زهير دعيم
سار الكثيرون مع الربّ.
بل سار الربّ معهم وأمامهم وحولهم .
سار مع احنوخ وابراهيم ودانيال و....
وسار الربُّ مع موسى ، ورنَّم موسى وسبّحَ، ووقف هذا الشّابّ أمام فرعون العظيم مُتحدّيًا بقوّة ذراع الهه، وقاد الشعب القديم من العبودية ، قاده وهو يرنو الى هناك ، إلى الجبال ، إلى الأرض التي تدِرُّ لبنًا وعسلاً، إلى أرض الموعد. قاده وهو يتوق إلى لقاء الله في أرضه ...ولكنه وفي خِضمِّ العُبور ، أبى الاّ أن يسقط ويتعثّر ، وكيف لا يكون هذا ، وهو طين وتراب؟! فضربَ الصّخرة ، صخرة الماء الحيّ، أكثر من مرّة ، مُخالفًا أوامر الربّ اذ كان عليه ان يُكلّمها.
وجاءت المحبّة الإلهية الضافية لتقول : سترى ارض الموعد من بعيد ، وستبقى عبدي الذي أحبُّ ، الذي يكتب توراتي وناموسي .
وسار داوود مع الربّ....
وسبَّحَ, وغنّى ، ورنّمَ وملأ الدُّنيا تسبيحًا، ورقص أمام تابوت العهد .....ولكنه تعثّر أيضاً وسقطَ ، أليس هو الآخر طين وتراب ، أليس أنّه من ذرّية آدم الساقطة؟ فها هي بتشيبَع تسرق عفته وطهارته ، بل هو الذي فعل ذلك ، وها هو ينقاد خلف الشهوة الخاطئة فيقعُ ولكنه يقوم ويملأ الدنّ دموعًا ، وأجواء الشّرق أشعارَ توبةٍ .
ما أروع أن نسير مع الربّ ! وما أجمل أن يسير معنا يتقدّمنا تارة وأخرى يجول من حولنا!
يُحكى أنّ أحد المؤمنين سار مع الربّ ، فاكتنفته الطمأنينة ، والتفت الى الوراء فرأى ثار أربع أقدام على الطريق ، فتأكّد أن الربّ يسير معه فاستكان كما الطفل في حِضن امّه ، ودارت الأيام وهبّت العواصف وولولت الرّيح، فارتعدت فرائصه ، وكاد يذوب خوفًا ،فالتفت إلى الوراء فلم يرَ إلا آثارَ قدمين اثنتين فصرخ : "الهي؛ الهي لماذا تركتني في وقت الضّيق، فانّي لا أراك ، إنّي أرى على الأرض آثارا لقدمين فقط!!
فابتسم عريس الأجيال ، وربّتَ على كتفه قائلاً : " أنتَ على منكبيَّ يا بُنيّ ، وتلك الآثار هي لقدميّ أنا .
وسار الربُّ –ابن الإنسان- نحونا ن سار نحو بطرس والتلاميذ. سارَ على المياه الهائجة ، سارّ ثابتًا ، واثقًا ، مُبتسمًا وهادئًا .
" وفي الهزيع الرابع من الليل ، مضى اليهم يسوع ماشيًا على البحر ، فلمّا أبصره التلاميذ ماشيًا على البحر اضطربوا قائلين: انّه خيال . ومن الخوف صرخوا ، وللوقت كلّمهم يسوع قائلا : "أنا هو لا تخافوا" .
وسار بطرس على الماء الى الربّ وبأمر منه ، سار مُثبّتًا أنظاره إليه وعليه . سار هادئًا واثقًا، ولكنه وفي وسط الطريق ، التفت إلى الوراء وكأنه غير مُصدّق . التفت والريبة تحتلّه ، والشّكّ يأكل أعصابه فكاد يغرق ، بل غرق وهو البحّار الأول وقيدوم التلاميذ فصرخ : "يا ربّ نَجني ".
وأقالَ الربّ عثرته ، وأمسكَ بيمينه وبيميننا وما زال ، ولكنّ هذا البحّار المغوار ، عاد وغرق مرّةً أخرى في لُجّة الإنكار ، إنكار سيّده في ليلة ليلاء ماطرة قارسة البرد....ورحمه الربّ وسار نحوه ..
سار الربُّ ويسير واثقًا ، ونسير نحن معوجين ، شاكّين ، ساقطين .
...وعُلِّقَ الماشي على الماء والمهدّئ للعاصفة ، عُلّق ما بين الأرض والسماء لأجلنا . وما زال يصرخ : " لا تخافوا هاأنذا ...تشجعوا لن أترككم يتامى ".
واليوم ننتظر هذا المُعلّق على الصليب والمُقام بمجدٍ ، ننتظره وعيوننا ترنو إلى فوق ، لنراه هذه المرّة ماشيًا على السّحاب !!!!!