بقلم منير بشاى
فى حلقة جديدة من مسلسل محاكم المصاطب عقدت جلسة فى 24 مايو 2015 فى قرية كفر درويش مركز الفشن محافظة بنى سويف عقب اتهام قبطى يدعى ايمن يوسف توفيق يعمل ويعيش بالاردن بأنه نشر صورة مسيئة لرسول الاسلام على الفيسبوك. وقد انكر أيمن صلته بالصورة او حتى بانه يعرف كيف يستخدام الفيسبوك. والمعروف ان ايمن امى لا يجيد القراءة والكتابة، ويعتمد على زملائه فى استخدام الفيسبوك، والمحتمل ان الفعل كيدى من آخرين. ولكن الجلسة العرفية بحضور عدد من القيادات الامنية قضت بطرد اسرة ايمن من القرية. وكان الشباب المتشدد قد هاجموا منازل المسيحيين فى القرية بالمولوتوف مما تسبب عن احداث تلفيات باكثر من 10 منازل. ولولا تدخل المسلمين المعتدلين لأحرق المتشددون منزل ايمن بمن بداخله.
وكأن هذا لم يكن كافيا اقيمت فى مساء اليوم التالى جلسة عرفية جديدة بمنزل عمدة القرية وقررت ايضا تهجير والد المتهم وامه واخوته الثلاثة مع افراد اسرهم، وفى خلال نصف ساعة سيق خمسة اسر الى سيارات اخذتهم خارج القرية، تاركين ورائهم بيوتهم وكل ممتلكاتهم. فحتى إن كان ايمن قد ارتكب جريمة فما ذنب كل هؤلاء؟ اين يذهب الاب الشيخ والام المسنة المريضة؟ وما مصير النساء والاطفال الذين اصبحوا يهيمون على وجوههم بلا مأوى؟
ضحايا الجلسات العرفية من الاقباط اصبحوا فريسة سهلة لاستخدام اتهامات جاهزة بدعاوى ازدراء الاسلام. والذى يحدث هو اختلاق شائعة بان قبطيا اساء للدين الاسلامى فتقوم الغوغاء بالعقاب الجماعى لكل أقباط، القرية. وتحاول السلطات وقف انتشار العنف فلا تجد امامها اسهل واسرع من عقد جلسة عرفية يملى فيه الطرف الاسلامى الاقوى شروطهم على الاقباط الذين لا خيار امامهم سوى ان يقبلوها لأن البديل اشنع وهو القتل.
والصلح العرفى غالبا يتضمن اعفاء الطرف المعتدى من اى مسئولية جنائية او مادية وفى نفس الوقت يوقع بالطرف القبطى اشد العقوبات والتى عادة تتضمن التهجير من القرية التى عاشوا فيها منذ الاجداد. هذا بالاضافة الى القضية الاصلية المنظورة امام القضاء والتى تضيف عقوبات اخرى لنفس الواقعة فتكون العقوبة مزدوجة بالنسبة لاتهامات مبالغ فيها او لا اساس لها من الصحة.
قبل هذا بايام عقدت جلسة عرفية بقرية الناصرية التابعة لمركز بنى مزار للبت فى دعوى ازدراء الاسلام المنسوبة للمدرس القبطى جاد يوسف يونان واربعة من الاطفال والتى قضت بتهجير المدرس وزوجته وابنائه الثلاثة من القرية والابقاء على أسر الطلبة تحت حماية عمدة القرية.
والقضية ما تزال امام القضاء الذى لم يقل بعد كلمته فيها. والاتهام الموجه لهم هو اشتراكهم فى فيديو يسخر من صلاة المسلمين بينما كانوا فى الحقيقة يسخرون من داعش. وقال المحامى المسلم حمدى الاسيوطى معلقا على هذه الواقعة " شاهدت الفيديو الذى حبس الطلاب بسببه ومدته 30 ثانية ولم اجد فيه اى جريمة تدين الطلاب فهو مجرد انتقاد لداعش ولا يمس الدين فى شىء."
ومن جلسات الصلح التى اثارت الجدل تلك التى حكمت فى النزاع بين سكان قريتى نزلة عبيد (المسيحيين) والحوارتة (المسلمين) والنزاع اسفر عن قتل 4 افراد مقسمين بين القريتين، وكان هذا بسبب رغبة قبطى البناء على قطعة ارض يمتلكها على اطراف قريته فى منطقة كانت قريبة من بيوت المسلمين فى قرية الحوارتة.
طبقا لشروط الصلح الذى تم فى وجود مدير امن المنيا تم الاتفاق على عدم ذهاب اقباط نزلة عبيد لعملهم بالمحاجر لمدة 15 يوما وعدم خروج مسلمى الحوارتة من الجسر الغربى الى نزلة عبيد لمنع الاحتكاك، والتغاضى عن دفع الفدية من الطرفين، وعدم بناء اقباط نزلة عبيد منازل على حدود قريتهم المتاخمة لبيوت المسلمين. والسؤال الذى يفرض نفسه: كيف يحدث هذا كله لمجرد ان قبطيا حاول البناء القانونى على قطعة ارض يمتلكها؟ اليس هناك سلطات تحميه وتوقف المعتدين؟
اما الصلح العرفى الذى تم فى المطرية فى فبراير سنة 2014 فهو يثير التعجب. وكانت قد قامت مشاجرة بين طرفين احدهما قبطى والآخر مسلم. وكان الطرف المسلم قد وضع مواد بناء من رمل وزلط امام معرض موبيليا للطرف المسيحى. فتطايرت الاتربة على الموبيليا وهذا ادى الى مشاجرة تطورت الى اشتراك عدد من الاخوان المسلمين فيها بالاسلحة النارية. ونتج عن المشاجرة والنيران قتل مسلم لم يكن طرفا فى المشكلة ولا يعرف من قتله ومن المؤكد ان القتل لم يكن عمدا.
تم تحرير محضر بالواقعة تمهيدا لعرض الامر على القضاء وقبض على العديد من اقارب الطرف المسيحى الذين لا صلة لهم بالامر. وصدرت الاوامر بغلق 12 معرضا للموبيليا مملوكة للمسيحيين وايضا غلق محطة بنزين مما دفع الطرف المسيحى للسعى لعمل صلح لحل المشكلة.
وفى 9 يونيو 2014 تمت جلسة الصلح العرفية التى قضت بالآتى: تقديم 5 اكفان يحملها 5 اقباط وتقديم 5 عجول وذبحها امام حاملى الاكفان. وتقديم عدد 100 ناقة وتقديم قطعة ارض لبناء مسجد ودفع مليون جنيه لبناء المسجد وتهجير عائلة مسيحية من المطرية خلال 6 شهور. كما تم الاتفاق على ان لا يعد هذا تنازلا عن القضية التى يطالبون فيها باعدام المحبوسين على ذمة القضية.
هذه مجرد امثلة قليلة لعشرات محاكمات المصاطب او ما يسمى جلسات الصلح العرفية التى تلجأ لها السلطات لفض النزاعات بين المسلمين والاقباط. ولا يهم السلطات ما اذا كانت هذه الاحكام لا تقدم العدالة للاقباط بل تفرض عليهم التعسف والتشفى والاستبداد تحت سمع وبصر السلطات وبمواففتها وتأييدها..
المؤسف انه فى الوقت الذى تحاول مصر اللحاق بركب الحضارة بتأكيد القيم الانسانية وارساء دولة القانون، اذ بالنزعات القبلية تعرقل المسيرة لتعود بمصر لعصر البداوة وقانون الغاب. والسؤال الموجه للمسئولين: اين أنتم من هذا الظلم؟ اين السيد وزير الداخلية؟ اين السيد وزير العدل؟ اين السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى؟ هل لا تعلمون؟ ام تعلمون ولا تبالون؟
Mounir.bishay@sbcglobal.net