الأقباط متحدون - نحن الأسوأ.. ولا فخر..!
أخر تحديث ١٦:٥٩ | الأحد ٣١ مايو ٢٠١٥ | ٢٣بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٧٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

نحن الأسوأ.. ولا فخر..!

مجدى الجلاد
مجدى الجلاد

 سافرت إلى دبى كثيراً.. وعشت فى السعودية عدة سنوات.. وتجولت فى عواصم ومدن عالمية أكثر.. ورغم ذلك كان لدىّ أمل دائم فى أن نصبح مثلهم.. أو نصفهم.. أو حتى رُبعهم.. ولكننى الآن أشك فى أننى سأعيش تلك اللحظة.. بل وأشك فى أن ابنى سوف يراها بعينه..!

 
لا تقل إننى متشائم.. فمثلى عاش ألف عام من فرط ما رآه وعايشه وشاهده ولمسه بأصابعه.. والأكثر من ذلك أننى قضيت سنوات عمرى فى «حلم كبير».. حلمت أن أرى مصر دولة حديثة متطورة ولو ليوم واحد قبل الرحيل.. وحلمت أن أصبح جندياً فى جيش كبير يمتد من أسوان إلى الإسكندرية.. جيش يعمل ويبنى بدفقات حب للوطن، فلا يقف أمامه عائق، ولا يعترف بـ«المستحيل»، ولا يبيع بلده من أجل مصلحة شخصية ضيقة..!
 
..والآن.. أقر وأعترف أن أحلامى تبددت.. أقر أننى سأموت حتماً قبل أن أعيش تلك اللحظة.. وأعترف أننى لم أعد أحلم بأكثر مما نحن فيه..!
 
سافرت إلى دبى كثيراً.. غير أننى قررت فى زيارتى الأخيرة التى استغرقت ستة أيام أن أتجاهل إعجابى بالتجربة، وأحاول اكتشاف السر دون لقاء أى مسئول إماراتى.. قررت أن يجيب الناس هناك عن السؤال الذى لم يشغلنا كثيراً: كيف فعلوها؟!.. إذ اعتدنا -فى مصر- أن نندهش من نجاحات الآخرين دون أن نتعلم منهم، أو حتى نشعر بالغيرة على بلدنا..!
 
سألت نفسى: كيف صنعوا المعجزة فى 15 عاماً فقط؟!.. هل السر فى «الفلوس» ومنذ متى تمتلك دبى «فلوساً»؟!.. لماذا باتت قبلة المستثمرين من كل حدب وصوب..؟!.. وكيف يقصدها ملايين السائحين الأجانب فى عز الحر والشمس الحارقة؟!.. ومن أين بدأ حلم «دبى».. من «فوق» حيث الحاكم والإدارة، أم من «أسفل» حيث المواطن والشعب؟!
 
والحق.. أن خلاصة قراءتى للتجربة -وهى تحتمل الصواب والخطأ- أن كل الطفرات والتحولات فى الأمم والدول تبدأ دائماً من «أعلى».. من قائد فذ له رؤية وقدرة فائقة على استنهاض همم المواطنين وشحذ الطاقات خلف حلم واضح المعالم.. وربما كان ذلك وراء اعتقادى الجازم بأن مصر لم يحكمها قائد حقيقى أو رئيس له رؤية منذ ثورة يوليو 1952.. لماذا؟!.. اقرأوا وشاهدوا وحللوا تجربة «دبى» قبل أن تندهشوا..!
 
محمد بن راشد آل مكتوم.. مواطن عربى تسلم حكم دبى وهى صحراء قاحلة.. لم يكن حالها يختلف عن حال مدن عربية كثيرة.. غير أن الرجل قرر أن يحبها أكثر من نفسه.. وتلك فضيلة لم يمتلكها أحد من رؤسائنا.. «بن مكتوم» لا يؤمن بالشعارات الجوفاء والخطب الرنانة وقصائد حب الوطن والشعب والأرض والماء والهواء.. لذا فهو لا يقول إلا ما يؤمن بقدرته على تنفيذه.. وربما كانت عبارته الشهيرة عن «القادة والمستحيل» سر المعجزة.. اقرأوها جيداً، ثم راجعوا كلمات وخطب زعمائنا العباقرة، ولن تجدوا مثلها.. لأن رؤساء مصر يراهنون دائماً على «مرهمة» الشعب.. و«المرهمة» تحتاج دائماً لـ«أنبوبة شعارات وعبارات رنانة» لا يتحقق منها شىء.. يقول محمد بن راشد «لا مكان لكلمة مستحيل فى قاموس القيادة.. ومهما كانت الصعوبات كبيرة فإن الإيمان والعزيمة والإصرار كفيلة بالتغلب عليها».. هذا الكلام أطلقه «بن راشد» التزاماً عليه، وعلى إدارة «دبى».. ثم شمّر عن ساعديه، وعكف على تنفيذه.. والمفارقة أن نجاح تجربته لم يعتمد على أموال الإمارة، لأنها ليست أغنى من دول كثيرة، ومن بينها مصر.. وإنما على تدفقات الأموال والاستثمارات العربية والأجنبية.. يقولون فى «دبى»: تعالَ إلينا.. سواء كنت مستثمراً تريد أن تبنى وتتاجر وتربح.. أو عاملاً تسعى لـ«لقمة العيش» بشرط أن تعمل وتعرق.. والاثنان -المستثمر والعامل- سوف نقطع رقبتيهما إن أفسدا أو سرقا أو تجاوزا فى حق القانون..!
 
لا يهوى «محمد بن راشد» الزعامة.. ولا يحب النفاق والتصفيق والتطبيل.. يتجول بنفسه فى شوارع «دبى» وسط الناس.. يستوقفك ويسألك أولاً: ماذا تعمل؟!.. هل تحصل على حقوقك؟! هل تشعر براحة العيش فى «دبى»؟!.. هل يظلمك أحد؟!.. ثم يربت على كتفك وهو يردد عبارته الشهيرة «هنا.. بلدك.. ونحن أهلك».. غير أن الرجل لا يتوقف عن الحلم.. والحلم عنده هو ومساعديه ليس أضغاثاً ولا وعوداً جوفاء.. بل عمل وتخطيط واجتهاد وتنفيذ.. ولكى تعرفه أكثر إليك أفكاره التى تحولت إلى واقع فى سنوات معدودات «فى كل صباح فى أفريقيا يستيقظ غزال يدرك أنه يجب أن يعدو بخطوات أسرع من خطوات الأسود، وإلا كان الموت مصيره، وفى كل صباح فى أفريقيا، يستيقظ أسد يدرك أنه يجب أن يعدو بخطوات أسرع من أبطأ غزال وإلا سيموت جوعاً.. لا يختلف عليك الأمر، سواء أكنت غزالاً أو أسداً.. عندما تبزغ الشمس عليك أن تعدو بأقصى سرعة».. ودبى أسد وغزال.. والتقدم لديها فريضة.. يستيقظ «بن راشد» كل صباح ليضع حجراً جديداً فى البناء.. لا يتكلم كثيراً.. ولا يجهد حنجرته لأن عقله أكثر أهمية وقدرة على الإنجاز.. أما نحن فنهوى الحناجر وتصفيق الجماهير المخدوعة بمعسول الكلام..!
 
فى «دبى» ودول أخرى كثيرة يرون الحكومة من منظور مختلف.. يقول «محمد بن راشد»: «الحكومة ليست سلطة على الناس، ولكنها سلطة لخدمة الناس.. لذلك فإن مقياس نجاح الحكومة هو رضا المتعاملين معها».. هكذا تعمل حكومة «دبى».. لذا لا تقارن بينها وبين حكوماتنا.. فوفقاً لهذا المفهوم فإن مصر بلا حكومة منذ مائة عام أو يزيد..!
 
يدرك الرجل جيداً أن بلاده لا تمتلك كل الخبرات.. فلم يخترع العجلة، وإنما أتى بالخبراء والعلماء من كل مكان للاستفادة من أفكارهم وخبراتهم.. وبالتزامن مع ذلك عكف على تنشئة جيل جديد من الإماراتيين يتلقى العلم الحديث ليحمل الأمانة ويبنى بلاده بالمعرفة «نحن كقادة مهمتنا هى تحقيق الصالح العام وإسعاد الناس، ولا يمكن إنجاز هذه المهمة من دون مشاركة الناس، لذلك نعطى الأولوية للتنمية البشرية، وهى محور رئيسى فى رؤيتنا».!
 
ملحمة «دبى» يصعب اختزالها بالكلمات.. غير أنها تثبت -للأسف الشديد- أننا الأسوأ بلا فخر.. وإليكم عبارة «بن راشد» الفاصلة والحاسمة «لو كانت الإدارة العربية جيدة لكانت السياسة العربية جيدة والاقتصاد العربى جيداً، والإعلام العربى جيداً، والخدمة الحكومية جيدة».!
 
هل عرفتم الآن لماذا يبدأ الإصلاح والتطور والتقدم دائماً من أعلى.. من القائد..؟!.. والأهم.. هل عرفتم لماذا قلت إن مصر لم يحكمها رئيس حقيقى منذ عقود طويلة؟!.. غير أننى ما زلت أحلم.. وفى حلمى يتبدى رجل اسمه «عبدالفتاح السيسى».. يا رب..! 
نقلا عن الوطن

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع