من يطعم من ّأيها السيد غير المحترم ؟
( قصة طريفة عن العمل المنتج والعمل الطفيلى)
للأديب والشاعر فايز البهجورى
القــرداتى .. والقــرد
فى بعض القرى المصرية يقوم بعض الأشخاص باقتناء " نسناس " او " قرد صغير " وتدريبه على الرقص والقيام بحركات بهلوانية .
ثم يربطونه بسلسلة طويلة وينطلقون به فى شوارع القرية يقدّمون الاستعراضات للقرويين .
وفى نهاية الاستعراض يقوم القرداتى ( صاحب القرد ) بجمع ما يقدّمه له المتفرجون من هبات .
ثم ينتقل بعد ذلك لمكان آخر يقوم فيه القرد بنفس العمل .
------------------------***------------------
وفى يوم من الأيام غضب القرداتى من القرد فأمره أن يطيع أوامره ، لأنه هو سيده وهو الذى يطعمه .
سخر القرد من هذا الكلام وأثبت للقرداتى عكسه.
ودار بينهما حوار طريف أعطى فيه القرد للقرداتى درسا قاسيا فى الفرق بين" العمل المنتج" و"العمل الطفيلى ".
----------------***----------------
فبعد يوم طويل وشاق بذل قيه القرد مجهودا كبيرا فيما قام به من استعراضات ، قال له القرداتى ، وهو يمسك بيده السلسلة الطويلة التى ربطه بها :
تذكّر أيها القرد الغبى أنّى أنا السيد بالنسبة لك .
آأمرك فتطيعنى .
أقول لك إقفز فتقفز . إركع فتركع . إرقص فترقص .
إعجن عجين الفلاحة فتعجن عجين الفلاحة .
فأنا الذى أطعمك ولى عليك حق الطاعة .
***
لم يعجب القرد هذا الكلام . ونظر إلى صاحبه نظرة فيها سخرية وقال له :
آه لو علمت أيها السيد المغرور لماذا أطيعك .
إننى أطيعك إشفاقاً عليك حتى لا تموت أنت من الجوع .
دهش القرداتى لهذا الكلام ، ولكن القرد إستمر فى حديثه :
إنك تعيش على " الهبات " التى يقدّمها لك الذين يتفرّجون علىٌ وأنا أقفز وأرقص وأعجن عجين الفلاحة .
ولو إمتنعت أنا عن عمل ذلك ، لإمتنعوا هم عن الإحسان إليك . ولن تجد ما تأكله .
فمن هو الذى يطعم من ؟ أيها السيد غير المحترم .. ؟
هل أنا الذى أطعمك مما يقدمه الناس إليك بسبب فرجتهم عليّ ، أم أنت الذى تطعمنى مما يقدمه الناس إليك بسبب فرجتهم عليك .. ؟
***
وإستمر القرد قائلاً :
إننى أستطيع أن أحصل على طعامى بدونك . فهو هناك كثير ومتوفر فى ثمار أشجار الغابة .
أما أنت فطعامك يتوقف على حركة منّى . يعجب بها الناس من بنى جنسك ، فيشفقون عليك بسببها ، ويقدمون لك ما تعيش عليه ، ولولا ذلك لمت أنت من الجوع أيها السيد غير المحترم.
***
وعلّق القرداتى على كلام القرد قائلا :
أنا لن أموت جوعاً أيها القرد السليط اللسان .
إننى أستطيع أن أقوم بأعمال أخرى كثيرة أكسب منها قوتى وقوت أولادى
• أستطيع أن أحرث الأرض وأزرعها . وأروى الزرع وأجنى الثمر . وأبيعه للناس فيسعدون به كثيراً ، وأكسب منه أيضاً مالاً وفيراً .
• وأستطيع أن أعمل فى إحد المصانع - وهى كثيرة جداً ومنتشرة فى كل مكان - وصناعاتها متعددة ، وأرباحها كبيرة .
• وأستطيع أن أعمل نجاراً . أقطع الأخشاب ، وأصنع منها أشياء كثيرة . وجميلة ونافعة للانسان .
• وأستطيع أن أرعى قطيعاً من الغنم ، أو الماعز ، وأحرسها من الذئاب ، فتكبر .. وتتوالد .. وأكسب من ذلك كثيراً .
• وأستطيع أن أعمل صيّاد سمك ، ألقى الشباك فى المياه فتخرج مملوءة بالأسماك ، أقدمها للناس طعاماً شهياً وأكسب منه مالاً وفيراً .
• وأستطيع أن أقود سيارة أتوبيس أو سيارة نقل . أنقل الناس أو البضائع من مكان لآخر . فيلتقى الأحباب . ويقضى الناس مصالحهم . ويجدون حاجاتهم .
• وأستطيع أن أعمل بحاراً فوق ظهر إحدى المراكب التى تعبر الأنهار والبحار والمحيطات.
وتنقل الناس والبضائع بين بلدان العالم .
----------------***----------------
وإستمر القرداتى يروى ما يستطيع أن يعمله .
ولكن القرد قاطعه بضحكة عالية وهو يقول :
عندئذ تكون فعلاً السيـد المحترم .
أما من يعتمد فى كسب قوته على عمل طفيلى مثل ما تقوم به أنت الآن . هل هو حقاً انسان محترم ؟
وهنا سكت القرداتى ولم يجد ما يقوله للقرد .