بقلم /القس أيمن لويس
يشرفني قرائتكم مقالى هذا . وارجوا من القراء المسيحيين ، عدم التحفز واعتبار انه نوع من التعدى على عقيدة كنيسة ما . بل على اعتبار أنه دراسة كتابية متعمقة فى أساس النص تتجاوز التصنيفات . الطائفية والمذهبية المسيحية . للوصول للمعرفة المجردة وشكرا .
أعتقد أن ما أحدثته ثورة 25يناير 2010 من تأثير على طريقة تفكير المصرى ، أكثر مما أحدثته فى المجال السياسى من تغيير وتأثير ، فحتى وإن تغيرت الأنظمة شكلاً إلا إنها على نفس أسلوب الممارسة ، بغض النظر عن تفاقم الوضع فى الصراع على السلطة بين الإسلام السياسى والأقطاب السياسية ، واستمرار الأحزاب الكرتونية وفرض هيمنة الفكر الدينى وسطوة المؤسسة الدينية لنعود للنقطة صفر!! .
والتأثير الذى حدث على طريقة التفكير للمصرى، هو الجراة فى التفكير وفى التعبير عن ما بداخله بصورة علانية والمجاهرة به ، وبخاصة فى الأمور التى كانت عبارة عن تابوهات لا يصح الاقتراب منها ، ومن هذه الأمور الأطروحات الدينية!. وكما تجرأ المسلم فى التفكير ونبش المخزون المسكوت عنه من النصوص غير المستساغة والتى تخالف المنظومة العقلية والأخلاقية التى فطرت عليها البشرية منذ دخول الإنسان طور الوعى والإدراك . وهو ما بدأه المفكر فرج فوده والمستشار سعيد العشماوى ثم القمص زكريا وهو ما يعتبره المسلمون ازدارء وإهانة وليس دعوة للتفكير! ، ولا يزال البعض من العامة البسطاء لم يدخلوا داخل دائرة الثورة الفكرية الخلاقة.
المهم طال هذا المتغير أيضًا الجانب المسيحى باعتباره جزءًا من المنظومة المجتمعية وبدأ النبش والتنبيط فى أمور ما كان يصرح بها المسيحى وإن كانت تشغل حيزًا من تساؤلاته الداخلية. ومن هذه الموضوعات السلطان الكنسى والحل والربط والمنح والمنع للبركة!! فبدأ كثيرون يجاهرون بما يشعرون به ، إن الكنيسة تتخطى حدود رسالتها من الدور التنظيمى للخدمة الروحية والرعاية للدور التحكمى والسلطوى فى حياة الناس الشخصية بما ليس لها فية من حق ، واستغلال مشاعرهم الدينية وما يتبعه من معزة وتقدير للكنيسة باعتبارها جسد حبيبهم المسيح الذى تألم لأجلهم، ففى خلط للدين بالسياسة ، وللمجاملة تمنع زيارة الأماكن المقدسة وتتشدد فى مسألة الأحوال الشخصية دون مراعاة لآلاف من المعذبين فى مشاكل، وتتنازل عن حق المسيحى فى التبنى بحسب عقيدته، وتمنح هدايا للأمهات المثاليات المكرمات بالتكفل بتغطية نفقات أداء فريضة العمرة!! وهكذا .
وما يهمنى هنا وأنا أشارك فى نبش الموضوع، أن أوضح أن هناك خلطًا كثيرًا ما يحدث ، بين النص الكتابى وبخاصة (العهد الجديد)، وبين النظام الكنسيى المستنبط باجتهاد بشرى ، كانت تحكمه ظروف وثقافة خاصة مرتبطة بزمانها . ولبيان هذا الأمر نستعرض معًا أهم الشواهد الكتابية التى يستخدمها البعض لمنح أصحاب الوظائف الكنسية بمختلف الرتب السلطان الروحى للتحكم والسيطرة ، أكثر من اعتبار المناصب الكنسية وظيفة إدارية تحمل رسالة روحية تبليغية، ودورًا رعويًا ومسؤلية روحية بالصلاة والتضرع .
ويعتمد أصحاب منح الأكليروس سلطان الحل والربط على ثلاثة شواهد أساسية (مت19:16، مت18:18، يو23:20) .. بالاضافة لما يتم من الخلط فى فهم الكهنوت بين العهدين ، وهو أمر خاطئ ، لأن دور الكاهن يتأصل فى العهد الجديد فى المسيح الذى هو نفسه الذبيحة ومقدمها رئيس الكهنة، وأصبح العاملون بالكنيسة هم خدام كهنوت المسيح والرسالة للعبرانيين تشرح هذا بوضوح .
- فى الشاهد الأول (مت19:16) . نلاحظ أن الحديث تخصصى لبطرس وليس عموميًا لجميع الحضور، وبالتدقيق فى الكتاب نجد أن هذا الحديث كان مقصودًا به نوال بطرس شرف قص شريط الافتتاح لكنيسة المسيح ، فما قام به وذكر فى أع 14:2 بكلمته التبشيرية يوم حلول الروح القدس كان هو بداية فتح باب كنيسة العهد الجديد التى انضم إليها 3000 من كل الأجناس يهود وأمم. ومنذ ذلك الحين إلى الآن لم تزل أبواب الكنيسة المسيحية مفتوحة لكل البشر من كل الأجناس على اساس الاعلان الذى اعطى لبطرس (ان المسيح هو ابن الله الحى) وهذا الاعلان هو الصخرة التى تقام وتبنى عليها عقيدة جميع كنائس المسيح من مختلف الطوائف والمذاهب واى خروج عن هذا الاعلان لأى جماعة يعتبر هرطقه .. وليس هو وعد خاص بالخلافة أو بالوكالة ليمنحه لمن يخلفه .. بل هو وعد مثل وعد الروح القدس (أع 2: 39 لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد) ، وما يخص هنا بطرس من سلطان هو ما منحه الرب لجميع المؤمنين بسكنى الروح القدس الذي يمنح الخادم السلطان عند تقديم رسالة الخلاص للمقيدين بالخطية. وإلا لماذا لم يوص المسيح صراحة بخلافة بطرس؟!! ولماذا لم يصير بطرس هو أول أسقف للكنيسة ، بل يعقوب ؟!! .
- أما الشاهد الثانى (مت18:18) .فمن خلال القرينة نجد أن الحوار بدأ بما يختص بالتسامح فى ضوء تنظيم العلاقات الاجتماعية . ومنح المسيح الكنيسة حق التدخل فى الأمر إن احتدم الخلاف بين المؤمنين وبعض ، وهنا تظهر المشكلة فى قول المسيح (قل للكنيسة) فما المقصود بالكنيسة؟ . هناك من فسرها على أنهم الأكليروس وحدهم! ، أى أنها مختصة بالقساوسة أو القسوس والشيوخ؟، وآخرون إن المعنى بها جموع الأفراد المؤمنين المنتمين لكل كنيسة محلية 1كو5،4:5! وأعتقد أن الأخير هو الرأى الأصوب لأن كلام المسيح محدد . ومعنى الآية إن القرار الذى سوف يتخذ بالإجماع الديمقراطى يكون له سلطان. هذا هو المقصود وهو ما تم فى اختيار خدام خدمة الموائد ، وأكثر من ذلك هو مزايدة .
- الشاهد الثالث الوارد (بيوحنا 23:20) . لم يكن خطابًا خاصًا بحضور الرسل حصريًا بل كان عموميا ، فقد كان هناك آخرون من اتباعه الذين امنوا به ، إذًا الحديث كان للعامة من اتباعه وليس للخاصة قارن لو 47:24، 1كو 6:15 . فى هذا الشاهد أيضًا قدم المسيح لسامعيه أربع هبات هى (السلام ، والإرسالية ، والروح القدس ثم السلطان) . وكما نرى أنها هبات عامة لكل من له الإيمان المسيحى . فقصد الكلام من يقبل كلامكم وكرازتكم تغفر خطاياه وينال الخلاص ، ومن تقصروا فى حقهم بعدم توصيل الرسالة ، تصبحوا أنتم مسؤلين عن هلاكهم الابدى وعدم نوالهم الحياة الأبدية .
حز 3: 18 اذا قلت للشرير موتا تموت وما انذرته انت ولا تكلمت انذارا للشرير من طريقه الرديئة لاحيائه فذلك الشرير يموت باثمه اما دمه فمن يدك اطلبه.
حز 33: 8 اذا قلت للشرير يا شرير موتا تموت.فان لم تتكلم لتحذر الشرير من طريقه فذلك الشرير يموت بذنبه.اما دمه فمن يدك اطلبه.
حز 33: 14 واذا قلت للشرير موتا تموت.فان رجع عن خطيته وعمل بالعدل والحق .
حز 15،33 ان رد الشرير الرهن وعوض عن المغتصب وسلك في فرائض الحياة بلا عمل اثم فانه حياة يحيا.لا يموت.
16 كل خطيته التي اخطا بها لا تذكر عليه.عمل بالعدل والحق فيحيا حياة.
إذًا هو إعلان مسؤلية روحية وليس تفويضًا لفئة خاصة بمنح سلطان بالمفهوم الذى أقره قادة الكنيسة. كما أن الأخذ بالرأى الحرفى للآية يجعلنا نخالف السياق العام للكتاب المقدس المتفق عليه ، وهو قصر مغفرة الخطايا على الله وحده (إشعياء23:43) ، " فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج: يا بني مغفورة لك خطاياك وكان قوم من الكتبة هناك جالسين يفكرون في قلوبهم لماذا يتكلم هذا !! ، هكذا بتجاديف؟ من يقدر أن يغفر خطايا إلا الله وحده؟ مر2: 5-7 .
هذا كان شرح الايات بحسب ارتباط النص بالقرينة . يبقى لنا مخالفة منح سلطان الحل والربط للسياق العام للفكر اللاهوتى لإنجيل المسيح . فالمدقق فى قراءة الإنجيل يعرف أن الخلافة ، وبالتالى ميراث السلطان كان حلمًا الح التلاميذ على السيد للحصول عليه وانهى يسوع خدمته على الأرض وحتى ظهورات بعد القيامة ولم يحقق لهم شهوة قلوبهم وأطماعهم الجسدية فى التملك والسيطرة!!. حتى إن الأمر وصل لحد الشجار بينهم ونجد هذا الصراع بينهم فى هذه الشواهد (مت 1:18، مر35:10، مت20:20، 20:20-21، لو24:22). وكان رد السيد المسيح عليهم ، رفضًا قاطعًا بل وموبخًا لهذا الاتجاه فى التفكير منهم مت20: 24-26 "فلما سمع العشرة اغتاظوا من أجل الأخوين فدعاهم يسوع وقال: «أنتم تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم فلا يكون هكذا فيكم) بل من أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا".
من كل هذا نصل إلى هذه النتيجة وهى أن سلطان الحل والربط من الأكليروس نظام كنسى مختلق، ومن يزج بالنص لتأكيد على أنه أمر إلهى هو تحريف للنص بما يخالف وصايا المسيح القطعية بالعهد الجديد . ومنهج الخلافة اصلا شريعة يهودية وليست وصية كتابية ، أكد المسيح مرارًا على بطلانها مؤكدًا أن روح التسلط هو لممالك العالم قائلاً: "فلا يكون هذا بينكم؟، كما حدد المسيح أن النظام الديمقراطى والمشورة هو ما يجب أن يكون بين المؤمنين أعضاء كنيسته، رافضًا منح قرار مجموعة خاصة حق الوصاية على شعبه مت23: 8-12.