الداعية أحمد عبده عوض نجم جديد يدخل عالم الطب النبوى، لكن بضاعته هذه المرة مختلفة عن أساتذته، فهو لا يعالج بالبردقوش ولم يخترع قطرة قرآنية، ولكنه يعالج بطريقة أخرى وهى طريقة العلاج بالأسماء الحسنى، وهكذا تكتمل الحلقة الجهنمية التى تقوم على التجارة بالدين واستغلال البسطاء وغسل أدمغة المتعلمين، إنها أكبر إهانة توجه لديننا الإسلامى الحنيف الذى قام على العقل، وأخطر جريمة تغتال سماحة وعقلانية الدين، لتملأه بالخرافات، وتدس فى نخاعه الدجل والشعوذة.
الأسماء الحسنى التى هى صفات للخالق عز جل استطاع الداعية الإسلامى فى كتابه وحلقاته التليفزيونية أن يحولها إلى كبسولات وحقن وأقراص وملينات وبخاخات وقطرات!، نزل بها إلى معترك الواقع، لتتحول القداسة إلى مستوصف، والجلالة إلى وحدة صحية، هل هى خطة مدبرة من هؤلاء لاغتيال وخنق أى نَفَس عقلى أو نبض منطقى فى الدين؟ أريد إجابة عن مغزى وهدف تلك الخزعبلات، هل هى نتيجة الدونية التى نحس بها تجاه الغرب؟ هل هى نتيجة أننا لم نسهم فى مسار العلم منذ عصر ابن رشد؟ هل هى نتيجة أننا صرنا نستورد كل شىء، من فتاحة العلب إلى أدوات تنقيب البترول، أم نتاج أن الوحش الإسرائيلى الرابض إلى جانبنا عدد علمائه ضعف عدد العلماء فى الدول الإسلامية مجتمعة بكاملها، أم هو نتاج وإفراز كل ذلك؟! علاج الصمم عند الداعية أحمد عبده عوض هو ترديد اسم السميع مائة مرة، ولعلاج آلام العمود الفقرى فلنقرأ الجبار مائة مرة أيضاً، أما الجيوب الأنفية فلا يجدى معها إلا اللطيف، ولمتانة تثبيت الجنين قراءة اسم المتين، يلصقه بقوة فولاذية، والقولون له علاج وهو ترديد الرؤوف، والبروستاتا الرشيد، وضغط الدم له الخافض، ولعلاج الروماتويد اسم المهيمن..
وهكذا، كل مرض له اسم خاص من الأسماء الحسنى، يستطيع إصلاح الخلل وإعادة الحيوية. سأحاول أن أناقش هذا الأمر بجدية، بالرغم من أنه لا يصمد لمناقشة طالب ابتدائى، ولكنها الحياة فى مصر المحروسة هى التى تفرض عليك أحياناً أن تناقش البديهيات من المربع رقم واحد، أولاً لا يوجد دواء يعالج عضواً ما عميانى كده!!، هذه الفلسفة انتهت منذ زمن بعيد بظهور علم الفسيولوجيا، وصار الدواء يقتل ميكروباً ما أو يعالج خللاً أو إنزيماً ما وليس عضواً ما، فأصبحنا نسمع عن دواء يعالج خلل الأنسولين فى البنكرياس أو خلل توازن الأملاح فى الضغط أو خلل هرمون الثيروكسين وليس الغدة الدرقية، أو يقتل نوعاً خاصاً من الفطريات أو البكتيريا...
إلى آخر هذه الفلسفة التى استقر عليها العلم، وصار يكتشف بها ويقتحم وينشر السعادة ويطيل عمر الإنسان ويقلل وفيات الأطفال والأمهات، ويقضى على أمراض فتاكة مثل الجدرى والطاعون والكوليرا... إلخ. كل ما سبق كان بسبب العلم ولا شىء غير العلم، وهذا يقودنا إلى ثانياً: وهو أن هذا المعنى العلاجى يوصلنا إلى تفرقة عنصرية فى العلاج، ويقودنا إلى فتنة طائفية، فالمريض المسلم يشفى والمريض المسيحى يموت، لأن الأول يملك أسماء حسنى والثانى لا يملكها، وهذا ظلم يتنافى مع اسم الله وصفته وهى العدل.
ثالثاً: العلاج بالكلام الشفهى والمعجزات الخارقة كان فى عصر السحر، أيام إنسان الكهف الذى كان لا يفهم سر الزوابع والأعاصير والبراكين، والأهم سر الموت، فيحفظ تمائم وتعاويذ ويعالج بكلام شفهى سحرى، ويتخيل أنه أخرج به الأرواح الشريرة، مثلما كانوا يقولون قبل عصر أبوقراط عندما كانوا يعالجون الصرع بضرب المريض حتى تخرج الأرواح الشريرة من جسده!، فهل بعد كل هذا التقدم الطبى والعلاج بالهندسة الوراثية والخلايا الجذعية والمناظير الضوئية والتشخيص بالمقطعية والرنين وثلاثى الأبعاد وتحليل نقطة الدم التى صارت تكشف لنا عن علامات الاستفهام التى كانت تكتنف العالم الغامض، عالم الإنسان... إلخ، بعد كل هذا نعود للعلاج بالكلمات مهما بلغت قداستها، أعتقد أن هذا هو الجنون بعينه. ارحموا الدين، فهو ملجأ وملاذ وليس «بيزنس» وابتزازاً.
نقلا عن موقع د. خالد منتصر