بقلم- حنا حنا المحامى
الملمات تظهر معادن الرجال.
قضت مصر ما يقرب من سبعة عشر قرنا فى انتظار السيسى. نعم هذا ليس مدحا أو تملقا بطبيعة الحال بل هى انفعالات فى عقل الانسان وقلبه رأى أنه يتعين أن يفرغها بكل إعزاز وفخر وعرفان ووطنيه وأول وآخر كل شئ ... ووفاء.
إن مصر كانت مطمعا لكل العالم وكل الدول, ولكنها كانت قويه بشعبها فقد كانت تقف وحدة واحده أمام الملمات وأمام أى عدو تخول له نفسه أن يعتدى على مصر وعلى أمنها أو شعبها.
ولكن يتعين أن نواجه الحقيقه ذلك أن الحقيقه هى التاريخ. فقد كان الاحتلال البريطانى يزكى روح التفرقه والفرقه والخصومه الداخليه. فكان الاستعمار البريطانى يعمل على إزكاء روح التعصب بين المسلمين والمسيحيين ولم يكن ذلك إلا شحذا لروح الخصومه الداخليه تطبيقا لمبدأ أو سياسة فرق تسد. ومن باب الحقيقه أيضا أن عددا كبيرا من المصريين كانوا يتجاوبون مع هذه السياسه وهذه الفرقه وتلك الخصومه. خاصة حين بدأ يظهر وينمو ويزدهر التنظيم الاخوانى الذى لا يعرف ولا يؤمن بمعنى الوطنيه أو الوحده أو قوة الوطن. بل كان استعمارا داخليا يحاول أن يفتت الوطن حتى تكون له القوه والغلبه فى كل مناحى الحياه سياسيا وعمليا وتنظيميا.
بدأ الاخوان الذين أطلقوا على أنفسهم اسم "المسلمين". يعملون على تفتيت الوطن بكل فئاته. ولم تكن الفتنه فقط هى الاسلوب الوحيد الذى كانوا يتبعونه بل كانوا يلجأون ألى كل الاساليب الخسيسه للعمل على الفرقه والتفرقه بما فى ذلك العدوان والتخريب والقتل والدمار والخراب حتى كدنا نعتقد أن هذا هو الاسلام.
لقد كان الاخوان يشوهون صورة الاسلام بكل ما أوتوا من قوه وساعدهم على ذلك أنهم كانوا يمارسون جرائمهم الوطنيه أيام الانجليز وكما هو معروف أن سياسة الانجليز الاولى "فرق تسد". فكانت هذه السياسه يقدمها لهم الاخوان فى طبق من فضه.
فى يناير سنة 1952 قاموا بحريق القاهره. قبل ذلك قاموا باغتيال العديد من الرؤساء والشخصيات القائده والرائده فى مصر. المستشار الخازندار لانه كان لابد أن يحكم ضد أحد الاخوان. لم يكن العدل رائدهم بل الجريمه والبلطجه فاغتالوه حتى يكون عبرة لغيره. ثم اغتالوا العديد من الرؤساء ... أحمد ماهر وغيرهم كما حاولوا اغتيال مصطفى النحاس. ثم قاموا بحريق الفاهره التاريخى.
عقب ذلك قام جمال عبد الناصر بثورة 1952. ورغم كل ماقيل فقد قام بهذه الثوره من عباءة الاخوان المسلمين. ولكن لما لمس تطرفهم وأنهم يريدون أن يتدخلوا تدخلا يقضى على مصر كدوله, بدأ يحدد سياسة مصلحة مصر أولا. إلا أن روح التعصب لم تكن قد فارقته تماما فمارس هذا التعصب إلى أن وقعت معجزة شفاء ابنته المعروفه بواسطة البابا كيرلس السادس. هنا أدرك عبد الناصر أن قوة مصر لا تكمن إلا فى وحدتها وفعلا بدأ فى تنفيذ هذه السياسه.
بعد وفاة عبد الناصر تبوأ الحكم بسلامته أنور السادات. بدأ السادات يركز على تحرير الارض المصريه التى تم الاستيلاء عليها فى حرب 1967 التى انهزم فيها الجيش المصرى دون أى حرب أو قتال. بل هزم فى لا معركه بصوره شائنه لاى قوه حربيه فى العالم. وفعلا نجح السادات فى تحرير الارض المصريه وهذه تحسب له. فتملكه الغرور وظهر فيه الحقد على حقيقته فبدأ بتحديد إقامة البابا شنوده. ولم يكن الامر قاصرا على البابا فقط, بل أطلق العنان لكل مسلم أن ينال من أى مسيحى فى حماية القانون والسادات شخصيا. وكانت النتيجه التى رتبها إله الاقباط بل أله الحق والعدل أن قضى على السادات قضاء مبرما.
ثم جاء مبارك وما لبث أن استولى على الداخليه المدعو حبيب العادلى. تضافر الاثنان على خراب مصر
وتفتيت وحدتها بكل خسه ونذاله وكانت أموال بل وأعراض الاقباط مباحه لكل معتد أثيم. فإذا اعتدى
المسلمون على المسيحيين, تم تهجير المسيحيين من قراهم ومن بلادهم وديارهم تاركين أموالهم ومنازلهم
ومحلاتهم نهبا للمسلمين أو بمعنى أدق لبنى وطنهم الذين تلقنوا فنون الفرقه والتفرقه والعنصريه البغيضه.
وإجمالا لاقى المسيحيون من الاضطهاد ما لم يرونه فى عصر المماليك.غير عابئ بما لهذا الاسلوب من
تأثير على مصر وقوة مصر التى لن تتحقق إلا فى وحدتها.
وهكذا ظلت مصر فى تدهور مستمر أخلاقيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. إلى أن قام المصريون بثورتهم
الخالده. فاطاحوا بالاثنين معا إلى غير رجعه. ولكن للاسف روح الخيانه كانت لا تزال تدب فى الكيان
المصرى فتم تزوير الانتخابات ونجاح مرسى بحجة عدم تعرض مصر لثوره دمويه. وكانت هذه التجربه
هى نهاية الاخوان إذ بانوا على حقيقتهم وعرف المصريون ماهية مبادئ الاخوان الهدامه من خيانه
وتخريب ونهب وسلب.
قام الرحل الذى لا يختلف عنه إثنان وطنيان وهو الرئيس السيسى بارك الله فيه وفى كل خطوه يخطوها
وكل عمل يقوم به فأنقذ مصر فى االحظة المناسبه تماما وقضى على الخونه باسم الدين والدين ,أى دين
منهم براء. ومنذ اللحظه الاولى عمل على وحدة مصر وتماسكها كما عمل على قوتها فى نفس الوقت
مدركا تمام الادراك أن قوة مصر لن تتحقق إلا بوحدتها الكامله. إنها الوطنيه, إنها أمانة المسئوليه, إنها
وحدة مصر ونجاحها وقوتها. وكانت القدره الالهيه ممسكة بيمينه فكتبت له النجاح. إنها الامانه إنه
الصدق, إنها الوطنيه الحقيقيه الصادقه.
قام الرجل بكل ما أوتى من قوه وقدره وإمكانات بالعمل على تقدم مصر بكل طاقاته. ولكن لا يمكنه أن
يقوم بالمعجزات ... على الاقل كل المعجزات.
ذهب محموعه من الشباب ألى ليبيا سعيا من أحل الرزق. وإذ وجدوا أن المناخ مكفهر ضد المسيحيين
قرروا العوده إلى الوطن الام ... مصر. ولكن كان القرار متأخرا. فانقض عليهم براثن الغدر والخسه
والنذاله فوجدوا فيهم غذاء لشرهم وأحقادهم وخستهم ونذالتهم وقرروا أن يذبحوهم كما تذبح الشاه.
هؤلاء الذين يتسمون بالخسه والنذاله لعلهم لم يكونوا يدركون أن جريمتهم لن تواجه بكل هذه القوه والانتقام
بحسبان أن الضحايا كفار. لم يفكروا أنهم مصريون ينتمون إلى أعظم دوله فى التاريخ, لم يفكروا أنهم
أبرياء, لم يفكروا أنهم ينتمون إلى وطن عربى يكون معهم وحدة إقليميه ولكن طغى عليهم شيطان الشر
والاثم فقاموا بذبحهم ذبح الشاه بلا إنسانيه وبلا ذره من الاخلاق. ويمكننى أن أقطع بأنهم لم يكونوا
يتوقعون ما حدث لهم والجزاء الذى تلقوه من السيسى.
قام الرحل العظيم والمصرى الاصيل والعربى المؤمن حقيقة لا قولا بالانتقام لهؤلاء الضحايا فدك معقلهم
وقتل منهم أصعاف أضعاف ما فقدناه. إن الدم المصرى أى مصرى ليس رخيصا. ولم يكن الرجل محلا
للوم أى إنسان على وجه الارض. إنه مارس حقه, مارس واجبه, مارس مسئوليته.
وما لبثت تلك الجريمه النكراء أن وصلت إلى عنان السماء إلى كل دوله شريفه أمينه على وجه البسيطه إذ
أبدت الدول الشريفه النظيفه الامينه استعدادها للعمل مع مصر على سحق هؤلاء الاشرارالمجرمين.
وهكذا –رغم الكارثه- حمل هذا الرجل العظيم مصر إلى عنان السماء. كل نسمه على وجه الارض تشيد
بموقفه وتتفهم رد فعله وترفع هامتها فخوره بأعرق دوله فى التاريخ. وتفاعلت كل القيم والعوامل الانسانيه
فى نفس الرجل العظيم فأرسل رئيس الحكومه إلى قرية الضحايا لتعزيه أهلهم. ثم تلا ذلك بأن قام بواجب
العزاء بالكاتدرائيه. نعم إنهم مصريون وهم أيضا مسيحيون. إن الخلق الرفيع والوطنيه الاصيله تعرف
كيف تسلك ومتى تسلك.
إنك كنت تسعى للحصول على قرض من فرنسا يبلغ ثلاثة مليارات يورو وظلت فرنسا متردده لمدة عام
ونصف ولكن لما شاهدت إنجازاتك وأمانتك ووطنيتك وإخلاصك لم تتردد فى أن تقدم ضعف هذ القرض.
نعم يا سيدى لقد جلبت احترام كل العالم لمصر ولشخصك العزيز.
سيدى الرئيس ... لك من أخ أصفر مقاما أكبر سنا كل التقدير والاحترام والاعزاز ولا يسعنى إلا أن أقول
لك أن مصر كانت فى انتظارك سبعة عشر قرنا من الزمان حتى تضعها فى مكانتها السليمه الحقيقيه التى
تستحقها كدوله رائده فى الانسانيه والرقى والتقدم والنجاح. سيدى لا أجاملك ولا أكتب من واقع أى رياء
ذلك أنه رغم الكارثه إلا أنى أشعر بالتفاؤل من أجل مصر ومستقبل مصر بأنها تحت إدارتك لا بد وأن تتبوأ
مكانتها بين دول العالم.
أما المتعصبون الذين يسعون بكل السبل إلى تفتيت مصر وضعفها حتى يستأثروا بخيراتها, أقول لهم إنكم
ستنالون من الخير فى ظل مصر القويه الموحده أصعاف ما تحصلون عليه الآن. وأود أن أؤكد لكم أن
المسيحيين يكنون لكم كل الحب وان لم يفعلوا ذلك لا يكونوا مسيحيين.
قائد ثورة 23 يوليو
كثيرا ما حاولت الكتابه فى هذا الموضوع ولكن قلمى كان ينهار, ودموعى تكاد تنهمر, وقلبى يتفتت أسى وألما وحسره. ولكن لابد أن يتفجر قلبى بما يجيش فيه, وينطلق قلمى من عنانه, أما دموعى فلها الله والتاريخ.
لعل القارئ لا يزال يذكر أن القائد الحقيقى لثورة 23 يوليو كان الرئيس الراحل اللواء "محمد نجيب". ذلك الرجل الكريم والاصيل الذى ضحى بمركزه ومنصبه ووضع حياته ومستقبله على كفه من أجل المبادئ ومن أجل مصر. فحين عرض عليه أن يرأس الثوره لم يتردد وقبل المخاطره بمنصبه وبحياته وترأس الثوره.
حين نجحت الثوره بفضله وبفضل تضحيته, نادى كرجل وطنى مخلص لوطنه ومتفان من أجله أن تكون مصر وحدة واحده كيانا واحدا دولة واحده فنادى وظل ينادى ويجاهر بأنه يتعين أن تكون مصر كيانا واحدا لا يتجزأ. فنادى وظل ينادى بأن يكون المسيحيون والمسلمون وحدة واحده من أجل مصر.
هذا الاسلوب لم يناسب أو يتلاءم مع رجال الثوره وأولهم عبد الناصر. والبادى أن محمد نجيب كان الوحيد الذى قام من أجل وحدة مصر. أما باقى الاعضاء الاجلاء وأولهم عبد الناصر فقد كان هدفهم الاول إذلال الاقباط وجعلهم ذميين لا أكثر وهذا من باب التساهل. وكما نعلم فإن هذا الفكر يتلاءم وفكر الاخوان المسلمين.
البادى أن محمد نجيب كان له مبدأ وتمسك به. والبادى أنه الوحيد الذى كان يرى أن وحدة مصر مسيحيين ومسلمين هو واجب وطنى يتعين التمسك به من أجل مصر وقوة مصر. ولكن هذا الاسلوب لم يعجب رجال الثوره الاجلاء وعلى رأسهم جمال عبد الناصرطبعا. فرجال الثوره قد بزغوا من عباءه الاخوان المسلمين وطبقا لمبادئهم يتعين أن يكون الاقباط ذميين ويظلوا ذميين. فكيف لقائدهم أن يتخلى عن هذه المبادئ وينادى بوحدة المسيحيين والمسلمين؟
البادى أن رجال الثوره الاجلاء وعلى رأسهم جمال عبد الناصر كانوا يرفضون هذا الاسلوب الذى ينادى به محمد نجيب. فقد قام رجال الثوره المسلمون ولم يكن فيهم واحد مسيحى من أجل أن تكون الثوره إسلاميه فقط لا غير لان البادى فى عقيدتهم أن مصر إسلاميه فقط.
مع ذلك كان محمد نجيب بوطنيتة الحقيقيه والعميقه ينادى بوحدة المسلمين والمسيحيين.
لم يعجب هذا الاسلوب رجال الثوره الاجلاء وعلى رأسهم جمال عبد الناصر. فكانت النتيجه أن أرغموا محمد نجيب على الاستقاله. ما كادت الاستقاله تعلن إلا وثار الشعب بكل طوائفه يطالبون بعودة محمد نجيب. وفعلا عاد محمد نجيب كأول رئيس للجمهوريه. وكان عبد الناصر يسير فى المواكب والمناسبات بجواره. ولم يكن ذلك إلا تخديرا للشعب. ورويدا رويدا اعتقل عبد الناصر محمد نجيب وكان الشعب قد نسيه. وهكذا تم الغدر بالرحل الذى وضع حياته على كفه من أجل نجاح الثوره ورجال الثوره. وهكذا أيضا وئدت فكرة الهلال والصليب.
قلنا أن الثوره قامت من عباءة الاخوان المسلمين. إلا أنه حين تحقق رجال الاخوان أن عبد الناصر انحرف عن منهجهم حاولوا اغتياله. فكان أن اعتقلهم جميعا وظلوا فى الاعتقال إلى أن جاء بسلامته أنور السادات وعمل اللازم إلا أن إرادة السماء كانت أقوى وأسرع.
المهم أن "اللواء" محمد نجيب وضع فى محبس فى منزل فى المرج وظل هناك إلى أن فارق الحياه. وهكذا كوفئ محمد نجيب لانه ضحى بحياته من أجل نجاح الثوره.
ومما يذكر وهو أمر على جانب كبير من الاهميه أن محمد نجيب كان له أحد أبنائه قد انتقل إلى خالقه. وعلى القارئ العزيز أن يصدق أن محمد نجيب منع من السير فى جنازة ابنه وظل حبيسا فى المرج إلى أن انتقل إلى رحاب خالقه يشكو ظلم الانسان لاخيه الانسان بل غدر الانسان بأخيه المخلص الذى ضحى بحياته فى سبيل زملاء بل أبناء له.
بقى أن تعرف أيها القارئ العزيز أن أحد الاصدقاء أخبرنى أن ابن محمد نجيب الذى لا يزال على قيد الحياه يعمل سائق تاكسى فى القاهره كى يقتات القوت الضرورى.
وهنا يثور التساؤل: هل كان لمثل هذه المبادئ أن تحقق تقدما لمصر؟
مقال مايو 2015