السبت ٢٥ ابريل ٢٠١٥ -
٠٠:
١٢ ص +03:00 EEST
صورة تعبيرية
مينا ملاك عازر
أراه يلملم أمتعته ويحزمها، أراه يضيق صدره بالبقاء في عالم تافه وفي بلد جاذب للتفاهات وطارد للكفاءات، أراه يئن رغم حبه لبلاده لكنه لم يطق البقاء فيها كثيراً، يرحل بالرغم عنه كارهاً أن يتركها وحدها وهو الذي طالما حارب حكامها المستبدين، حاربهم بسلاح لا يتوافر لديهم وهو القلم، يكتب شعراً كالقذائف ويعبر عن أحلام الأحرار والحرائر.
الأبنودي يرحل عنا بعد أن يحكى لنا في ظل حكم العسكر المتواطئ عن ضحكة المساجين كتبها ضد البيادة الضعيفة المتراخية الخاشية من الإخوان، وعاد ليكتب عن البيادة التي سحقت خيانة الإخوان، كتب الأبنودي دون مجاملة لأحد في عصر مبارك، لم يهب ولم يبحث عن تكريم، كتب ضد مرسي وجماعته وهم في الحكم مربعات رائعة، حبسهم بداخلها قبل أن يدخلوا مربعات السجن "الزنازين"، الأبنودي - رحمة الله عليه- رحمنا بكلمات بردت قلوبنا في وقت كانت تحترق من هول ما نعانيه أو ما كنا نعانيه على أيدي حكام باطشين خائنين ظالمين.
الأبنودي كتب وأرخ عن طبقات المجتمع المختلفة، كان مثال للإنسان الجدع البسيط القوي في رأيه، والصلد في حجته، والواعي في حبه النقي في قلبه القوي، في حربه ضمير أمة. مات جسداً، نعم، وبقت أعماله تواخذنا متى توانينا وتراخينا وتخاذلنا، الأبنودي كان ضمير لمن لا ضمير لهم يجلدهم، كما كان بوصلة لمن لا بوصلة لهم يتيهون ويتحيرون، إذ كان يرى هدفه واضحاً وهو مصر، لا يشاركه هدف آخر في الاهتمام بمصر فكانت في مقدمة اهتماماته وفي خاتمته وكأنه لم يهتم إلا بها.
أصدقه متى يقول" ببات ليالي عليها باكي ولا بحب إلاكِ" رأيت ذلك في كلماته وأفعاله وأعماله، أصدق الأبنودى في كل حرف يكتبه لأنه يكتب بصدق ويحلم بحق، ويسعى ويسخر في صمت فيهز الحجر لكن أكثر ما آلمني لفراقه هو عدم تفعيل طلب ماجدة الرومي منه بأن يكتب كوبليه جديد لأوبريت وطني حبيبي وطني الأكبر ليزيد عليه وتغنيه هي فتكن مشتركة مع زمرة من غنوه، الأبنودي رحل وبقت لنا كلماته ومواقفه وآراءه لمن يريد الاسترشاد، فهل نسترشد؟ وهل نصل للهدف؟ وهل ننجح في تحقيق مراده؟ وهو إعلاء اسم مصر أم نخذله في رقاده الأخير، سؤال ستجيب عنه الأيام، ولكن يبقى أن هناك رجال قلوبهم ذهب بجد، وهم رجال القوات المسلحة الذين احتفوا به، وحاولوا علاجه، وكرموه إلى أن أوصلوه لمثواه الأخير، فرحمة الله عليه وعلينا وعلى وطن يحتاج لرحمة أبنائه به.