بقلم: يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (534)
هذا تقرير علي درجة عالية جدا من الأهمية والخطورة.. الأهمية المضمون الصادر عن مكتب القانون الجنائي الدولي في لندن والذي أعد الدراسة وأصدرها في تقرير من 150 صفحة -يرقي إلي حجم كتاب توثيقي- والخطورة في علامات الاستفهام التي يثيرها حول ردود أفعال القوي العالمية التي ماتزال تعاند في تعاطفها مع الإخوان وإصرارها أنهم فصيل سياسي يجب تمكينه من المشاركة في اللعبة السياسية في مصر لتحقيق التوافق الوطني والاستقرار السياسي!!!… ولعل ردود الأفعال التي باتت ملحة هي حول تلك القوي العالمية وماذا هي فاعلة في أمر احتضانها لقادة جماعة الإخوان وتكرار حواراتها معهم واستمرار السماح لهم بالعمل فوق أراضيها!!!
وعلي المستوي المحلي هنا في مصر يعد هذا التقرير بمثابة ضربة قاضية لكل الدعاوي التي لاتزال تتشدق بإمكان المصالحة مع الإخوان أو تطلق بين الحين والآخر أخبارا مزعومة عن مراجعات فكرية صادرة عن قادة الجماعة ورموزها -أو حتي عن شبابها- فبالرغم من أن الرأي العام حاليا يرفض ويستهجن كل تلك الدعاوي والأخبار لأن الذاكرة الوطنية لم تنس مرارة تجربة السنوات الثلاث الماضية 2011-2013 ولا شفيت من مسلسل الإرهاب والعنف المتفشي والمستمر في أيامنا هذه, إلا أن الخوف كل الخوف أن تأتي أيام في المستقبل تتجاوز فيها مصر محنة الإخوان وتبدأ الذاكرة الوطنية في التآكل بخصوصهم فتعود تلك الدعاوي لتدغدغ عواطف البعض ممن لم يكتووا بنار الإخوان.. لذلك كله تكمن أهمية قصوي في التقرير الذي بين أيدينا الإخوان أصل الإرهاب والذي أدعوكم معي في قراءة عبر صفحاته:
** تاريخ جماعة الإخوان المسلمين منذ تأسيسها في عشرينيات القرن الماضي يرتبط بالتنظيم السري المسلح الذي هو الذراع العسكري لها والذي بات الملهم لكل التنظيمات والجماعات الإرهابية حول العالم من القاعدة وداعش إلي أنصار بيت المقدس وبوكوحرام في نيجيريا وجماعة الشباب في الصومال وغيرها.
** تبني حسن البنا مؤسس الجماعة أهدافا ظلت هي نفسها سائدة وراسخة عبر أكثر من ثمانية عقود وتتضمن بجانب التحريض الواضح علي العنف احتكار الجماعة للإسلام, وتفردها في القدرة علي الإصلاح من خلال تشكيل رؤية شمولية تجعل دعوة الإخوان المسلمين كما كتب هو: دعوة سلفية وطريقة سنية وحقيقة صوفية وهيئة سياسية وجماعة رياضية ورابطة علمية ثقافية وشركة اقتصادية.. وبهذا تتحول الجماعة إلي كل ما هو في المجتمع وليس فصيلا ضمن فصائله.
** أدت استراتيجية الاستعلاء واحتكار الجماعة للإسلام إلي استشراء لغة العنف وتدريب الشباب علي العنف المسلح في تنظيمات وميليشيات كانت هي النواة الملهمة والداعمة لجميع التنظيمات المسلحة الإرهابية التي ظهرت فيما بعد مثل القاعدة وميليشيات عز الدين القسام وأنصار بيت المقدس وجماعة الشباب وبوكوحرام وصولا إلي داعش. وحصدت مصر نصيبها مبكرا في مسلسل العنف والإرهاب والاغتيالات بدءا من أربعينيات القرن الماضي, ومع تصاعد تلك العمليات سعي حسن البنا إلي محاولة التنصل من العنف عبر رسالته ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين ولكنه فشل في استعادة السيطرة علي التنظيم المسلح حتي تم اغتياله عام 1949.
** جماعات التطرف والإرهاب التي خرجت من رحم الإخوان المسلمين تشترك معها في تقسيم المجتمع إلي مجتمع الجاهلية في مواجهة مجتمع الإسلام وذلك يرجع إلي تعريف سيد قطب الشهير بأن الإسلام لا يعرف إلا نوعين اثنين من المجتمعات: مجتمع إسلامي ومجتمع جاهلي, حيث المجتمع الإسلامي هو الذي يطبق فيه الإسلام عقيدة وعبادة وشريعة ونظاما وخلقا وسلوكا, بينما المجتمع الجاهلي هو الذي لا يطبق فيه الإسلام ولا قيمه ولا موازينه وشرائعه.
** فترة حكم محمد مرسي ووصول جماعة الإخوان المسلمين للسلطة في مصر شهدت نمو علاقة وثيقة بين السلطة في مصر وتنظيم القاعدة من خلال علاقة محمد مرسي بمحمد الظواهري شقيق أيمن الظواهري زعيم القاعدة الحالي والذي كان عضوا بجماعة الإخوان في شبابه.
** تحظي جماعة الإخوان بدعم كل من قطر وتركيا اللتين توفران ملجأ لقيادات الجماعة وللهاربين من العدالة في مصر وذلك يرجع إلي سعي قطر لاستخدام الجماعة من أجل تحقيق استراتيجيتها للهيمنة في المنطقة, بجانب سعي تركيا لاستعادة دورها وإحياء علم الخلافة والدولة العثمانية!!!
** التقرير يسجل أن الحكومة المصرية أعلنت جماعة الإخوان المسلمين جماعة إرهابية في أعقاب ثورة 30 يونية 2013 وقامت باعتقال قادتها وتقديمهم للعدالة بعد أن كشفت الجماعة عن وجهها الحقيقي في استخدام العنف والإرهاب سواء للوصول إلي السلطة أو لعرقلة مسار الإصلاح السياسي بعد إزاحتها عن السلطة.
*** أعرف أن مصر لا تفتقر إلي الأقطاب السابقين والقيادات التي انشقت عن جماعة الإخوان المسلمين والذين كتبوا وفضحوا التنظيم السري والمسلح للجماعة وأهدافها الغريبة عن الوطن.. لكن يظل هذا التقرير الذي أعرضه اليوم مكتسبا أهمية خاصة لصدوره عن مكتب القانون الجنائي الدولي في لندن, لعله يدق ناقوس إنذار للقوي العالمية والحكومات الغربية الحاضنة لهذه الجماعة.
نقلا عن وطنى