قامت الدنيا ولم تقعد. انقسم الناس بين فريقين، فريق يحدثنا عن الدولة الظالمة التى نالت من الكابتن «أبوتريكة»، وفريق آخر راح يهيل الثرى على الرجل الذى كان حتى الأمس القريب مثار فخر للكثيرين.
دعونا نتكلم بوعى وموضوعية. لا أحد يستطيع، حتى الآن، أن يتهم أبوتريكة صراحة بدعم الإرهاب. إنه لا ينكر انتماءه، أو بالأحرى تعاطفه مع جماعة الإخوان، هذا مسجل عنه فى موقع اليوتيوب، ولكن فى نفس الوقت لا أحد يمنحه صك البراءة النهائية من كون شريكه طرفاً فى دعم هذا الإرهاب.
القضية باختصار أن مدير شركة «أصحاب تورز» للسياحة التى يشارك أبوتريكة فى ملكيتها شخص معروف بأنه إخوانى «متطرف»، ويُدعى «أنس محمد عمر القاضى»، وهو محبوس حالياً على ذمة القضية رقم «14275» لسنة 2014 إدارى الدخيلة، كما أنه متهم فى الجناية رقم «171» لسنة 2013 جنايات باب شرق «أعمال عدائية ضد الدولة»، وأن هناك معلومات تؤكد تسرب أموال هذه الشركة لتمويل بعض العمليات الإرهابية!
ومن الطبيعى وفقاً للإجراءات والأحكام القضائية الصادرة أن تتولى الجهات المعنية البحث فى كافة المصادر الداعمة لعمليات العنف، إما بالتمويل أو التسليح أو كافة أشكال الدعم الأخرى.. ومن ثم تعمل على تنفيذ الحكم الصادر بالتحفظ على أموال المنتمين تنظيمياً لجماعة الإخوان.
والتحفظ على هذه الشركة لم يكن القصد منه «أبوتريكة»، بل المعلومات والأسانيد التى تدور حول الشخص الآخر (مدير الشركة) المدعو «أنس القاضى»، ومن ثم فإن قرار التحفظ جاء تنفيذاً للحكم القضائى الصادر فى هذا الشأن، كما أن قاضى التنفيذ الذى قرأ الأدلة والأسانيد أصدر هو الآخر قراره بالتحفظ على الشركة ومالكيها.
لم يكن الأمر انتقائياً، ولم يكن الكابتن أبوتريكة مستهدفاً لغرض شخصى أو حتى لمجرد انتمائه أو تعاطفه مع جماعة الإخوان الإرهابية، أو موقفه الذى قيل إنه كان داعماً لاعتصام رابعة الإرهابى المسلح، بل كان موقفاً يستهدف بالأساس الشريك الآخر الذى يتولى إدارة الشركة والمحبوس حالياً على ذمة عدد من قضايا دعم الإرهاب.
كانت اللجنة أمام خيار من اثنين، إما أن تستجيب للحكم القضائى وقرار قاضى التنفيذ المدعوم بالأدلة والأسانيد وتسعى إلى تنفيذ هذا الحكم، وإما أن ترفض تنفيذه باعتبار أن «أبوتريكة» شريك رئيسى فى هذه الشركة، ومن ثم فإنه سيقيم الدنيا ولن يقعدها!
وعندما كشفت صحيفة «الوطن» تفاصيل هذه القضية كانت الصدمة قوية على الكثيرين، فأفقدتهم القدرة على الاتزان الفكرى والعصبى، فراح البعض يستنكر الظلم الواقع على «نجم النجوم» ويهيل الثرى على الدولة والقضاء، وهناك من راح يحدثنا عن أخلاق أبوتريكة ونجوميته، ويتساءل فى حسرة: لماذا تسعون إلى إيذائه؟!
وفى هذا وجد الإخوان «ضالتهم»، فالرجل محبوب جماهيرياً، ولا أحد يستطيع نسيان دوره فى تحقيق الانتصارات الكروية التى أسعدت المصريين جميعاً، ولذلك راحوا يلعبون على عواطف الغاضبين، أطلقوا أكثر من «هاشتاج» وروّجوا معلومات هدفها التضليل، وتصوير الأمر على غير حقيقته، فراح البعض يسلك الطريق من خلفهم ويدعم أكاذيبهم، بهدف إثارة المزيد من السخط على الدولة، بل إن هناك من راح يحرّض «الألتراس» للتظاهر والصدام وإعلان الحرب على القضاء.
وكان هناك فريق آخر يرى أن «أبوتريكة» ليس على رأسه «ريشة» وأنه، شأنه شأن أى مواطن آخر، يمكن أن يطاله الاتهام وتُتخذ ضده الإجراءات إذا ثبت تورطه، وأنه لا يستطيع إنكار دعمه للإخوان، وأنه تعاطف مع قتلى الإخوان فى الوقت الذى لم يقل فيه كلمة واحدة على شهداء الجيش والشرطة!
وأمام حالة الجدل المجتمعى راح أبوتريكة يكتب على مواقع التواصل الاجتماعى أنه لن يغادر مصر، مع أن أحداً لم يطلب منه ذلك، ويرسل بعدد من «التويتات» التى يقول البعض إنها استهدفت إثارة عواطف الجماهير.
وقد كنت أتمنى من أبوتريكة أن يرد على المعلومات والدلائل التى استند إليها قرار التحفظ على الشركة التى تم شراؤها فى زمن الإخوان بقيمة مليون جنيه، وأن يجيب عن عدد من التساؤلات المهمة ليوضح الصورة للرأى العام بالأدلة والأسانيد.
أولاً: هل مشاركته فى هذه الشركة السياحية مع كادر إخوانى، كان موقعه هو سكرتير اللجنة الإعلامية لحزب «الحرية والعدالة»، ينطوى على أهداف سياسية، أم أن الأمر كان مقصوراً فقط على الشراكة التجارية؟
ثانياً: لماذا استمر شريكاً مع المدعو «أنس القاضى» فى الوقت الذى تم فيه القبض عليه وسجنه فى عدة قضايا من بينها القيام بأعمال عدائية ضد الدولة، ولماذا يضع نفسه موضع الشبهات وهو شخصية عامة لها وزنها ومُحبوها فى طول البلاد وعرضها؟!
ثالثاً: هل قرأ أبوتريكة تصريح المستشار عزت خميس، رئيس لجنة التحفظ على أموال الإخوان، الذى قال فيه إن شركة السياحة المملوكة لأبوتريكة تورطت فى تمويل عمليات إرهابية وإن التحفظ على أموال أبوتريكة إجراء احترازى؟!
وإذا كان قد قرأ هذه التصريحات فلماذا لم يرد عليها ويفندها ويطلب المواجهة مع من رددها، أم أن الصمت له هدف آخر؟!
رابعاً: هل يعرف الكابتن أبوتريكة أن إجراءات التحفظ، كما قال المسئول عنها، هى إجراءات احترازية، وإذا ثبت العكس يتم رفع الحظر عنها فوراً، وإذا كان قد عرف وقرأ ذلك، فلماذا لم يخرج للرأى العام ويقول إنه يحترم أحكام القضاء وإنه سيقدم الأدلة التى تثبت براءة الشركة التى يمتلك أسهماً فيها، أم أن ذلك ليس وارداً فى أجندته، وأنه سيكتفى بمقولته التى رددها على مواقع التواصل الاجتماعى «يا رب، من يكره أن يرانى سعيداً، فارزقه سعادة تنسيه أمرى»؟!
كنت أتمنى من الكابتن أبوتريكة أن يجيب عن هذه التساؤلات وأن يواجه الأمر وأن يبرئ ساحته من هذه الاتهامات الموجهة إليه وألا يكتفى باللعب على عواطف الجماهير وفقط!!
إن أحداً لا ينكر أن «أبوتريكة» يمتلك مساحة كبيرة لدى الناس التى أحبته بفعل نجوميته وانتصاراته الكروية، لكن هناك اتهامات تطال أمن الوطن واستقراره كان يتوجب الإجابة عنها، والرد على اللجنة التى أثارتها.
إن البعض يتجاهل أن المستهدف الأساسى هو الشركة وليس «أبوتريكة»، وأن الدولة لا تترصد لهذا النجم الكروى الكبير، ولم تلجأ مرة واحدة إلى استغلال تصريحاته المؤيدة للإخوان وغيرها، ورفضه تسلم جائزته من وزير الرياضة السابق «كابتن طاهر أبوزيد» باعتباره وزير حكومة ما يسميه الإخوان «الانقلاب»!!
قد يكون لـ«أبوتريكة» قناعاته السياسية التى يتوجب احترامها، فهو لم يؤيد ثورة الثلاثين من يونيو، لكنه لم يهاجمها، بل قال: أحترم إرادة الشعب المصرى، أما مسألة التحفظ على شركة متهمة بدعم الإرهاب، وهو شريك فيها، فهذا شأن آخر، وهو أمر سوف يخضع للتحقيقات، والمطلوب من الجهات المعنية أن تقول لنا بالأدلة والمعلومات كيف ساندت هذه الشركة عبر مديرها المحبوس حالياً دعم الإرهاب!
صحيح أن هناك حكماً قضائياً صادراً بالتحفظ على ممتلكات الإخوان المتورطين، لكن ذلك لا يغنى أبداً عن ضرورة إطلاع الرأى العام على حقيقة دور الشركة التى يمتلك فيها «أبوتريكة» نسبة كبيرة من الأسهم.
وسواء أراد البعض أم لم يرد فـ«أبوتريكة» قامة كبيرة وقيمة لا يُنسى دورها، ولكن فى النهاية هو مواطن قد يصيب وقد يخطئ، ومثله مثل الآخرين أمام القانون سواء.
إن المطلوب هو التوقف فوراً عن الاتهامات وحملات التأييد، فنحن لسنا فى سوق عكاظ، نحن أمام حكم قضائى ولجنة قضائية لها حيثياتها، وهناك ثمانى شركات سياحية صدر ضدها قرار التحفظ، وجميعهاً بما فيها الشركة التى يشارك فيها «أبوتريكة» تقدمت بتظلمات أمام اللجنة.
علينا أن ننتظر، ولا نتعجل الأمر، وكفانا انقسامات، وتعمد البعض الإساءة للقضاء وأحكامه.. وتحويل آليات الإعلام والصحافة ومواقع التواصل الاجتماعى إلى أدوات للتشهير والإرهاب.
حكم القضاء يجب أن يُحترم، والمتهم برىء حتى تثبت إدانته، أما إعادة إنتاج خطاب ما بعد ثورة 25 يناير فهى أمر مرفوض، لأنه خطاب تشكيكى، يحرّض على الفتنة ويغيّب العقل، وهو أيضاً خطاب ليس بريئاً، له أهدافه وله مراميه، أهمها إفقاد المواطنين ثقتهم فى الدولة ومؤسساتها، وتلك هى بداية السقوط!!
نقلا عن الوطن