الأقباط متحدون - إنتظار
أخر تحديث ١٣:٢٨ | الاثنين ٢٥ مايو ٢٠١٥ | ١٧بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٧١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

إنتظار

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
بقلم - مايكل دنيال
نهضت متثاقلاً كعادتي كل يوم في تمام الساعة السادسة و النصف صباحاً، أعرف ميعاد أستيقاظي حتي دون جرس المنبه، ربما لانها العادة.
 
أنهيت كل ما تعودت ان افعلة يومياً – دون مجهود – و اتذكر انني ذات يوم قد راهنت احد أصدقائي علي أنه يمكنني ان أفعل و انا مغمض العينين كل ما تعودت ان افعلة يومياً حتي لحظة نزولي من المنزل، الا انني لم احاول فعل ذلك حقاً !!
 
كانوا يقفون كعادتهم في أنتظار (ألاتوبيس) الذي سيقل كل منهم الي محل عمله.
 
لا أعرف منهم شخصاُ واحداً رغم انني اعرف جميعهم و أحفظ وجوههم عن ظهر قلب... 
 
فهذا هو (ألافندي) كما أسميته، يتأبط جريدته المفضلة التي تعود ان يشتريها يومياً من بائع الجرائد العجوز الذي يفترش الرصيف امام المحطة،  فكرت ان اسأله ذات يوم.. " هل لم تمل من الكذب الموجود بها" ، ألا انني فضلت الصمت!
 
و تلك الحسناء هي "حسناء" كما أسميتها انا ايضاً، ثيابها توحي بانها من اسرة مكافحة، و اثار الحبر في يديها تدل علي أنها طالبة جامعية، لا تبدوا كطالبه في كلية الطب او الصيدلة ، ربما لانها لم تمسك (بالطو) ذات يوم، و لكن ما الفارق بينها و بين خريجوا الطب او الصيدلة، فقط سيوضع أسمها بين كشوف العاطلين تحت خانة (عاطلون من كليات القمة) ، ربما تكون الميزة الوحيدة التي ستحظي بها هي انها ستكون علي رأس قائمة المطلوبين للزواج!!
 
و ذلك هو عم (مجاهد) كما اطلقت عليه، يرتدي نفس جلبابة المتسخ و يحمل فوق راسة (قصعة) مما يستخدمها العمال في البناء.. 
 
و غيرهم كثيرون.. اعرفهم جميعاً باسماء أطلقتها انا عليهم!
 
جاء الاتوبيس يتهادي بين الجمع الغفير في محطة (رمسيس) دون ان يتوقف للحظة، و الجميع يلهثون خلفة كالكلاب للحاق به. 
 
لم يتوقف السائق يوماً ليقل راكبيه ربما ليتعمد أذلالهم، فقد كان هو السائق الوحيد لأتوبيس فيه التذكرة بـ (خمسون قرشاً فقط) و لذلك لم يتوقف احد الركاب يوماً عن اللهاث خلفة، و فقط من تدربوا طويلاً علي اللحاق به هم من يلحقون به دوماً، و أفتخر انني من ضمن هؤلاء!
 
فعاقبة عدم اللحاق بهذا الاتوبيس تجديداً هي دفع (جنيه و نصف) زيادة في ثمن تذكرة  أتوبيس لا يختلف كثيراً عن هذا، سوي انه يقف للركاب و اعتقد ان فارق سعر التذكرة هنا  هو بدل أحترام – ففي بلادنا يحتوي راتب البعض علي الكثير من البدلات!!!
 
كان اليوم مختلفاً حين رايتها تقفز علي اخر درجات السلم، لم تكن مثلنا، فقد كانت ترتدي ثياباً نظيفة، و تفوح منها رائحة عطر مميز خفف بعض الشيء من رائحة العرق الممزوجة بتراب الجو حولنا!
 
اتجهت ناحيتي دون ان تلحظني، مثلها مثل ألاخرين الذين لا يلحظون وجودي بينهم حتي تخيلت لوقت أنني شبح!
 
يا لحسن حظي، لقد نهض من بجانبي لينزل و ها هي قد حلت مكانه.. تري هل اليوم هو يوم الحظ بالنسبة لي!! 
 
أغمضت عيني و انا أتخيل حياتي مع من هي مثلها، جسدها الناعم الرقيق و الذي لن امل يوماً من تحسسه، هو صورة مغايرة تماماً عما خبرت من اجساد هؤلاء الفتايات اللاتي يعملن معي في نفس المصنع، حيث ان كعوبهن قد تشققت و كفوفهن أصبحت اكثر خشونة من يدي!! 
 
اه من عطرها، في لحظات وصل الي عقلي ليذهب به اليها، كتأثير (أنفاس من الحشيش) علي عقل طالب يدخنة لاول مرة!
 
حاولت جاهداً ان اعتصر عقلي لمحاولة ايجاد سؤال ساذج فقط لأحادثها..
 
لم أتمكن من اكمال السؤال الذي لابد و أنه سيبداً بــ (لو سمحتي ممكن...!) ، حيث فتحت عيني علي كلمة (ورق) التي قالها محصل التذاكر بآليه تامة، نظرت بجانبي و انا اعطية (نصف جنية) لأتطلع ثانياً الي وجهها الرقيق، فهالني ان اجد (حسناء) هي من تجلس بجانبي، نظرت حولي فلم أراها في أي مكان!! 
 
اغمضت عيني ثانياً لعلني أراها مرة آخري و انا اهمس لـ حسناء بأن توقظني بالقرب من محطة (ألف مسكن) في شارع جسر السويس، لاستقل من هناك أتوبيس خاص يقلني الي المصنع،  فما كان منها سوي ان اومأت لي بالموافقة و هي تبتسم – كعادتها كل يوم!

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter