الأقباط متحدون - المرأة المصرية والحجاب.. حرب حق الانتفاع
أخر تحديث ١٣:٥٦ | الاثنين ٢٧ ابريل ٢٠١٥ | ١٩برمودة ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٤٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

المرأة المصرية والحجاب.. حرب حق الانتفاع

أميرة علي
أميرة علي

يتعجب البعض من أصدقائي أنني لم أخض "عاركة" الحجاب. فمن يعرفني جيدًا يعلم أن قصتي مع الحجاب أكثر درامية من العديد من  القصص المتداولة. ارتديته قبل هوجة لبسه وخلعته قبل هوجة خلعه وعانيت من الهجوم والغضب والمقاطعة في الحالتين.

ارتديت الحجاب وقمت بفريضة الحج وأنا في الثانية عشر من عمري- بعد بلوغي الحيض بأيام قليلة- في وقت كان الحجاب فيه "بيئة" وغير مقبول في وسطي الاجتماعي. لم يكن في عائلتنا محجبات تقريبًا ومنعتني جدتي- رحمها الله- من دخول نادي "الجزيرة" معها لأن شكلي وأنا "رابطة منديل"- الكلام ده كان في أوائل التسعينيات ولم تكن كلمة "حجاب" مألوفة لجدتي- يوحي بأني "دادة" أو "شغالة". بكت أمي عندما "تحجبت" وأبدت قلقها من أن فرصي في الزواج من عريس "ابن ناس" ستتضاءل. هاجمني أغلب أفراد العائلة ورأوا في قراري غلوًا في الدين و"دهولة" شكلية.

كنسوية صغيرة زادتني الاعتراضات إصرارًا. كان حجابي في البداية خوفًا من الذنوب "المتلتلة" التي سأحصدها كلما نظر إليّ رجل- كما سمعت من شيخ الكاسيت-، ولكنه أضحى دليلًا على حريتي وتمردي على طبقية عائلتي. مشكلاتي مع الحجاب بدأت حينما لاحظت انجذاب الأمهات و"الأخوات" الزائد لي فى المسجد- يتكلمن معي على أنني ساصبح يومًا "عروسة لُقطة"، ويبحثن عن من هن من أمثالي لأبنائهن. كنت أتساءل: لماذا؟.. وكانت الردود دائمًا تدور في فلك "البنت الكويسة"؛ "مش زي بنات اليومين دول"؛ "مش زي بنات هنا- حيث إننا كنا هاجرنا إلى كندا فى هذا الوقت".  فطنت لأن الحجاب هو- بالنسبة لهن- رمز للانصياع للذكورية، في حين كان المايوه البكيني بالنسبة لي هو قمة تشيؤ وتسليع المرأة وعلامة انصياعها لمجتمع ذكوري متعفن يريد الاستمتاع بجسدها حينما يحلو له. كان تحت وسادتي كتاب ناوومي وولف: "أسطورة الجمال: كيف يستعمل "الجمال" للتنكيل بالمرأة؟"، وكنت أقرأ مقتطفات منه كل ليلة بعد ما أصلي العشاء فرضًا وسنة. كان حجابي ليس مجرد منديل. كان الحجاب ثورتي ضد مجتمع يقهرني ويريد تشكيلي على كيف كيفه. كان حجابي ليس مجرد فرض، بل كان حجابي جزءًا مني- كان حجابي هو أنا! وكنت أتحدث كثيرًا مع نسويات مسلمات وكن يشاركنني الاحتفاء بانتصارنا على مجتمع لا يرى فينا إلا زينة وديكورًا ومادة للإغراء والدعاية.

خلعت الحجاب في ٢٠٠٨، بعد ستة عشر عامًا من ارتدائه، ووقتها كانت كل نساء العائلة تحجبن وأصبح نادي "الجزيرة" يعج بالمحجبات وذوات الجلابيب- جمع جلباب وليس جلابية. وكانت قد تحجبت جدتي قبل وفاتها بسنوات قليلة انصياعًا لرغبة أحد أبنائها. نظر إليّ الجميع وقتها كأنني جُننت. وهاجمتني الكثيرات- أغلبهم خلعن الحجاب بعد الثورة. لم يكن مفهومًا لأحد سر قراري.

إننى لم أخلع الحجاب لأني خرجت عن  الإسلام، ولا لأني توصلت لرأي فقهي لولبي يطمئنني أن الحجاب ليس فرضًا. ولكني خلعته- وأرحب وأشجع على خلعه-؛ لأني أرى عدم ارتدائه أقرب للحرية والمساواة بين الرجل والمرأة. خلعته لرفضي أن أشارك فى تنميط وتصنيف المرأة إلى "محترمة" و"غير محترمة". خلعته لأني أردت أن أعلن عن عدم قناعتي ولا تقبلي فكرة أني مسؤولة عن ذنوب الرجل الناظر إليّ.

إن كانت الذنوب المشكلة فلماذا لا ينفق السلفيون ملايين الدولارات في حملات للحث على مكارم الأخلاق التي لا خلاف عليها؟ لماذا لا نراهم يلعنون رمي القاذورات في الشوارع وأخذ الرشاوى على المنابر؟ أليست هذه ذنوب نكراء في ديننا الحنيف؟ الحكاية إذًا ليست خوفًا علينا- يا حرام- من النار، بل هي حرب علي "حقوق الانتفاع" بأجسادنا.

تأكدت أن المسألة ليست ذنوب. فالكثير ممن يحجبون بناتهم وزوجاتهم يتصفحون المواقع الإباحية للتسرية عن أنفسهم. تحاورت مع أحدهم مرة وكان صوامًا قوامًا، وسألته: "إزاي يهون عليك تاخد ذنوب بالزوفة في حاجة تافهة كده؟"؛ فأوضح لي أن الموضوع ليس بالبشاعة ديه ولكنه مجرد تسرية تعويضية. وتفضل- شاكرًا- بتذكيري أنه زمان كان فيه جواري ماشيين بأثدائهن عارية وكان لكل رجل كذا جارية تسري عنه. "أما إحنا رجالة اليومين دول فغلابة.. كام ويبسايت وفيديو كليبات ودمتم، منعتوا عنا اللي ربنا محلله ومستخسرين فينا دول كمان؟". ذكرني هذا بأن الحجاب لا يمكن أن يكون ثورة- لا طبقية ولا يحزنون-؛ حيث إنه يقال إنه فرض على "الحرة" وليس "العبدة"! كيف إذن لا يكون الحجاب طبقيًا وتمييزيًا ومناصروه لا يجدون غضاضة أن يتحدثوا عن الأحرار والعبيد؟ الحجاب إذن ليس هدفه المساواة.. بل هو رداء تمييزي ذكوري.

لن يغير مجتمعنا سوى الدعوة لحرية شخصية حقيقة وفصل حقيقي بين العقيدة والإيمان عن السياسة والدولة. أما ما دون ذلك غالبيته تكون مجرد حديث عن حرية المرأة من أبو أجندة- يريدها المتأسلم حرة أن ترتدي المهرهر والمجرجر ليخلص من إغوائها، وحتي "يكوش" عليها، ويريدها المتلبرن "حرة" أن ترتدي البكيني لتمتعه "هذا إن كانت كتوكتة كيوت ورشيقة وعلى مزاجه طبعًا، لإما سينهال عليها تريقة وتهزيقًا". كلاهما ذكوري وكلاهما يتشاجر على "حق الانتفاع" بجسد المرأة.

لن تغيروا الإسلاميين والإسلاميات بأن تقولوا لهم بأن آراءهم "كخة". فهم يرون أن آراءكم "كخة" كذلك. بحكم تخصصي كخبيرة صحة نفسية وتغيير سلوكيات؛ فإنى أعلم أن أفضل طريقة لجعل الإنسان يتشبث بآرائه- التي عادة يعتبرها جزءًا من كينونته- هو أن نهاجمها. إنك إن هاجمت أي إنسان تحول إلى طفل عنيد يدبدب فى الأرض ويتفتف يمينًا ويسارًا ويتشبث بلعبته "المحظورة".

لم يكن من الممكن أن تقنعوا "أميرة" موديل ١٩٩٢، أن تسليع وتشيئ المرأة ليس في المايوه ذاته، ولكن في فرض المجتمع لقالب شكلي معين. لم تكن الدعوة لمليونية "خلع الحجاب" لتؤثر في أميرة ٩٢- كانت غالبًا هتزود من تشبثها به. احتاجت أميرة أن تخوض حياتها كما أرادت وأن تقرأ أكثر وأن تخوض تجارب كثيرة حتى تفهم أن حريتها في أن تحتفي بكل ما فيها… جمالها؛ شعرها؛ جسدها كما هو بحسناته وعيوبه، وليس أن تحاول أن تطلقه بالتلاتة إرضاء لشيخ الجامع الذي يطلب منها أيضًا أن تتحول إلى امرأة ماهرة في فنون الحب بعد الزواج إرضاءً لبعلها.

التغيير يبدأ من الداخل.. والتغيير الأهم يبدأ بحب وتقبل الذات..

خلعت الحجاب لأني قررت أن أشطب من حياتي شعوري بالخزي والخجل من جسدي.. ذلك الشيء الذي يمكن أن يجذب الرجال إليه. قررت أن أتناسى الرجال وآراءهم ووعظهم تمامًا. قررت أن أعطي جسدي إجازة من كونه ساحة معاركي مع الذكورية بشكليها في مجتمعي: الأخ الذي يراني "مصاصة" يريد تغطيتي حتى لا يأكلني الذباب، والأخ الذي يراني "وردة" يتعايق بيها في عروة الجاكيتة. قررت أن أستمع لما يريد جلدي أنا.. شعري أنا.. جسمي أنا. وكانوا جميعًا مشتاقين لرذاذ البحر ودفء الشمس ونسيم الصباح وقطرات المطر. كان جسدي مشتاقًا للحرية والحركة والرقص- فأعطيته ما يريد.

خلقنا بأجساد متصلة بأرواحنا. وضع الله بأجسادنا ميكانيزمات تعلمنا بما نحتاجه حتى نحيا سعداء ومنتجين. تعلمنا عندما نحتاج للجنس أو الحنان أو الحركة، كما تُعلمنا بحاجتنا للأكل والشرب والنوم. علينا فقط أن نتعلم أن نستمع لها جيدًا… وهذا هو ما أعلمه لمرضاي ومريضاتي فهو أساس للصحة النفسية.

ولذلك خناقة نتظاهر ولا ما نتظاهرشي لخلع الحجاب ليست معركتي.

أنا رسالتي لكل فتاة وامرأة وأم:

كوني أنت كما تريدين..
كوني متسقة مع نفسك.. سعيدة.. متألقة

إلبسي ما تريدين: طنجرًا كان فوق أمة رأسك أو "بادي" كارينا فوسفوري.
ولكن كوني سعيدة.. أبية.. بهية.

نقلا عن مدى مصر


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع