أن اعترفت صحيفة الـ (واشنطن بوست) بهذه الحقيقة في تقرير مطول بعنوان (ماذا يفعل ضبّاط صدام حسين في "داعش"؟)(2 و3)
وتقرير واشنطن بوست فيه الكثير من الحقائق ولكن في نفس الوقت لا يخلو من بعض المغالطات لتبرير صعود البعث الداعشي، وهذا يحتاج إلى مقال مستقل.
خلاصة القول، نحن لا نقدس أشخاص أو جماعات، ولكن يجب أن نكون حذرين من الاتهامات الباطلة التي تصدر من فلول البعث، و تدعمها وسائل الاعلام السعودية والقطرية المشبوهة ومعها خطباء مشايخ الوهابية التي ما انفكت تنفخ في بوق الشحن الطائفي.
وألف تحية لقواتنا الأمنية الباسلة والحشد الشعبي بكل مكوناته، والمجد والخلود للشهداء، والخزي والعار لأعداء شعبنا. سيروا إلى الأمام، والقافلة تسير ولا يضيرها نبح الكلاب.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- Mass graves of Iraqi soldiers killed by IS found in Tikrit
http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-32199244
2- واشنطن بوست: ماذا يفعل ضبّاط صدام حسين في "داعش"؟
http://www.akhbaar.org/home/2015/4/188391.html
3- النسخة الإنكليزية الأصلية لتقرير واشنطن بوست:
The hidden hand behind the Islamic State militants? Saddam Hussein’s
http://www.washingtonpost.com/world/middle_east/the-hidden-hand-behind-the-islamic-state-militants-saddam-husseins/2015/04/04/aa97676c-cc32-11e4-8730-4f473416e759_story.html