يردِّد كثيرون هذه العبارة الخاطئة: إن التعليم هو الحل فى مواجهة الإرهاب.
فى تقديرى، فإن دحْضَ هذه الجملة لا يحتاج إلى مجهودٍ كبير.. ذلك أن المهندس أسامة بن لادن قد تخرج فى كلية الهندسة، والدكتور أيمن الظواهرى قد تخرج فى كلية الطب.. وأن أنور العولقى «ثالث أكبر اسم فى تنظيم القاعدة» قد تخرج فى الولايات المتحدة.. وحصل على شهادة الماجستير فى «القيادة التربوية» من جامعة سان دييجو، وعلى شهادة الدكتوراه فى «تنمية الموارد البشرية» من جامعة جورج واشنطن.
وقد طلبتُ من زملائى فى «مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجية - CCSS» أن يعدّوا ورقة بحثية حول المستوى التعليمى لقادة الإرهاب والتطرف الدينى.. وإنّى على ثقة بأن النتائج ستكون صادمة ومروِّعة، ذلك أن نسبة كبيرة من نجوم الصف الأول فى عالم الإرهاب.. هم من خريجى كليات القمة، ومن الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية.
(2)
يردِّد كثيرون أيضاً هذه العبارة الخاطئة: إن الفقر هو السبب وراء نمو جماعات التطرف الدينى، وإن القضاء على الفقر يؤدى إلى القضاء على الإرهاب.
وفى تقديرى، فإن دحْضَ هذه الفكرة هى الأخرى لا يحتاج إلى مجهودٍ كبير، ذلك أن أسامة بن لادن هو ملياردير ينتمى إلى إحدى أغنى العائلات فى العالم، وأن أيمن الظواهرى ينتمى بدورِه إلى الطبقة العليا المصرية، فهو من وجهاء حىّ المعادى الراقى، وجده كان «شيخ الأزهر»، وجده الآخر كان «باشا»، وأول أمين عام لجامعة الدول العربية.
أمّا أنور العولقى فهو «ابن وزير»، ومن أسرة ثرية، وقد حصل والده على شهادة الدكتوراة من جامعة نبراسكا بالولايات المتحدة.. ليصبح رئيساً لجامعة صنعاء، ثم وزيراً للتعليم.
إن الثلاثة الكبار فى تنظيم القاعدة قد تلقوا تعليماً رفيعاً، وينتمى ثلاثتهم إلى عائلات مرموقة.. وقد نشأ كل منهم فى دولة ومجتمع غير الآخر.. مصر والسعودية واليمن.
(3)
إن العامل الرئيسى فى مكافحة التطرف.. هو الثقافة وليس التعليم.. فكَمْ من حَمَلة شهادات عليا وتخصصّات سامية، ولكنهم بلا فكر ولا ثقافة.. ويمكن لأى «أُمىّ» أو «شبه أُمىّ» أن يقودهم كالنعاج!
إن التعليم هو جوهر الحداثة، وهو أساس النهضة، وتحتاج مصر إلى ثورة كبرى فى التعليم. كما أن الفقر أكبر عدو للشعب وأكبر خطر على الدولة.. والحرب على الفقر هى الحرب المقدسة من أجل الخبز والكرامة.
وبغضّ النظر عن الإرهاب.. وجوداً أو عدماً، وكذلك بغضّ النظر عن التطرف الدينى والعنف السياسى.. فإن التعليم ومكافحة الفقر هما من أساسيات البناء الوطنى وأولويات «الجمهورية الثالثة».. لكن الثقافة، والثقافة وحدها، هى العنصر الحاسم فى الحرب على الإرهاب.
(4)
يجب أن نعترف أن مصر تمضى منذ سنوات طويلة دون «سياسة ثقافية».. ويحمل المشهد الثقافى البائس فى بلادنا تلك المعادلة الرديئة: ثقافة بلا سياسة، وسياسة بلا ثقافة.
إن أكثر ما تحتاجه مصر وهى تبنى «الجمهورية الثالثة» هو رسم سياسة ثقافية.. تكافح التطرف.. وتبنى الإنسان.
لن يبنى بلادنا أولئك الجهلة والسفهاء الذين هبطوا باللغة والخطاب والرسالة. لن يبنى بلادنا أولئك «المشاهير السطحيون» الذين يريدون بسط سلطانهم على الثقافة والإعلام.. وتمديد نفوذ «تخلّفهم» إلى السياسة والاقتصاد.
لم يحدث فى كل التاريخ أن شيّد الجهل وطناً، أو حَمَتْ الحدود والوجود.. ثقافة النائحات النادبات اللاطمات الخدود.
لم يحدث فى كل التاريخ أن نجحت سياسة بلا ثقافة، أو نجحت ثقافة بلا سياسة. فى قولةٍ واحدةٍ: الثقافة هى الحلّ.
حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر.
نفلا عن الوطن