الاثنين ١ يونيو ٢٠١٥ -
٥٧:
٠٤ م +02:00 EET
بقلم الباحث / نجاح بولس
حالة من العبث والضبابية سادت المشهد المصري منذ إندلاع ثورة 25 يناير ، شهداء سقطوا بدون معرفة الجاني ، وأخبار عن طرف ثالث تلاحق أحداث خلفت عشرات القتلي ، وعقب أربع سنوات تخللها ثورتين سقطت فيها الكثير من الأقنعة ، وإنكشفت حقائق الأمور ليبقي الطرف الثالث لغزً غامض يصعب فك رموزه .
صعدت علي الساحة قوي راديكالية تنادي بالشريعة وتكفر المعارضين ، ولا تستنكف من الموالاة للجانب الأمريكي الكافر، وتستقوى به في مواجهة معارضيها ، بل وتلجأ إليه بعد سقوطها . ودول خليجية داعمة لنفس الجماعات الإسلامية منذ عشرات السنين تساهم في الإطاحة بهم من السلطة في بعض الدول المجاورة ، ودول غربية انكوت بنار تطرفهم وإرهابهم تدافع عنهم وترعاهم وتستهدف إعادتهم للسلطة .
حكومة تأتي بعد ثورة شعب علي الفاشية الدينية فتهادن وتتحالف مع الجماعات السلفية الأكثر تطرفاً وإرهاباً من الإخوان ، تواجه الإرهاب أمنياً بينما تدعمه فكرياً بالصمت على فتاوى الدم والتكفير ، والسماح بالاحزاب الدينية المخالفة للدستور ، بل والإنصياع لأفكارها في كثير من القرارات .
رئيس جمهورية ذو خلفية عسكرية بعد ثورة على التطرف الديني يطالب بثورة تصحيح دينية لتنقية التراث الديني المعادي للإنسانية ، فتستجيب مؤسسة الأزهر بتحريك دعاوى الحسبة ضد مفكرين تنويريين باحثين في تجديد الخطاب الديني منذ سنوات ، فيعاقب إسلام البحيري بخمسة سنوات سجن ويمنع برنامجه ، وتصدر فتاوى أزهرية بتكفير آخرين في وقت تتوارى فتواهم عن تكفير تنظيم داعش الإرهابي .
وإعلام واجه فتاوى التكفير وسقط في خطايا التخوين ، فأسس لمنظومة انتهجت التطبيل للسلطة ، وروج للإصطفاف السياسى بديلاً للإصطفاف الوطني ، فهمش وإزدرا المختلفون سياسياً مع التيار الحاكم ، ولم تنصفهم مواقفهم الوطنية من اتهامات العمالة والتخوين ، لينتج جمهور مستقطب سياسياً ودينياً واجتماعياً ، يعاني التشويش وفقدان الرؤية .
أقباط يخرجون عن بكرة أبيهم داعمين للدولة المدنية ، مضحون بأرواحهم وكنائسهم وممتلكاتهم ، مساندين لوطنهم ومؤيدين لحكومته في الداخل والخارج ، فلا يجنوا سوى التنكيل والتهجير والإضطهاد ، مرة من قبل الجماعات السلفية ، ومرات على أيدي الجهات الأمنيه ، ولم يجدوا أى إنصاف أو إستجابة لإستغاثاتهم من السلطة الحاكمة ، سوى قيام رئيس الجمهورية بالترحيب بحزب النور الذراع السياسي للجماعات السلفية صاحبة الفتاوى المعادية لأقباط مصر ، بل والمعادية للدولة المدنية التي اندلعت من أجلها ثورة 30 يونيو .
ولم تكن الكنيسة المصرية بمنأى عن المشهد الضبابي ، فبعد ظهورها كفاعل مؤثر يوم 3 يوليو ، وما جنته من حرق وتدمير لأكثر من مائة كنيسة ومؤسسة قبطية عقب فض إعتصام رابعة ، لم تطالب الدولة بالوفاء بإلتزاماتها بإعادة بناء ما تهدم أو تعويض الأقباط عن خسائرهم المادية نتيجة إنحيازهم لوطنهم في مواجهة قوى التطرف والإرهاب ، وصرح رأس الكنيسة بعبارة وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن . بل لم تتردد في التنازل عن احد الأديرة القبطية الأثرية مع أول مواجهة بين رهبان الدير والدولة للخلاف حول شق طريق يقسم الدير في صحراء تتسع للمئات من الطرق البديلة ، وبدلاً من مساندة الأقباط في أحداث الإعتداءات الطائفية ، كانت شريك في جميع الجلسات العرفية التي إنتهت بتهجير أسر قبطية من منازلهم .
وتتجلى مشاهد العبثية في شباب الثورة الناجون من الموت خلال الأحداث ، والقابعين الآن خلف الأسوار ، وبعضهم مسجون بتهم تتعلق بالتظاهر ضد نظام الإخوان إبان فترة حكمهم ، فسقط الإخوان ودخلوا السجون ، ولم يخرج هؤلاء حتي الآن ، في وقت نرى رموز نظام مبارك أحرارً يسعون للعودة مرة أخرى للحياة السياسية .
لم ولن تنتهى أى من هذه المشاهد ، وستظل الحالة ضبابية طالما الشعب المصرى يحمل ارادة بلا رؤية ، ومتحفز لصنع ما يراه بعض افرادً من النخبة انه صحيح ، ما لم تعلوا العقول على النصوص ، وتنموا مهارات التفكير والتحليل بديلاً عن التبعية والتطبيل ، وإلا سينشأ جيلاً يجهل وقائع تاريخه فلا يدرك متطلبات حاضره أو إحتمالات مستقبله .