الأقباط متحدون - تغزّل فى شياكة الملك وإياك أن تصرح بأنه عريان!
أخر تحديث ١٩:٢٠ | السبت ٣٠ مايو ٢٠١٥ | ٢٢بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٧٦ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

تغزّل فى شياكة الملك وإياك أن تصرح بأنه عريان!

خالد منتصر
خالد منتصر

كاتب الأطفال الدنماركى العبقرى هانز كريستيان أندرسن له قصة رائعة تحتار كيف هبطت عليه فكرتها البكر الطازجة المدهشة الساحرة الساخرة، أعتبرها بدون مبالغة أجمل قصة أطفال فى العالم، القصة عن ملك طاغية أجرى مسابقة لنسج أجمل ثوب يبهر أهل المملكة، تقدم الترزيه النساجون الخياطون للمسابقة، كل بتصميمه وابتكاراته وقماشه المتفرد، لكن خياطاً ذكياً كان يكره الملك وطغيانه قرر أن يدبر أكبر مقلب فاضح للملك، أوهمه بأنه قد نسج له ثوباً لا يراه الأغبياء، وهو فى الحقيقة لم ينسج أى شىء، ثوباً من الخواء والهواء والفراغ!!، دخل على الملك بالشماعة الفاضية التى لم يعلق عليها أى شىء، خشى الملك أن يعلن أنه لا يرى أى ثوب على الشماعة حتى لا يتهم بالغباء، انطلقت الحاشية والوزراء فى وصلة نفاق تشيد بجمال الثوب وتناسق ألوانه وروعة خامته، أخذ الخياط يخلع ثياب الملك قطعة قطعة ليلبسه ثوبه الوهمى حتى أصبح الملك عارياً حتى من ورقة التوت!

، ركب الملك حصانه يتبختر ويتغندر مزهواً متباهياً بثوبه الأسطورى المصنوع من خيوط الفراغ، الشعب يصفق ويهتف، الطوابير تهلل، تكاد يغمى عليها من شدة الانبهار والإعجاب بتصميم ثوب الملك الذى يخطف الأنظار، فجأة خرج صوت مسرسع لطفل يقف فى تلك الطوابير المصفوفة، أشار إلى الملك بعفوية قائلاً: «الملك عار يا سادة»!!!

، انقلب الفرح مأتماً والاحتفال فوضى، الكل يجرى بهستيريا فى كل اتجاه، الملك يلملم ثوبه الوهمى حتى يخفى عورته المكشوفة، الحاشية تجرى فى كل اتجاه علّهم يغطون الفضيحة، لكن الصمت قد كُسر، والمسكوت عنه قد انكشف، لكن النهاية التى لم يكتبها أندرسن كانت هى قتل الطفل، لكنه لم يكتبها لأنه لا يستطيع فى قصة أطفال ملونة أن يقحم لون الدم، اشترك الملك والحاشية والجمهور فى إسكات الطفل وخنقه وفعصه ودهسه وتكسير عظامه، تركوا الفضيحة ليغتالوا كاشف الفضيحة، لم يدينوا غباءهم، لكنهم أدانوا من أشار إلى هذا الغباء، أصروا على العيش فى أوهامهم الزائفة، وتحالفوا على قتل من أزعجهم وطلب منهم إلقاء نظرة على الواقع، استمتعوا بدفء الكهف وظهورهم إلى فتحة الخروج يشاهدون أشباحهم على الجدار ويلوكون أساطيرهم، وعندما خرج فرد منهم من فتحة الكهف إلى حيث الشمس والنور ثم عاد ليخبرهم بأن الدنيا والإشراق والوضوح والمعرفة هناك فى الخارج، وثمن الخلاص مجرد رغبة فى الخروج من هذا الاتجاه وخطوة إلى خارج الكهف، عندما سمعوا هذا الكلام استفز كسلهم المزمن فقرروا دفن هذا المزعج دون جنازة أو مقبرة أو سرادق عزاء. هل هى جريمة أن تخرج إلى العلن بما يقوله ملايين المصريين فى غرفهم المغلقة من أنهم مثلاً مرهقون من الصيام ولا يحسون بكل ما يقوله أطباء الفضائيات من فوائد صحية، لكنهم يصومون رغم ذلك لأنه فريضة وليس لأنه صالة جيم، ولأنهم يعرفون أن المشقة هى فلسفة الصوم!!

، العيش فى خدر الوهم وكسل الجهل لذيذ ومريح، تأتى ذبابة العلم المزعجة لتثير القلق وتدفعك إلى ترك أصابعك التى تلعب فيها وتجبرك على المشى والسعى والركض، تنتقل من خانة الإجابات الجاهزة إلى خانة السؤال وعلامة الاستفهام والبحث المضنى، العلم بهذا المعنى مزعج لمجتمع الكسالى والمكسحين، العالم يقول ويردد دائماً كلمات مثل: أظن.. ربما.. أعتقد، مثل هذه الإجابات لا تقنع المجتمعات المشلولة التى تعودت على الفتاوى الجاهزة التيك أواى، وقل لنا يا شيخ وهات م الآخر، فضيلتك عايزين نخلص!!

، عندما يأتى شخص ويتساءل مستفزاً كسلهم ويقول: «ما دامت كل الإجابات والاكتشافات العلمية موجودة فى نصوصكم وتراثكم.. فلماذا أنتم الأكثر تخلفاً؟»، لماذا تنتظرون الغرب الكافر الفاسق الفاجر حتى يكتشف ثم تخرجون ألسنتكم وتفيقون من غيبوبتكم للحظات تعلنون فيها أن هذه النظرية كانت مخبوءة فى سرداب إعجازى أو مغارة فقهية تراثية من ألف سنة ثم تواصلون النوم والشخير العميق!!. الفجوة العلمية الرهيبة بيننا وبين الغرب كان أمامنا أحد حلين، أو بالأصح موقفين، لنردمها، الموقف الأول أن نفعل مثلما فعلت شعوب شرق آسيا، ونضغط على أنفسنا فى هذا السباق ونضاعف الجهد والعمل ونبث روح العلم فى المجتمع والمدرسة والإعلام لنختصر مسافة السباق ونقترب ثم نتفوق، الموقف الثانى أن نظل كسالى فى حالة شماتة مزمنة كعواجيز الفرح، نظل نردد نحن الأفضل أخلاقاً، نحن لدينا الدين وهم لديهم العلم، نحن الأخلاق وهم الانحلال، نحن لدينا أسرار العلم التى لا تحتاج إلا إلى فتح الكتب القديمة فقط والبحث فى شرح الشروح وتفسير التفاسير لنصل إلى قمة العلم!!

، لم يفرز مجتمعنا جاليليو بعد، إنه يقتل بذرته قبل أن تتشكل جنيناً، لماذا يشكل جاليليو الخط الفاصل بين عصر العلم وعصر الخرافة؟ لأنه لم يبدأ بحثه العلمى من خلال نصوص الكتاب المقدس أو من خلال فهم الكنيسة للكتاب المقدس، بل نزل إلى الواقع بتلسكوبه، قالوا له الأرض لا تتحرك والشمس مجرد تابع ساكن، هكذا يقول كتابنا، قال لهم الأرض تتحرك وهى ليست مركز الكون، هكذا يقول تلسكوبى!!، حاكموه وسجنوه حتى مات، إلا أنهم اعتذروا له بعد ثلاثة قرون وبعد أن ثبت أن كل ما نعيشه من نعم هو من عطايا وهبات جاليليو المارق الخارج المرتد، هم كانت لديهم فضيلة الاعتذار العملى قبل الشفهى، لكننا للأسف لم نعتذر بعد لا شفهياً ولا عملياً، وأظن أننا لن نعتذر.

نقلا عن خالد منتصر دوت كوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع