بقلم منير بشاى
اعترف بداية ان الكتابة فى هذا الموضوع ليست امرا سهلا. ربما هذا لأن الموضوع اكبر من ان يعالج فى مقال بهذا الحجم. وربما لان الموضوع متشعب الجوانب يصعب حصره وعمل استراتيجية له واضحة المعالم مضمونة النتائج. اضف الى هذا انه موضوع يمس جماعة لا ضمير لهم، ولا يمكن التنبؤ بما قد يفعلوه، فكل شىء عندهم مباح فى سبيل الوصول الى هدفهم.
واضح اننا نتكلم عن الارهاب الذى منيت به مصر على يد جماعة الاخوان الارهابية. وهو ليس بجديد فقد عانت منه مصر منذ قيام هذه الجماعة سنة 1928.
ولكن المعاناة ازدادت حدة فى السنوات الاربع الماضية، وتحولت بعد 30 يونيو 2013 الى حرب استهدفت رجال الجيش والشرطة والآن القضاء بالاضافة الى عدوهم التقليدى وهو الاقباط. فإلى اين سيقودنا هذا الصراع؟ وهل هناك نهاية تظهر فى الافق لهذا الكابوس الذى تعيشه مصر يوميا؟
تم انشاء جماعة الاخوان فى اعقاب سقوط الخلافة العثمانية وكان الهدف اعادة احياء الخلافة عن أى طريق بما فى ذلك العنف الدموى تحت غطاء الجهاد. وقد ظهر هذا من شعارهم " الله غايتنا، والرسول زعيمنا، والقرآن دستورنا، والجهاد سبيلنا، والموت فى سبيل الله اسمى أمانينا".
مارس الاخوان من البداية اسلوب الاغتيالات للتخلص من معارضيهم فأنشأوا التنظيم السرى لهذا الغرض الذى قام باغتيال الكثير من الشخصيات العامة منهم رئيس الوزراء احمد ماهر باشا سنة 1945 ثم القاضى احمد الخازندار سنة 1948 ثم رئيس الوزراء النقراشى باشا سنة 1949. وقاموا بحرق الكثير من محلات اليهود وغيرها من منشآت الدولة وتفجير العديد من اقسام الشرطة.
وفى سنة 1954 حاولوا اغتيال الرئيس جمال عبد الناصر الذى كان قبلا مواليا لهم وقيل انه أقسم على المصحف والمسدس ليكون ضمن تنظيمهم السرى. ولكن بعد الثورة لم يسترح الى طريقتهم فباعد نفسه عنهم ومن ثم حاولوا اغتياله ونجا من الموت باعجوبة. هذا ادى الى صدام معهم ادى الى اعتقاله للعديد من قياداتهم وايداعهم فى السجون. واستراحت مصر منهم فترة.
وجاء الرئيس أنور السادات فحاول الاستعانة بالاخوان والاسلاميين لتمكين حكمه ضد الناصريين والشيوعيين فاطلق لهم حرية العمل الذى انعكس على الاقباط فعانوا من الحوادث الارهابية اكثر من اى وقت مضى. وبناء على فتوى من الشيخ الضرير عمر عبد الرحمن تم استباحة اموال وارواح الصياغ الاقباط لتمويل العمليات الارهابية.
ولكن السادات فى النهاية قد لدغ من نفس الثعبان الذى رباه. فقتلوه احتجاجا على توقيعه معاهدة كامب دافيد للسلام مع اسرائيل بينما كان فى يوم مجده فوق المنصة يستعرض قوات جيشه.
استلم الحكم من بعده الرئيس حسنى مبارك الذى استعمل معهم اسلوب المراوغة الذى يقوم على مراعاة التوازنات. فكان يشد عليهم الزمام فى مواقف ويرخيه لهم فى مواقف اخرى بحسب ما تقتضيه الحاجة. وكانت له معهم تفاهمات تظهر فى وضع خطوط حمراء لا يتعدوها وفيما عدا ذلك اعطاهم حرية العمل مع الجماهير كما شاءوا. وقد استغلوا هذا فى انشاء الاعمال الخيرية فى ريف مصر لمحاولة كسب تعاطف الفقراء فى القرى والنجوع.
وعندما هبت على المنطقة رياح التغيير فيما اطلق عليه الربيع العربى حاول الاخوان ان يباعدوا انفسهم حتى لا يفسدوا العلاقة التى كانت تربطهم بمبارك. ولكن بعد 3 ايام من من بداية المظاهرات وعندما تأكدوا ان مبارك فى طريقه للرحيل دخلوا بكل قوتهم وركبوا الثورة بعد ان سرقوها من الشباب، وكان الاخوان اكثر منهم تنظيما وخبرة وتمويلا.
كان واضحا ان الاخوان قد اقتنعوا ان لحظتهم التى انتظروها اكثر من 80 عاما قد جاء وقتها وانهم لن يسمحوا لاحد ان ياخذها منهم. وعندما جاء وقت الاقتراع على منصب رئيس الجمهورية استخدموا كل الوسائل فى جعبتهم لفوز مرشحهم بما فى ذلك التزوير وشراء الاصوات. وفى انتخابات الاعادة بين مرسى وشفيق اعلنوها صراحة انهم سيحولوا شوارع مصر الى حمامات من الدماء ان لم ينجح مرشحهم. ويبدو ان المجلس العسكرى اراد تفادى المشاكل فسلم الحكم لهم.
ولكن من حسن الحظ، ان السنة التى حكموا فيها مصر كانت كافية ان يعرف الشعب حقيقة هذه الجماعة. كان واضحا ان هدفهم لا يحمل اى خير لمصر بل عكفوا من البداية على اخونة اجهزة الدولة تمهيد لاحكام قبضتهم على مصر خلال ال 500 سنة التالية.
وقامت حركة تمرد وثورة 30 يونيو 2013 ولبى الجيش نداء الشعب بقيادة البطل عبد الفتاح السيسى الذى ازاحهم من حكم مصر وقبض على قادتهم لمحاكمتهم على الجرائم التى اقترفوها.
من وقتها ولم تتوقف جرائمهم. من ناحية هى جرائم لا يمكن ان نلتمس لهم فيها العذر ويجب ان يعاقبوا عليها اشد العقاب. ولكن من ناحية اخرى علينا ان نفهم الدافع من ورائها وهو خيبة املهم فى عدم تحقيق الحلم الذى انتظروه اكثر من 80 عاما وبعد ان امسكوا به اذ به يتبخر من بين ايديهم فى لحظة من الزمن.
والآن نعود للسؤال: هل هناك بارقة امل فى اننا سنتخلص يوما من هذا الكابوس؟ الجواب نعم، فلكل شىء فى الوجود بداية ونهاية. ولا شك ان هناك تحسن ملموس فى الوضع الامنى حتى وان كان العدو الاخوانى ما يزال يسدد بعض ضرباته الارهابية من وقت لآخر. ولكن الوقت ليس فى
صالحه، فكراهية الشعب لأفعاله تزداد يوما عن يوم. ومن ناحيته هو يعول على اليوم الذى فيه يتعب الشعب ويفقد الامل فى جدوى المقاومة. ولذلك فاليأس هو عدونا الحقيقى وهو الذى سيعطي الارهابيين الامل فى ان استراتيجيتهم للعودة للحكم تحقق اهدافها. خاب ظنهم! الجحيم افضل لنا من ان نراهم يعودوا مرة اخرى لحكم مصر.
Mounir.bishay@sbcglobal.net