د.عبدالخالق حسين
أفادت وكالات الأنباء العالمية يوم 17/5/2015،عن سقوط مدينة الرمادي، مركز محافظ الأنبار، بيد الدواعش، وأن شرطة المحافظة استسلمت بكامل أسلحتها وعتادها لهم، وانسحب الجيش العراقي من ساحة المعركة. وهذه طعنة نجلاء للجيش الذي استعاد قريباً بعضاً من معنوياته بعد تحرير تكريت وبدعم من الحشد الشعبي والعشائر السنية المسلحة. كما وأفاد مراسل (BBC)، أن نحو خمسمائة من أهل المدينة قُتلوا، معظمهم من المدنيين العزل.
والسؤال الذي نود طرحه هو: هل حقاً سقطت مدينة الرمادي عن طريق اجتياح قوات داعش؟ ومن هي داعش؟ وهل بإمكان عصابات إرهابية مؤلفة من متطوعين أجانب إلحاق الهزيمة بجيش منظم يحارب على أرض بلاده وبقرب عاصمته؟ فكما تساءل الصديق عبدالصاحب الناصر في مقال له، كيف تم هذا الاجتياح ودون أن تلاحظه الاستخبارات الأمريكية بأقمارها الصناعية التي تصور كل صغيرة وكبيرة في العالم، ولم تلاحظ حتى غبار ناقلاتهم؟
في الحقيقة، لم يكن هناك اجتياح ولا قوات داعشية زاحفة من الرقة السورية، وإنما الدواعش هم البعثيون من أهل المنطقة من الحرس الجمهوري والقوات الأمنية البعثية ذات الخبرات العالية في المخططات الجهنمية لتدمير العراق(1)، بالاتفاق مع قوات الشرطة والأجهزة الأمنية المحلية الحكومية الضالعة في الجريمة، والتي تغلغلت في الأجهزة الحكومية كصفقة ضمن توافقات المصالحة الوطنية. هذه القوات الأمنية ما انفكت تشكي ليل نهار من قلة التجهيزات العسكرية، واستجابت الحكومة لكل طلباتهم، وبعد أن حصلوا على ما يحتاجون من سلاح وعتاد وذخيرة، و حانت ساعة الصفر، أعلنوا سقوط المدينة بيد داعش، واستسلام القوات الأمنية المحلية بكامل أسلحتها وذخيرتها لهم.
هذه الحقيقة المرة أكدها قائد مجلس إنقاذ الأنبار السيد حميد الهايس في تصريح له لصحيفة "العالم الجديد"، حيث اتهم قائد شرطة الأنبار كاظم الفهداوي، بتسليم المحافظة، ومعها أسلحة الشرطة لتنظيم الدولة الاسلامية "داعش"، وطالب باعدامه بتهمة الخيانة، و وصف الحشد الشعبي بأنه القوة الضاربة التي يمكنها أن تحرر الانبار من سيطرة "داعش."( 2 و 3)
إنها لعبة قذرة قامت بها، وكالعادة، نفس الجهات السياسية للمحافظات الغربية والشمالية، المشاركة في السلطة، وكذلك حكومات إقليمية ودولية بما فيها أمريكا، كل هذه الجهات تلعب بازدواجية خبيثة واضحة، فتدعي محاربتها لعصابات داعش، وفي نفس الوقت تقدم لها في السر والعلن، الدعم و المساعدات وكل المتطلبات السياسية والاعلامية والمادية لتحقيق أغراضها، وتحاول تشويه صورة كل من يحاربها بصدق وإخلاص وشجاعة. فمثلاً يواصل الاعلام العربي والغربي تشويه صورة الوضع السياسي في العراق بأنه تحت حكم إيران، وتسمي الحشد الشعبي بالمليشيات الشيعية المدعومة من إيران، وما أن تذكر الحكومة العراقية إلا وألحقتها بعبارة (يهمين عليها الشيعة التي تقوم بعزل وتهميش السنة والكرد) إلى آخر الاسطوانة المملة. وتناغماً مع هذه الدعوات طالبت أمريكا الحكومة العراقية بمنع الحشد الشعبي من المساهمة في محاربة داعش، وأخذ موقف معادي لإيران، الدولة الوحيدة التي تقوم بمساعدة الحكومة العراقية في حربها مع داعش.
إن الغرض من هذه المؤامرة القذرة هو ليس تقسيم العراق كما كنا نتصور، ومازال يتصور الحريصون على الوحدة الوطنية والدولة العراقية، بل هو للضغط على السياسيين الشيعة لتقديم المزيد من التنازلات عن حقوقهم التي أقرها لهم الدستور أسوة بالمكونات الأخرى، وإلغاء النظام الديمقراطي، وعدم الالتزام بنتائج الانتخابات، وتشكيل الحكومة وفق ما يسمى بـ"المقبولية" و"التوافقية"، وبالتالي إعادة الوضع كما كان قبل 2003، أي إشراك البعث في الحكم ولو باسم آخر. فالكتل السياسية السنية تدرك جيداً أنهم لن يستطيعوا إقامة دولة لهم قابلة للحياة، فأغلب الثروات الطبيعية هي في المحافظات الجنوبية. وفي حالة انفصالهم عن العراق سيقعون ضحية السقوط في أحضان دولة عربية سنية مجاورة، كالأيتام على مائدة اللئام، وفي هذه الحالة ليبتلعهم الأردن، البلد الفقير الذي يعتاش على المساعدات الأجنبية. وإنما غرضهم من كل هذا الإرهاب هو إعادة سيطرتهم على كل العراق والاستحواذ على ثرواته، كما كان الوضع من قبل.
أما قادة الحركة الكردية بجناحها البارزاني، فإنهم أدركوا أن الوضع الداخلي الكردي، والدولي لن يسمح لهم بإعلان دولتهم المستقلة، الآن على الأقل. ولكنهم يستخدمون ورقة الانفصال والتقسيم لابتزاز ممثلي الشيعة في الحكومة الفيدرالية، وتوجيه المزيد من الضغوط عليهم للتخلي عن حقوقهم الديمقراطية والوطنية، ومعاداة إيران، والخضوع للسعودية. وهذا مع الأسف الشديد هو الموقف الأمريكي أيضاً. إذ صرح الرئيس أوباما "أن اجتثاث البعث كان خطأً، ويجب أن يعاد النظر فيه"، وهذه مقدمة لإعادة البعث للسلطة لأنه عبارة عن بندقية للإيجار، والأكثر استعداداً لشن الحرب على إيران وأية دولة أخرى تخرج على إرادة أمريكا. والجدير بالذكر أن البعث إذا ما قدر له بالعودة فهو ليس البعث العلماني رغم توحشه، بل البعث الإسلامي ذو الوجه الوهابي الداعشي الأكثر توحشاً وهمجية وقبحاً.
والجدير بالذكر، أن كل هذه الكارثة ما كان لها أن تحصل لو كانت حكومة السيد نور المالكي قد وافقت على إبقاء بضعة آلاف من القوات الأمريكية في العراق ضمن إطار الاتفاقية العراقية-الأمريكية، ولما حصلت الاعتصامات في المحافظات الغربية، ولا سمعنا بداعش ولا بعنتريات مسعود بارزاني.
ولكن من الجانب الآخر، المحنة التي يواجهها ممثلو الشيعة في العملية السياسية، أنهم في حالة إرضاء أمريكا سيكسبون عداء إيران التي بإمكانها أن تحيل العراق إلى جهنم، ويخسرون من يحمي ظهرهم عندما تنفرد بهم السعودية ومنظماتها الداعشية. وفي حالة إرضاء إيران، فسيثيرون غضب أمريكا كما هي الحال الآن، وما تتمتع به من إمكانيات في تحريك السنة والكرد، ورد الاعتبار للبعث وتسليحه تحت اسم داعش، ونشر الفوضى العارمة، وابتزاز الحكومة الفيدرالية بداعش وتقسيم العراق.
إن حكومة السيد حيدر العبادي قد أعطت تنازلات أكثر مما يجب إلى حد إلحاق أشد الأضرار بالمصلحة الوطنية، لذلك نرى أن العراق الآن مهدد ليس فقط بالتقسيم، بل بحرب أهلية لا تبقي ولا تذر، فسيطرة داعش على الرمادي هي خطوة مرحلية لتليها خطوة أخرى وهي احتلال بغداد وبطريقة جهنمية خبيثة وحرق الأخضر واليابس وبالتالي السيطرة على كامل العراق. لذلك، فليس أمام العبادي سوى المضي قدماً في الاعتماد على الحشد الشعبي وتوسيعه ودعمه بالسلاح والتدريب، و وضع منتسبي الجيش أمام أحد الخيارين، إما الالتزام بالشرف العسكري والدفاع عن حياض الوطن من كل معتد أثيم، والاستعداد لنيل شرف الشهادة في سبيل الوطن، أو الاستقالة من الجيش والبحث عن وظيفة أخرى. ويجب في كل الأحوال ضم الحشد الشعب وكل من يرغب في الدفاع عن الوطن بصدق إلى الجيش. كذلك نقترح على السيد رئيس الوزراء والقائد العام بعدم إبعاد ضباط أكفاء عن مناطق لأسباب انتماءاتهم المذهبية، فإبعاد الضباط الشيعة الأكفاء عن المحافظات السنية تلبية لضغوط مسؤولين في تلك المحافظات كما حصل في الموصل والرمادي كانت لأسباب طائفية، ولتسهيل مهمة الدواعش واحتلال هذه المناطق باسم داعش.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/