الأقباط متحدون - تذكار عيد الصعود المجيد
أخر تحديث ٠٣:٥٠ | الجمعة ٢٢ مايو ٢٠١٥ | ١٤بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٦٨ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

تذكار عيد الصعود المجيد

نانا جاورجيوس
عيد الصعود الإلهي من الأعياد السيدية الكبرى، وكان لابد من تمجيد المسيح بصعوده بعد أربعين يوماً من إتمامه الفداء الخلاصي، ليدخل لمجده الأزلي الأول الذي نزل و أتانا منه، وأن يسبق صعوده تمجيد الكنيسة بعيد حلول «الروح القدس» في اليوم الخمسين لقيامته. فإن لم يذهب« يصعد» لِما أعد لنا مكاناً كما وعد -يو14. ولو لم يصعد مختفياً عن الأنظار في سحابته« أخذته سحابة عن أعينهم»-أع1. ليتحول الرب- بالنسبة لنا – من «كائناً كان معنا» إلى «كائناً صار فينا»، فحين «كان معنا» بحسب فهمنا لمحدودية الجسد كما رأته المجدلية يوم قيامته وظل فهمها له قاصراً على أنه مازال المعلم والإنسان الذي كانت تجالسه وتخدمه وتستمع إليه، حين قال لها «لا تلمسيني»، أي لا تلمسيني بهذا الفكر الأول لإنسانك العتيق لأني لم أعد يسوع إبن الإنسان كما عرفتيني، فلم يكن إدراكها قد إرتقى بعد إلى أنه صار« بجسده إبن الإنسان هذا» ممجداً في الآب وعاد لطبيعته الأولى التي كانت له قبل تجسده الإلهي، ليدخل لمجده الأزلي- بغير محدودية-«إلى حيث كان أولاً»:{ فَإِنْ رَأَيْتُمُ ابْنَ الإِنْسَانِ صَاعِدًا إِلَى حَيْثُ كَانَ أَوَّلاً}-يو6: 62.

- في عيد الصعود الإلهي نتذكر أنه كما صار ممجداً بجسدنا في الآب بغير محدودية، كان علينا نحن أيضاً أن نصير ممجدين فيه، بأن يصير هو بدلاً أن كان «كائناً معنا» ليصير« كائناً فينا» بغير محدودية نتيجة حلول روحه القدوس على المؤمنين في اليوم الخمسين. ولكن كيف يصير فينا؟! فإن لم يكن سيدنا المسيح قد تمجد بغير محدودية في الآب، ما إستطاع الآب أن يأخذ مما للإبن ويمنحه لنا عن طريق روحه القدوس ليخبرنا ويرشدنا ويعرّفنا الطريق إليه{ وَتَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ الطَّرِيقَ}-يو14: 4.. ويعرفنا الطريق لأبديته:{ وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ}-يو16. فبالإيمان فقط، يحل المسيح الممجد بعمل روحه القدوس في القلوب ليأخذ الآب مما للإبن ويمنح المؤمنين روحه القدس الغير محدود. لهذا قال رب الأرباب أنه الباب وأنه الطريق:{ أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الآبِ إِلاَّ بِي، لَوْ كُنْتُمْ قَدْ عَرَفْتُمُونِي لَعَرَفْتُمْ أَبِي أَيْضًا. وَمِنَ الآنَ تَعْرِفُونَهُ وَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ} وكيف رأينا الآب إلا في صورة الإبن الذي خبّرنا عنه، ليأخذ الآب مما له ويعطينا نعمه ويخبِّرنا عن طريق روحه القدوس الساكن فينا بلا محدودية!.

- لهذا نتذكر أيضاً أن صعوده المجيد هو دليل دامغ على حقيقة قاطعة بأن المسيح الكلمة هو الكائن السماوي الأزلي الذي نزل إلينا وعاد فصعد لسماء مجده- حيث كان أولاَ- وأنه الكائن السماوي الذي طبيعته الإلهية «واحد» في الآب، وأن بظهور الله في الجسد-1تي3: 16 وصار« كائناً معنا- الله معنا- عمانوئيل» في ملء الزمان، أن ولادة هذا الكلمة المتجسد قبل كل الدهور وفوق الزمان والمكان، لأن أصله وطبيعته أي«مخارجه» منذ القديم كما تقول نبوأة ميخا النبي: { أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ}- ميخا5،متى2: 6

ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل، وكلمة«مخارجه» تشير للولادة الأزلية لمن دٌعيّ كلمة الله-يو1:1 أي أن طبيعته منذ ذاك الكائن الإلهي المُلقّب بإسم«القديم» ذاك الإله الأزلي الذي لابداية له ولا نهاية. فهذه النبوآة تشير بقوة لأزلية المسيح و لاهوته، و الذي« سيخرج» من بيت لحم اليهودية.لهذا لم يشر المسيح لميلاده الجسدي وبأنه ولد أو «خرج» من العذراء، بل كانت أشاراته دائماً لولادته الأزلية الأولى و«خروجه» من الآب وأنه سيعود إليه:{ لأَنَّكُمْ أَحْبَبْتُمُونِي، وَآمَنْتُمْ بِأَنِّي مِنْ عِنْدِ اللهِ خَرَجْتُ. خَرَجْتُ مِنْ عِنْدِ الآبِ، وَأَتَيْتُ إِلَى الْعَالَمِ. وَهَا أَنَا أَتْرُكُ الْعَالَمَ وَأَعُودُ إِلَى الآبِ}-يو16

فمن خرج من الآب هو ذاته إبن الإنسان الذي نزل من السماء، هو الذي صعد للسماء، وبين نزوله وصعوده« مازال الكائن الأزلي الذي هو في السماء»:{ وَلَيْسَ أَحَدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابْنُ الإِنْسَانِ الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ}-يو3

ليرتفع رب الأرباب لسماء عرشه، جالساً عن يمين العظمة في الأعالي:{ ثُمَّ إِنَّ الرَّبَّ بَعْدَمَا كَلَّمَهُمُ ارْتَفَعَ إِلَى السَّمَاءِ، وَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ اللهِ}- مر16
والتلاميذ والمؤمنين شاخصين النظر إليه في إنطلاقه، حيث أعلنا إليهم الملاكين مجيئه إلينا بنفس الهيئة الممجدة ليدين الأحياء والأموات:{ وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلاَنِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ،وَقَالاَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الْجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ»- أع1

نعم أيها الملك الغالب، غلبت الموت بموتكَ وإنتصرتَ لحسابنا وجعلتنا النسل المبارك في إسمكَ القدوس لتهب لنا ميراثك في الحياة الأبدية لمن يغلب العالم مثلما غلبتَ أنت رئيس هذا العالم، و دخلت لمجدك الأزلي متحداً فيك جسد طبيعتنا الممجد لتمجدنا فيك، كما أصعدتَ شعبك من مصر قديماً ها أنت تصعد شعبك ثانية من ضيقة العالم وترفعه ليعاين مجدك، فحيث تكون أنت يكون شعبك معك كما وعدت. لهذا أستحق يوم صعودك أن يقول فيه الآباء أن هذا اليوم مجد بقية الأعياد لأن الرب أكمل فيه تدبير عمله كراعٍ صالح وعبر بطبيعتنا الساقطة التي مجدها فيه و دخل بنا لمجده وأجلسنا معه في سمائه:{ وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ}-أف2: 6

- عيد الصعود الإلهي هو صعود الغلبة وإرتقائها بإنسانيتنا نحو خلود الراحة الأبدية. في عيد صعوده الإلهي نتذكر جوقة الملائكة التي صعدت أمامه في صعود مذهل حير ناظريه وخلب بصرهم الشاخص إليه، لأنه كان صعوداً يفوق العقل والإدراك الحسي، ليفتحوا أمام الملك الغالب مغاليق «الأبواب الدهرية» التي تنبأ عنها داود النبي، وكيف إرتفعت وفُتحت أبواب الرحمة الدهرية بعد أن أغلقت في وجه الإنسان بسبب سقوطه وخطاياه. لترنم الملائكة بعضها لبعضٍ متسائلين من هذا الإنسان المكلل بالمجد والذي ستفتح له الأبواب الدهرية ؟!{ اِرْفَعْنَ أَيَّتُهَا الأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَارْتَفِعْنَ أَيَّتُهَا الأَبْوَابُ الدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ الْمَجْدِ. مَنْ هُوَ هذَا مَلِكُ الْمَجْدِ؟ الرَّبُّ الْقَدِيرُ الْجَبَّارُ، الرَّبُّ الْجَبَّارُ فِي الْقِتَالِ. ارْفَعْنَ أَيَّتُهَا الأَرْتَاجُ رُؤُوسَكُنَّ، وَارْفَعْنَهَا أَيَّتُهَا الأَبْوَابُ الدَّهْرِيَّاتُ، فَيَدْخُلَ مَلِكُ الْمَجْدِ. مَنْ هُوَ هذَا مَلِكُ الْمَجْدِ؟ رَبُّ الْجُنُودِ هُوَ مَلِكُ الْمَجْدِ. سِلاَهْ.}- مزمور24

ليدخل الرب العزيز والقوي الجبار، والقاهر في الحروب بعد أن هزم جنود الشر في مملكتهم السفلية و أطلق سراح الأسرى من الجُبِ، إنه إلهنا وملكنا الذي دخل لسماء عرشه بجسدنا الممجد ليفتح للمؤمنين الأرض الجديدة أورشليم السمائية. لم يكن هو المحتاج لأن تُفتح له الأبواب الدهرية وهو صانعها ولا شيء يعوقه، بل نحن كنا المحتاجين إليه لأن يحمل معه جسد طبيعتنا ويدخل به حيث كان أولاً في صورته الأولى الإلهية قبل تجسده، «الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً للهِ» – فليبي2: 6، وهو الذي أناب ذاته عنا حتى موت الصليب، ليقيمنا معه في المجد ويمهد لنا الطريق الذي وعدنا بأننا سنعرفه من بعده لنعبر إليه، ليقدس له شعباً مكتوب إسمه بسفر الحياة. ليفك هو ختومه في يوم مجيئه الثاني كديان للبشرية وسط ترنيمة القيامة الجديدة لملائكته: «مُسْتَحِقٌ أَنْتَ أَنْ تَأْخُذَ السِّفْرَ وَتَفْتَحَ خُتُومَهُ، لأَنَّكَ ذُبِحْتَ وَاشْتَرَيْتَنَا للهِ بِدَمِكَ مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ وَلِسَانٍ وَشَعْبٍ وَأُمَّةٍ، وَجَعَلْتَنَا لإِلهِنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً، فَسَنَمْلِكُ عَلَى الأَرْضِ»- رؤ5: 9


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter