الأقباط متحدون - أرقص واتحنجل وخلّي بالك من شنجل
أخر تحديث ٠٤:٠٦ | الاربعاء ٢٢ ابريل ٢٠١٥ | ١٤برمودة ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٣٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أرقص واتحنجل وخلّي بالك من شنجل

فاروق عطية
   المثل بيقول: إذا كبر ابنك خاويه, وحيث أنني أتعامل مع الأمثلة المنتقاة وليست كل الأمثلة, فعلاقتي مع إبني أكثر من أخوّة بل تعدتها لتكون علاقة صداقة متكافئة.

حين نجلس معا تذوب الكلفة ويحدثني بكل ما يشعر به وما يضايقه ويسمع مني النصائح بقلب وفكر مفتوح. لكن كونه من جيل مختلف عن جيلنا ولحرصه الشديد علي سلامتي كان يعطي لنفسه الحق في الاعتراض علي بعض قراراتي التي أراها حقا مطلقا لي وحدي.

من عدة سنين مضت قررت السفر إلي باريس, وحين أخبرته عن ذلك اعترض بشدة بحجة أنني كبير في السن ولا أتحمل عناء السفر بمفردي ولكنني أصررت علي السفر وعدت دون أي مشاكل.

وفي هذا العام قررت السفر إلي الفلبين, ومنعا لاعتراضاته حجزت للسفر, وقبل السفر بيوم أخبرته بما قررت, فوجدته يعترض بشدة ويقول لي لا لن أسمح لك بالسفر, فقلت له ضاحكا ومن أعطاك حق السماح من عدمه.

أنا قررت وحجزت والتذكرة في جيبي وغدا سأكون بالطائرة, فقط أخبرتك من باب العلم. فنظر إلي ضاحكا وقال: ليه يا بابا أنت مش عاوز تصدق أنك عجوز ؟ فتذكرت يوسف ابن الشيخ حسني بفيلم الكيت كات حين قال لأبيه ضاحكا بعد سقوطه بالموتوسيكل في النيل: أنت ليه يابا مش عاوز تصدق أنك أعمي, فرد عليه ضاحكا أيضا: أنا باشوف أحسن منك في النور وفي الضلمه كمان.

فرددت علي إبني بنفس الطريقة قائلا: أنا شباب عنك وعن اللي خلفوك كمان. ومر علي فكري محمد صبحي في مسرحية الجوكر, فقلت مقلدا إياه: ربنا خد مني كل حاجة واداني الصحة.

فبادرني ضاحكا وهو يقول: يا بابا صحة إيه يا راجل يا عجوز, إنت ناسي إنك عامل (باي باس) لأربع شرايين, وكمان مستبدل ركبتيك الإثنتين, وأنك بتستخدم سماعات (هيرنج إيدز) حتي تسمع, وقريبا ستغير عدسات عينيك (كتاراكت), وفاضل إيه كمان مغيرتوش عشات تقوللي إنك شياب, يا بابا أنت عجوز وبلاش تغالط نفسك دا انت راجل بيونك.

قلت له موضحا: كلمة عجوز جاءت من الفعل عجز أي عدم القدرة علي القيام بالمتطلبات الحياتية. حين يكون الإنسان عاجزا ولا يستطيع القيام بتنظيف نفسه ولبس ملابسه ويحتاج لمن يقوم بحمومه, هنا يكون الإنسان عجوزا أي عاجزا عن القيام بمتطلبات وأعباء حياته, أما أنا والحمد لله قادر علي الاستحمام وتغيير ملابسي بل وغسلها وتنظيف شقّتي والتسوق وطهي طعامي, بل ولا تنسي أنني حين آتي لبيتك أقوم بمساعدة زوجتك في الطهي وأنا من علمها كيف نطهو الأطباق المصرية التي تحبها. وسافرت للفلبين واستمتعت بمعرفة أرض جديدة وبشر بتقاليد وعادات جديدة وعدت سالما.

   في بداية حياتي العملية كنت مليئا بالنشاط والحيوية, أبذل مجهودا مضاعفا في الدراسة وآداء مهام عملي الوظيفي وكان لي زميل عزيز(كيميائي سامي رزق) حين يري نشاطي الزائد يردد مثلا : من جار علي شبابه جارت عليه شيخوخته, وكنت أقول له هذا المثل ينطبق حين يجور الشباب علي صحته تدخينا أو معاقرة للخمور أو المخدرات أوممارسة للرزيله هنا يكون المردود في الشبخوخة مدمرا, أما النشاط في الدراسة والعمل فمردوده علي الشيخوخة يكون المزيد من الشباب. تذكرت ذلك ونحن في المكسيك ننعم بالشمس والبحر والهواء النظيف. اندمجت مع حفيدتي التي تعشق الماء ولا تريد الخروج منه طوال النهار ما بين شواطئ المحيط أو حمامات السباحة, وأنا أتبعها دون خوف من أشعة الشمس الحارقة علي رأسي الأصلع ومزيد من انعكاساتها من المياه الرقراقة. وفي اليوم الرابع من الأجازة أحسست بارتفاع درجة حرارتي والتهاب حاد في جلد جسمي وتكسير في عظامي فاستعنت بالأسبرين والليمون والانعكاف يوما كاملا حتي استرددت عافيتي وأنا أردد مثل صديقي القديم بصورة جديدة: من جار علي شيخوخته جارت عليه صحته.

   يبدو أن المثل المصري "ما يحسد المال إلا أصحابه"مثلا صادقا. من كثرة تفاخري بالشباب والصحة والنشاط, وبعد العودة من المكسيك بأيام وبالتحديد يوم 3 أبريل مساء(الجمعة العظيمة لدي الطوائف الغربية) كنت أتصفح بريدي الالكتروني, أحسست بألم شديد في رقبتي يمتد ليشمل الجزء الأيمن من جبهتي, قمت بتدليك رقبتي بكريم الفولتارين وحاولت النوم, وفي منتصف الليل أحسست بآلام شديدة تعصف بالجزء الأيمن من رأسي تماما كما لوكانت طعنات خنجر وفي نفس اللحظة أحس بصاعق كهربي يصعق جميع جسدي. قمت وأخذت قرصا من التيلينول وحاولت النوم دون جدوي. انتابتني المخاوف أن يكون جلطة في أحد شرايين المخ أونزيف داخلي. وفي الصباح (السبت) تناولت إفطاري مع كوب كبير من القهوة, لكن الآلام ازدادت عنفا وقوة أكبر من احتمالي.

إتصلت بإبني تليفونيا, أجابتني زوجته وبادرتني بالسؤال عن صحتي فقلت لها: مش كويس. نادت علي زوجها وسمعتها تقول له: بابا عنده مشكلة وأكيد مشكلة صعبة فهو شديد التحمل لا يشكو ولا يطلب العون. رد ابني علي التليفون مسرعا مستفسرا فقلت له: لا تنزعج, شوية ألم بسيط بس لازم أروح المستشفى, قال لي: جهز نفسك وخلال دقائق سأكون عندك. وخلال نصف ساعة كنا في المستشفى (قسم الطوارئ). سجلت الممرضة كل البيانات وأدخلوني حجرة, خلعت ملابسي ولبست جلباب المستشفى, وقامت الممرضة بقياس الضغط ودرجة الحرارة وتسجيل ما أتعاطاه من أدوية, بعد قليل من الوقت أتي الطبيب الذي تفحصني جيدا وطلب إجراء أشعة مقطعية علي الرأس.

بعد إجراء الأشعة قال الطبيب: الحمد لله مفيش حاجة خطيرة في المخ, فأجلته ضاحكا رغم الألم: هو انتو لقيتوا مخ؟ أعطوني بعض المسكنات القوية التي لم تأت بمفعول سريع, وبعد أكثر من ساعتين انتظار جاء الطبيب بروشتة مسكن ( كبريتات المورفين 5 ملجم) مع خطاب عاجل موجه لفرع المستشفى بشرواي لمقابلة استشاري المخ والأعصاب بعد الاتصال بي خلال سبعة أيام. صرفت الدواء من الصيدلية وأخذت قرصا مسكنا, بعد قليل من الوقت توقفت الآلام. مرّ يومي السبت والأحد بدون آلام مع المسكن, وفي صباح الإثنين وجدت طفحا جلديا بدأ الظهور علي رقبتي والجزء الأيمن من الرأس, ظننته ربما يكون استمرارا لحروق شمس المكسيك.

   يوم الثلاثاء 7 أبريل إتصلت المستشفى تدعوني للحضور فورا, أدخلوني حجرة الانتظار وقلت للممرضة أن طفحا جلديا بدأ الظهور في الرقبة والجزء الأيمن من الجبهة والرأس, فقالت لي: حين يأتيك الطبيب إخبره. بعد قليل حضر الطبيب وحدثني وهو يقف بعيدا (في مدخل الحجرة) وسألني: هل تعلم لماذا استدعتك المسنشفي؟ فأجبت بالنفي, فقال لي: لديك التهاب في الجيوب الأنفية, ضع ملابسك حتي أرسل لك الروشتة  وعد لمنزلك. قلت له: لآ أشعر بأي التهاب أو ألم في جيوني الأنفية, ولكن ظهر ظفح جلدي متنامي علي الرقبة والرأس. نظر إلي باستخفاف وانصرف. وحين جاءتني الروشتة "مضاد حيوي وبخاخة أنف" عدت لمنزلي مرهقا لأنام. وفي صباح الأربعاء توجهت إلي وحدة صحية تشمل صيدلية أمام بنايتنا مباشرة لصرف الدواء. قالت لي الصيدلانية أن البخاخة غير مغطاة ويصعب الاتصال بطبيب المستشفى لتغييرها لكن يمكنك الدخول للدكتور بطرس هنا لتغييرها.

   د/ بطرس ميخائيل طبيب شاب مرح ونشيط استقبلني بابتسامة. طلبت منه كتابة روشتة ببخاخة أنف مغطاة بدلا من تلك التي وصفها طبيب المستشفى, ثم سألته: هل المضاد الحيوي الموصوف يشفي الطفح الجلدي أيضا ؟ تقدم ليري ويفحص الطفح الجلدي وقال لي: احكيلي كل ما حدث بالمستشفي. وحين أخبرته بكل التفاصيل قال لي مندهشا: للأسف تشخيص المستشفى خاطئ ومشكلتك ليست في الجيوب الأنفيه حتي لو كانت فعلا ملتهبة, المشكلة أن المرض الذي أنت تعاني منه هو الشنجل. وأردف: أعراض اللأم الشديد الذي وصفته بضربات خنجر مع الصدمات الكهربية للجسد حتي قبل ظهور الطفح هي أعراض واضحة للشنجل الذي يطلق عليه بالعربية مرض الهربس العصبي أو حزام النار, واستسمحني أن يأخذ صورة لمنطقة الطفح الجلدي, ثم كتب روشتة العلاج "فالتركس 500 ملجم قرصين ثلاث مرات يوميا, وكريم فوسيدين 2% دهن مرتين يوميا" بدء العلاج فورا علي أن يراني بعد أسبوع.

   الهربس العصبي هو مرض فيروسي مؤلم يتميز بظهور طفح جلدي على طول العصب المصاب، لهذا يسمى أيضاً بالحزام الناري من حيث أنه يميز المنطقة المصابة وكأنها طوق ناري شديد الإحمرار مختلف لونا عن بقية أجزاء الجسم. والفيروس المسبب لهذا المرض هو نفس الفيروس المسبب لمرض جديري الماء Varicella-Zoster Virus، يصيب هذا المرض حوالي 10% من كبار السن من الجنسين.

بعد الإصابة بالجديري لأول مرة والشفاء يبقى الفيروس كامنا في العقد العصبية لمدة قد تصل إلى عشرات السنين، وبعدها ينشط من جديد متخذا الأعصاب كخط له حتى يبلغ الجلد بشكل الهربس العصبي. ولا يعرف سببا مباشرا لتنشيط الفيروس ولكنه يعزى بشكل عام لتقدم العمر، إضافة لأسباب أخرى كضعف المناعة والتوتر والانفعال الكبير.  تبدأ اعراض مرض الحزام النارى بألام فى جانب واحد من الجسم فى مناطق الجلد التابعة للعصب المصاب بالفيروس وتستمر هذه الالام لعدة ايام قبل ظهور الطفح الجلدى, تتراوح مدة الشعور بالالم بين يوم الى يومين فى مناطق الوجه والرقبة وتزيد الى 3-4 ايام فى منطقة الصدر والبطن والاماكن الاخرى وعادة تتراوح درجة الالم ما بين احساس بالحرقان مماثل الاحساس بحروق النار بالجلد فى المناطق المصابة الى الام شديدة تكون فى بعض الحالات مصحوبة بارتفاع بسيط فى درجة الحرارة مع صداع وضعف عام.

وهذه الألام السابقة للطفح الجلدى تكون هى اول اعراض المرض فى الكبار. وبعد شفاء المريض من مرض " الحزام النارى " تكون قد تكونت له مناعة كافية لعدم حدوث كل من مرضى الجديرى المائى والحزام النارى طوال حياته حتى وإن تعرض للعدوى مرة اخرى بنفس الفيروس.

   أنصح شباب فوق السبعين من أمثالي: لا تركن للخمول والدعة حتي لا تهرم, نشّط أفكارك بالقراءة والتفكير حتي لا تصاب بالزهيمر. سافر وتنقل وتمعنن, تريض أرقص واتحنجل يس خلّي بالك من الشنجل, ولآ أراكم الله شنجلة لعزيز لديكم. وأقول لقارئي الحبيب إذا لم يكن قد أعجبه المقال أن يلتمس لي عذرا أنني كتبته وأنا متشنجل بأقسي أنواع الألم.

   يبقي سؤال لم أجد له إجابة, من القراءة حول الشنجل, علمت أنه يصيب كبار السن ممن أصيبوا سابقا بفيروس الجديري المائي وبعد الشفاء يكمن الفيروس في العقد العصبية لفترات طويلة وينشط عندما يجد فرصته من ضعف في الجهاز المناعي. وأنا أجزم أنني لم أصب في صغري بفيروس الجديري المائي أو أي فيروس للجدري, لا أنا ولا أي من أفراد أسرتي بل والمدينة التي عشت فيها طفولتي, فكيف تسلل هذا الفيروس ابن اللئيمة لعقد أعصايي ليقفز مباغتا لي ومنغصا حياتي بآلامه المبرحة بلا رحمة؟ لعلني أجد إجابة لدي قارئ دارس أوطبيب متمكن.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter