الأقباط متحدون - نريد مليونية لخلع الفقر في مصر
أخر تحديث ٠١:٤٧ | الاربعاء ١٥ ابريل ٢٠١٥ | ٧برمودة ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٣٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

نريد مليونية لخلع الفقر في مصر

بقلم: د. أحمد الخميسي
دعا أحد الصحفيين المصريين إلي مليونية تخرج في الأسبوع الأول من مايو القادم تقوم فيها مجموعة من الفتيات بخلع الحجاب خلال تظاهرة عامة بميدان التحرير. هكذا تتحول المليونيات إلي شكل القضايا وليس جوهرها. فالحجاب بداية قناعة شخصية، ترتديه أو تخلعه من تشاء وفقا لقناعاتها، كما أن البنطلون قناعة شخصية والمايوه البكيني أيضا.

ومن الفظاظة أن نتدخل في قناعات الناس التي تزول أو تتطور على ضوء عوامل كثيرة أهمها توفير العمل والصحة والسكن والعلاج والتعليم للناس. ويظل الحجاب والأزياء عامة موضوعا شخصيا لا يحق لأحد التدخل فيه خاصة في شكل دعوة لمليونية تؤدي بشكل أو بآخر لإرهاب الآخرين معنويا. وبهذا الصدد هناك حادثة شهيرة عندما التقى عبد الناصر بمرشد الإخوان عام 1953 وطلب منه المرشد أن يلزم النساء بلبس الحجاب،فقال له عبد الناصر بالنص: " أنا في رأيي كل واحد في بيته هو اللي ينفذ هذاالكلام", أي أن الموضوع شخصي. نحن ضد أن يفرض الإخوان الحجاب على أحد ، وأيضا ضد أن نفرض خلع الحجاب على أحد.

كما أن الحجاب ليس قنبلة ، ولا سلاحا مخزونا في قبو منزل، أو مخططا سريا لعملية إرهابية. إنه قناعة شخصية. من ناحية أخرى فإن طرح قضية الحجاب باعتبارها قضية جديرة ب " مليونية " في ميدان التحرير يحيل الصراع الاجتماعي إلي اتجاه آخر مزيف، الاتجاه نحو الأزياء، والأخطر من ذلك أنه يحيل القضايا الاجتماعية عامة إلي مجرى قضايا الخلافات الدينية. ويفتح باب النقاش ليس حول قضايا مصر الحقيقية بل حول ما إن كان الحجاب حلال أم حرام؟ سنة أم فرض؟ إلي آخر التساؤلات التي لاتنتهي. وبذلك فإننا نشغل مصر عن قضاياها الملحة بقضايا أخرى موهومة. مشكلة مصر الحقيقية هي الفقر، وكان الأجدر بنا الدعوة لمليونية لخلع الفقر. ففي ظل الفقر وحده تطل بقوة كل الأفكار الرجعية الخاصة بوضع المرأة ،والفن، والتقدم، كما تختفي هذه الأفكار في ظل قدر ولو بسيط من العدالة الاجتماعية والتصنيع والنهوض بالزراعة وتوفير فرص العمل والتعليم والعلاج والسكن. ووفقا للأرقام الرسمية يوجد في مصر أكثر من ثلاثين بالمئة من المواطنين يعيشون تحت خط الفقر، وهو خط فقر مصري غير خط الفقر الأوروبي المرفه، خط فقر قاس وموحش. كما أن مشكلة مصر هي البطالة التي أقر بها إبراهيم محلب حين قال إن حكومته "تواجه العديد من التحديات، أهمها البطالة، التي بلغت نسبتها 13.6%، إضافة إلى مشكلة الفقر".

مشكلة مصر ليست الحجاب ولا البلوزة ولا البنطلون ولا الجونلة، لكن الجوع الذي تعاني منه الملايين، وأطفال الشوارع الذين وصل عددهم لأكثر من مليوني طفل يتعرضون للاستغلال والاغتصاب والإجبار على الجريمة، هذا في الوقت الذي احتلت مصر فيه حسب تصنيف مجلة فوربس السنوي المركز الأول عربيا من حيث عدد المليارديرات بعدد ثمانية مليارديرات،يملكون 22.3 مليار دولار. مشكلة مصر هي نهب مواردها لصالح قلة قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة. هذا في الوقت الذي يشير فيه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلي أن نسبة الفقر المدقع بلغت 4.4% من السكان.لافتًا إلى أن أعداد الفقراء في مصر تتزايد سنويًا بشكل مستمر، وأن النسبة الأكبر من الفقر تقع في الصعيد، حيث لايحصل 49% من سكان ريف الوجه القبلي على حاجاتهم الأساسية من الغذاء.أخيرا أقول لمن يعتبر أن " خلع الحجاب" رمز الثورة والتحرر إن معظم النساء اللواتي خرجن للإطاحة بحكم مرسي والإخوان كن من المحجبات!!

كنت أتمنى أن يدعونا البعض إلي مليونية لخلع الفقر، ومليونية لخلع الشباشب البلاستيك التي يجوب بها أطفال الفقراء الشوارع لعجزهم عن شراء أحذية، ومليونية لخلع الجوع، أومليونية لخلع الفوارق المرعبة في الدخول، أوخلع التعذيب من أقسام الشرطة والمعتقلات، أما الحجاب فليس مشكلة مصر، ولا هو مشكلة فقرائها، إنه مشكلة مكاتب توريد الخدمات الفكرية للأنظمةالحاكمة التي تقدم للنظام معركة يلهي بها الناس عن حاجاتها الحقيقية. معركة ترتدي ثوبا عصريا ! وإذا كان البعض يتخيل بحسن نية أن في مثل تلك الدعوات دعوة للتنوير، فإنه ما من تنوير يمكن القيام به أقوى وأصدق من القضاء على الفقر والجوع. ومادام البعض يموت من التخمة حاشيا فمه بالمليارات والغالبية العظمى تموت من الجوع فسوف تخرج كل ألوان الظلام الفكري والاجتماعي شاهرة علينا كل ما يقع بين يديها.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter