زحف «داعش» على «الرمادى» بالعراق كان متوقعاً، نعم ربما تكون القوات العراقية قد حققت تقدماً فى مناطق تكريت وصلاح الدين خلال الأسابيع الماضية، لكن ذلك لم يكن ليستمر فى ظل خطة وضعها أصحاب المصالح لإغراق المنطقة فى حرب استنزاف طويلة الأمد. كان من المتوقع أن يتم ضخ الحياة من جديد فى «داعش» لتركب فى مواقع قد تكون أخطر من تلك التى أُخرجت منها، ويبدو أن لعبة الكراسى الموسيقية ستكون الحاكمة للحركة على المسرح القتالى فى العراق، لتجد «داعش» تهاجَم وتُطرد من مناطق، وبعدها بأيام أو أسابيع تتمدد إلى مناطق أخرى. فحرب «الكراسى الموسيقية» هى الكفيلة بتسييل ملايين الدولارات فى شراء الأسلحة، ثم استهلاك الأسلحة فى المعارك، ليتم تسييل ملايين جديدة، وكلها مكاسب، يستوى فى ذلك المكاسب السياسية مع المكاسب الاقتصادية التى سيحصدها الأمريكان الذين يقفون موقف المتفرج والراضى كل الرضا عن لعبة «الاستنزاف» التى تجتاح المنطقة. ويوم أن ييأس الأطراف المتصارعة فى العراق من مواصلة اللعبة، سيكون كل طرف قد تهيأ تماماً لفكرة التقسيم، ولات حين مناص.
هذا المشهد يتكرر فى اليمن بذات الطريقة وبنفس الأسلوب. فقد مر ما يقرب من ثلاثة أسابيع على عاصفة الحزم، وتعددت وتنوعت الطلعات الجوية التى قام بها طيران التحالف العربى، وكل يوم يتحفنا المتحدث باسم العاصفة ببيان وفيديوهات، بدت متشابهة من فرط التكرار، والأنباء التى تتواتر عبر القنوات الفضائية التابعة لدول «الحزم»، تحدثنا عن خسائر عديدة للحوثيين على الأرض، وانشقاقات لقادة عن جيش المخلوع على عبدالله صالح فى كل ساعة. فكله ضرب.. ضرب.. ومفيش حاجة تانية! وبالنسبة للطرف الحوثى، فليس لدينا معلومات عن أوضاعه الحقيقية على الأرض، وكل ما نخشاه أن نستيقظ ذات يوم لنفاجأ بخبر يؤكد سيطرة الحوثيين على مجمل الأراضى اليمنية، وأن «العاصفة» لم تسفر عن تعديل الأوضاع على الأرض، تماماً كما فوجئنا ذات يوم بسقوط الموصل بين يدى «داعش».
حرب اليمن يمكن أن تصبح النموذج الثالث على المستوى العربى لتطبيق «لعبة الاستنزاف»، بعد أن نجح النموذجان العراقى والسورى بامتياز. وثمة أطراف ثلاثة -فى تقديرى- يسعى الأمريكان إلى استنزافها فى تلك الحرب، هى إيران والمملكة العربية السعودية ومصر. هذه الأطراف تتمتع بمعطيات قوة مختلفة الأشكال والأنواع، من المؤكد أن كل طرف منها سوف يسعى إلى توظيفها فى الحرب إذا طالت وتمددت، وهى تتنوع بين مال وسلاح وقوات عسكرية وأذرع سياسية وميليشيات مسلحة، يحلو للأمريكان أن يُزج بها جميعاً فى أتون معركة قد تؤدى إلى استنزاف هذه المعطيات، وفى الوقت نفسه تسمح بمزيد من التركيز والتركز للجماعات الإرهابية فى المنطقة العربية بعيداً عن الغرب ودوله. وقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى كلمته بالكلية الحربية فجر السبت الماضى أن مصر لا تشارك سوى بقوات بحرية وجوية فى معركة اليمن، لأن الرجل واع تماماً بأن الزج بقوات برية مجازفة لا بد أن تسبقها حسابات معقدة، قد تؤدى فى النهاية إلى صرف النظر عنها.
نقلا عن الوطن