بقلم : محمود خليل | الاثنين ١٨ مايو ٢٠١٥ -
٤٣:
٠٦ م +02:00 EET
محمود خليل
هو كما تعلم جزء من أغنية قديمة لعذبة الصوت «ليلى مراد»، كانت تقول فيه «إضحك كركر.. إوعى تفكر»!. ارتبطت الأغنية بمشهد فى فيلم «قلبى دليلى»، تعرّض فيه أبوها «بشارة واكيم» لاعتداء من «أنور وجدى»، فاهتمّ واغتمّ، فما كان من ابنته «ليلى» إلا أن غنت له هذه الأغنية، وأتحفته بهذه النصيحة العجيبة «إوعى تفكر». يرى المصرى أن تعطيل العقل عن التفكير أحياناً ما يكون مفيداً للإنسان، بل وقد يبالغ أحياناً فيرى فى التفكير داء وبيلاً يصح أن يصيب الإنسان فيقضّ مضجعه، ومؤكد أنك سمعت ذات يوم أحدهم يصف آخر أصابه التوتر أو القلق بأنه «عنده فكر»، وتكون النصيحة الذهبية لمن يعانى من «الفكر» هى ذلك المثل الشعبى المصرى الذى يقول «ما تقعدش لوحدك.. الفكر ياخدك»!
فى ظنى أن كثيرين يشعرون بالإرهاق عندما يتفكرون فى تفاصيل المشهد العام الذى نعيشه فى مصر هذه الأيام، بسبب انطوائه على قدر كبير من الغموض. الحيرة تلفلف المصرى من كافة الاتجاهات عندما يتفكر فى بعض تفاصيل هذا المشهد، فيشعر فى أحيان بأن هناك صراعاً مكتوماً ما بين أجنحة مختلفة داخل دائرة صناعة القرار، هو لا يهتم بذلك كثيراً، لكنه يتساءل: كيف يتصارع أو يتخاصم من يظن أن مصالحهم واحدة؟ يتوازى مع الصراع الفوقى المكتوم احتقان تحتى مكتوم أيضاً داخل أفئدة الكثيرين، جوهره ذلك الإحساس بالإرهاق الذى انتابهم جرّاء الصعود المستمر فى الأسعار، والعجز المتنامى عن الوفاء باحتياجاتهم واحتياجات من يعولون، ينظر هؤلاء إلى حالة «وقف الحال» ويسألون: أما لهذا المشهد من نهاية؟ يتعشمون فى وجه الله خيراً، العشم فى وجه الله مطلوب فى كل حال وعلى أية حال، لكنهم يسمعون عن مطالبات المسئولين لهم بتحمل المزيد، مع كلمات غامضة تحضّرهم لموجة جديدة من الصعود فى الأسعار يوليو المقبل، فيحتارون فى أمرهم ويسألون أنفسهم السؤال الأشهر فى مصر: كيف سنعيش؟ آخرون وصل بهم الحال إلى انقطاع الدخل نتيجة توقف بعض المشروعات عن العمل، واستغناء مشروعات أخرى عن العمالة، أو اتخاذ قرار بتقليلها، أو خفض الأجور حتى تستطيع المواصلة فى ظل مناخ اقتصادى أصابه الركود بصورة أو بأخرى.
لو فتشت فيمن حولك ستجد فيهم من وصل بهم داء «الفكر» إلى مراحل خطرة، وصل الأمر بأحد المواطنين، ممن خسروا أموالهم فى البورصة، إلى إلقاء نفسه أسفل عجلات مترو «غمرة» منذ بضعة أيام، وبعده هدد المستشار زكريا عبدالعزيز -وهو رجل له قدره ومقامه- بإشعال النار فى نفسه أمام دار القضاء العالى بسبب تعنت مجلس تأديب وصلاحية القضاة الأعلى معه. شىء مؤسف أن يصل البعض إلى تلك الحال، فيندفع مواطن مغمور إلى الانتحار، ويفكر مستشار شهير فيه، والانتحار أمر لا يليق بعاقل ولا مؤمن بالله، يعلم أن «كل يوم هو فى شأن». خير للإنسان فى مثل هذه الأحوال أن يضحك و«يكركر» ويتوقف عن الاستسلام لـ«الفكر»، وأن يغنى مع ليلى مراد «إوعى تفكر»، إلا أن يكون صاحب عقل حصيف يستوعب الأمور بحكمة، فهو فى هذه الحالة من «أصحاب الراحات»، انطلاقاً من المثل المصرى الشهير الذى يقول «أصحاب العقول فى راحة»!
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع