بقلم : ياسر أيوب | الخميس ٢٨ مايو ٢٠١٥ -
٥٩:
٠٧ م +02:00 EET
فيفا
من لم يعرف أو يسمع بخبر قيام البوليس السويسرى بالقبض على ستة من أعضاء اللجنة التنفيذية بـ«فيفا» صباح أمس.. لكن قليلين جدا هم الذين يدركون أن ما جرى صباح الأمس فى فندق بور أولاك فى مدينة زيوريخ لم يكن البداية ولا هو النهاية أيضا.. فالبداية كانت قرار اللجنة التنفيذية لفيفا حين أسندت تنظيم مونديال 2022 لإمارة قطر بالمخالفة لكل قوانين ومواصفات وشروط فيفا لاستضافة أى مونديال..
أما النهاية فهى تماما كما حددتها هايدى بليك، صاحبة الكتاب الذى فضح قطر وفسادها، بعنوان اللعبة القبيحة- مؤامرة قطر لشراء كأس العالم.. فقد قالت هايدى إن النهاية لابد أن تكون سحب هذا المونديال من قطر، وأن تكون هناك أيضا محاكمة جنائية لبلاتر بتهمة الرشوة والفساد.. وبعيدا عن هايدى وكتابها هذا الذى ألفته بمشاركة جوناثان كالفرت، استنادا إلى كل التفاصيل والوثائق والأسرار التى جمعها فريق صحفيى جريدة صانداى تايمز.. فهناك دلائل أخرى كثيرة جدا وشهادات ووقائع متعددة تؤكد كلها أننا فى طريق طويل سينتهى حتما بسحب هذا المونديال من قطر ومحاكمة بلاتر، أو على الأقل إخراجه من فيفا، مهما كانت نتيجة انتخابات الغد التى يتنافس فيها بلاتر مع الأمير العربى على بن الحسين.
وأود الاستناد لهذه الحقيقة البسيطة حتى تصبح الأمور أكثر وضوحاً للجميع.. فالمسلسل بدأ وما جرى صباح أمس فى زيوريخ كان مجرد الحلقة الأولى.. ونقل لنا جوش هوليداى، الصحفى بجريدة الجارديان البريطانية، ما قاله قائد البوليس السويسرى الذى قاد عملية القبض على هؤلاء المسؤولين الستة قبل أن يتناولوا حتى طعام إفطارهم فى الفندق الذى يقيمون فيه.. قال الرجل إن لديه تعليمات بالقبض على هؤلاء الستة استجابة لطلب قضائى أمريكى، لكنه فضل الانتظار حتى تبدأ اجتماعات فيفا استعدادا للانتخابات، وبالتالى ستغدو فرصة رائعة للقبض على الجميع، وهم متواجدون فى مدينة واحدة، وفى فندق واحد أيضا.. وما قاله الضابط السويسرى يعنى أن الأمر لا علاقة له بتوقيت انتخابات رئاسة فيفا غدا.. إنما كان البوليس السويسرى ينتظر أول فرصة يتواجد فيها كل هؤلاء معا فى زيوريخ..
ولم يكتف البوليس السويسرى بذلك فقط، وإنما تم دخول مبنى فيفا فى زيوريخ، وتم التحفظ على وثائق ومراسلات وأجهزة كمبيوتر وأوراق وملفات جمعها رجال البوليس السويسرى بعدما قرر القضاء السويسرى فتح التحقيق الرسمى بشأن سوء إدارة وفساد وغسيل أموال شابت إسناد مونديالى 2018 و2022 إلى روسيا وقطر.. وقد تنتهى الحلقة الأولى من هذا المسلسل بترحيل هؤلاء الستة المقبوض عليهم أمس إلى الولايات المتحدة لبدء محاكمتهم.. أما الحلقة الثانية من نفس المسلسل فستشهد القبض أو ملاحقة قضائية وأمنية لأربعة عشر متهماً آخرين، سواء أعضاء فى اللجنة التنفيذية لفيفا أو مسؤولين عن كرة القدم فى بلدانهم.. ولم يتم القبض على هؤلاء أمس، حيث لاتزال ملفاتهم تنقصها بعض الأوراق والدلائل والتى ربما تكون موجودة فيما قام البوليس بالعثور والتحفظ عليه أثناء تفتيشه المفاجئ لمكاتب فيفا..
أما الفصل الثالث فسيكون بلاتر نفسه والرجال الذين حوله، والذين أفسدوا فيفا كثيرا وطويلا وزادت أموال قطر فى إفسادهم حتى بات إسناد مونديال 2022 لقطر هو بدون أى مبالغة أكبر جريمة فساد فى تاريخ فيفا.. وكان روبرت كيمبى، الصحفى الرياضى الألمانى الذى قدم للعالم مؤخرا الفيلم التسجيلى بعنوان «بيع كرة القدم»، وتحدث فيه بالوثائق والشهادات عن فساد بلاتر وفساد فيفا برئاسة بلاتر.. وقال كيمبى إن جريمة مونديال 2022 قد تنتهى بأمرين لم يسبق حدوثهما فى كل التاريخ الطويل لفيفا.. أن يتم سحب المونديال من دولة بعد منحها هذا الحق.. وأن يخرج رئيس فيفا من مكتبه ويترك منصبه مغضوبا عليه، متهما بالفساد والرشوة وسوء الإدارة.
وهذه العبارة تشرح لنا أمورا كثيرة جدا.. فكثيرون اندهشوا من إصرار بلاتر على خوض انتخابات رئاسة فيفا لدورة جديدة رغم كل وعوده السابقة بأن الفترة الحالية، التى تنتهى غدا، هى آخر فترة له كرئيس لفيفا بعدما اقترب من الثمانين عاما، وبعد أربعين عاما قضاها بلاتر داخل فيفا فى مناصب مختلفة، منها سبعة عشر عاما كاملة رئيسا لفيفا.. والحقيقة أن بلاتر لم يكن يكذب أو يخدع أحداً حين وعد ميشيل بلاتينى وفرانز بيكنباور وكبار نجوم كرة القدم ومسؤوليها بأن الفترة الحالية هى فترته الأخيرة..
إنما كان صادقا جدا ومقتنعا أيضا وكان بصدد تسليم رئاسة فيفا ليستريح هو، مستمتعاً مع أسرته بكل مغانمه ومكاسبه طيلة الفترة الماضية.. فالمستقبل لن يسمح أبدا بتكرار ما جرى، وبلدان العالم الراغبة فى استضافة أى مونديال جديد ليس منها قطر أخرى على استعداد لتقديم رشاوى وهدايا بمثل هذا الكرم القطرى الذى حددت جريدة الصانداى تايمز، البريطانية، قيمته بالمستندات، وأنه زاد على الخمسمائة مليون دولار.. كما أن بلاتر فوجئ أيضا فى العامين الأخيرين بأن حكاية قطر لن تمر كما مرت أى حكاية أخرى سابقة.. فالهجوم هذه المرة كان مختلفا عما كان يحدث فى الماضى.. ففى المرات السابقة كان الأمر لا يتجاوز بعض من يصرخون هنا وهناك باتهاماتهم لفيفا بالفساد وعدم النزاهة والشفافية دون أن يسمع لهم أو يصغى أى أحد..
وعلى سبيل المثال هناك أكثر من كتاب تحدث بالوقائع والحكايات عن فساد فيفا وبلاتر، لكنها أبدا لم تكن بقوة وتأثير كتاب اللعبة القبيحة الذى ألفته هايدى بليك وجوناثان كالفرت.. وعلى سبيل المثال قدم الصحفى والكاتب البريطانى الكبير ديفيد يالوب كتابا رائعا بعنوان «كيف سرقوا اللعبة».. وفيه تحدث عن فساد حقيقى لبلاتر ومحمد بن همام ورصد الأموال التى دفعتها قطر فى أحد أجنحة فندق باريسى فاخر من أجل أن ينجح بلاتر رئيسا لفيفا.. وهو كتاب لاقى الكثير من الاهتمام وأثار الكثير جدا من الصخب والإزعاج، لدرجة أن بلاتر أمسك كتفى طيلة أربعين دقيقة كاملة وهو يحكى لى عن فساد وأكاذيب ديفيد يالوب.. وقد ضحكت فيما بعد وأنا أحكى لديفيد يالوب كل ما قاله لى بلاتر.
بلاتر كان يعرف هذه المرة أنه لا يستطيع الخروج آمناً من فيفا.. ولهذا كان لابد أن يبقى رئيسا لأربع سنوات أخرى حتى يحمى نفسه ويحمى رجاله ويدير عملية إسناد مونديال 2026 بمنتهى الشرف والنزاهة والشفافية.. وبعدها يخرج آمناً تاركا فيفا لمن يريد فيه مقعد الرئيس.. وقطر أيضا كانت- ولاتزال- تريد أن يبقى بلاتر رئيسا لفيفا، لأن الإمارة الصغيرة تعرف أن خروج بلاتر أو غيابه يعنى سحب المونديال فورا.. ولأن الإمارة الصغيرة تعرف أيضا أن فضيحة رشوة اللجنة التنفيذية، التى جرت عام 2010، لا يمكن تكرارها مرة أخرى.. وكاد هذا المخطط المزدوج أن ينجح فيبقى بلاتر رئيسا لفيفا، وتبقى قطر صاحبة المونديال الذى اشترته بأموالها، لولا أن هناك فى العالم من لم تقبل ضمائرهم ذلك.. ويخطئ من يتصور أن المسألة مقصورة على إعلام إنجليزى غاضب على فيفا وبلاتر بعدما خسرت بريطانيا فرصة استضافة مونديال 2018..
إنما هى قضية أخلاق وشرف ونزاهة بات لها أنصارها، سواء فى بريطانيا أو أوروبا والعالم كله.. وهناك أنصار أيضا داخل فيفا نفسه وداخل اللجنة التنفيذية لفيفا ممن شاهدوا كل ما جرى ولم يستطيعوا السكوت.. وهؤلاء هم الذين قدموا للإعلام وللبوليس والقضاء ما لديهم من أوراق ومعلومات.. وهى معلومات لم تظهر كلها بعد.. فكتاب اللعبة القبيحة لهايدى بليك وجوناثان كالفرت.. والفيلم التسجيلى الطويل للصحفى روبرت كيمبى.. تختلف مصادرهما عن مصادر البوليس السويسرى، وأيضاً عن الـ«إف بى آى» أو الشرطة الأمريكية.. وكلما بدأت دوائر الاتهام والتحقيق تضيق ستكون هناك معلومات وأسرار جديدة يتم الكشف عنها وذنوب وجرائم جديدة يتم الاعتراف بها.. وستشهد الأيام القليلة المقبلة مفاجآت ضخمة وصادمة للجميع، سواء فى فيفا أو فى قطر، أو فى أى مكان آخر فى العالم.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع