بقلم:على سالم | الخميس ١٤ مايو ٢٠١٥ -
٥٧:
٠٩ م +02:00 EET
على سالم
في لقائنا السابق قدمت لك أغنية لفرانك سيناترا تعكس بقوة الروح الفردية الأميركية وتمجد قدرة الإنسان الفرد على الصمود في مواجهة ضربات الزمن. كانت كل كلمات الأغنية تنضح بالتحدي وتأكيد ذات الفرد. وأقدم لك اليوم أغنية أخرى قديمة غناها عباس البليدي (1912-1996) في نهاية أربعينات القرن الماضي وهو مطرب وملحن بلدياتي من دمياط وإذا كانت شهادتي غير مجروحة، صدقني عندما أقول لك إنه صاحب أجمل صوت لمطرب سمعته في حياتي.
الأغنية كتبها مأمون الشناوي (1914-1966) ولكي تعرف مكانة هذا الشاعر الغنائي يكفي أن تعلم أنه كتب للسيدة أم كلثوم والأستاذ محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش وعبد الحليم حافظ. ولقد اخترت هذه الأغنية «يا خالق الأكوان.. يا رب يا ستار «لأنها تمشي في اتجاه معاكس تماما لأغنية سيناترا التي قدمتها لك أول من أمس. المؤلف هنا لا يتولى الدفاع عن الروح الفردية بل هو يقف في محكمة الدنيا مدافعا عن الجماعة، عن كل شعوب الأرض. الأغنية هنا أقرب إلى الابتهالات أو الصلاة الجماعية يقدمها المؤلف نيابة عن كل شعوب الأرض. الملحن أيضا وهو محمد القصبجي (1892-1966) وكأن كلمات الأغنية تجاوبت مع نزعة التصوف القوية التي ترقد في أعماقه، فاحتضنت الموسيقى كلمات الأغنية في رفق وجلال يخطف القلوب. ولقد اخترت من كلمات الأغنية ما يلي..
«يا خالق الأكوان، يا رب يا رحمن.. يا رب، اغفر ذنوب البشر، يا رب يا رحمن.. دعانا لك من القلب، اغفر لنا يا رب.. يا رب اهد الشعوب للخير ورسّيها.. وابعت حنان القلوب للناس ينجيها.. يا رب نجينا.
وانشر جناح الحب والطف بنا يا رب ابعت ضيا (ضياء) رحمتك للدنيا يهديها.. ومصر دي جنتك في الدنيا، في الأرض احميها»
من الواضح تأثير أجواء الحرب العالمية الثانية وأهوالها على المؤلف. أعجبني أنه تنبه إلى أن حنان القلوب هو سبيل البشر الوحيد للنجاة. القلوب التي امتلأت بالقسوة والغلظة ستتسبب في ضياع الإنسانية، والقلوب المحبة فقط هي سبيلنا إلى النجاة. غير أن المؤلف مع رغبته الصادقة في الدفاع عن البشر جميعا، غير أنه كان من الصعب عليه أن ينسى أن يخص بلده بالذكر لذلك طلب من الله سبحانه وتعالى في آخر كلمات الأغنية، حماية مصر التي رأى أنها جنة الله في أرضه. مصداقا للفكرة الشعبية الشهيرة «اللي مالوش خير في نفسه، مالوش خير في حد»
أرجو ألا تفهم من النموذجين اللذين أوردتهما لك، أنني لست متعاطفا مع أغنية سيناترا التي تمجد قوة الفرد وفخره بقدراته. الواقع أنه حتى أغنية عباس البليدي أيضا توضح قدرة الأفراد المؤلف والملحن والمطرب على قيادة الجماعة وتوجيهها من أجل الابتهال إلى الله سبحانه وتعالى أن يحمينا وينجينا، وذلك ببعث الحنان في قلوبنا.
يا رب.. أرسل لنا مسؤولا شجاعا يقرر تدريس الموسيقى في مدارس الحضانة والابتدائية. لكي نضمن أن تمتلئ قلوبنا بالحب.. فتكتب لنا السلامة والنجاة.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع