الأقباط متحدون - يوم على ضفاف شاطئ عكاشة
أخر تحديث ٠٨:٤٦ | السبت ٦ يونيو ٢٠١٥ | ٢٩بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٨٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

يوم على ضفاف شاطئ عكاشة

 خالد منتصر
خالد منتصر

 عندما يقال الأستاذ فى مجال الطب النفسى هنا فى مصر مجرداً ولا تتبعه بالاسم أو تلضمه باللقب، فسيفهم الحضور مباشرة أنه أ. د. أحمد عكاشة، هذا الرجل الظاهرة الذى منذ تخرجه فى كلية الطب وسفره إلى باريس وتخصصه فى الطب النفسى، قرر أن يكون مختلفاً، قرر ألا يرضى بمجرد قوقعة العيادة أو صدفة المصحة أو برج الكلية العاجى، بل قرر أن تكون بصمته ثقافية وإبداعية وعلى المجتمع كله،

 
من خلال مجلته الطبية الأكاديمية المحترمة، ومن خلال الكتب والندوات والإعلام، لم يقنع بمجرد علاقة الأستاذ بالطلبة، ولكنه وَسَّع الدائرة، فكانت علاقة المثقف بطلاب الثقافة، والعالِم بطلاب العلم، صعد درجة على سلم الإبداع، وانتقل من علاج الفرد المريض إلى علاج المجتمع المريض المحيط بهذا الفرد، والذى يتفاعل معه ويُحْبِطه ويُقَزِّم قدراته ويقصقص أجنحة حريته ويسجنه فى زنزانة الاكتئاب، لذلك لم أندهش حين حضرت محاضرة وندوة الدكتور عكاشة السنوية، فوجدتها تحمل رقم 21.

هذا الرجل مازال مثابراً منذ أكثر من عشرين سنة على عقد هذه الندوة، أو بالأصح هذا الحفل الثقافى الذى يتعدى المياه الإقليمية الطبية الضيقة، بدليل أن ضيف هذه الندوة ومتحدثها الرئيسى هو د. وسيم السيسى، الذى ألقى محاضرة رائعة عن الأصل الفرعونى للطقوس الدينية من الصلاة إلى الحج، محاضرة خرج منها كل الحضور وهو أكثر فخراً بمصريته وأكثر ثقة بأن كل ما يحدث الآن من انهيار ثقافى هو مجرد سحابة صيف. نَفَذَ د. عكاشة إلى نواة المحاضرة، ووَجَّه إلى الحضور عبارة بليغة عندما قال: «أنتم تحملون فى جيناتكم هذه الصفات الفرعونية، لا داعى للتشاؤم، بثوا الأمل، نحن قادرون على التغيير»، حَيَّرنى كثيراً إصرار هذا الرجل وعناده ومساحة تفاؤله التى بلا حدود ولا سقف، التقطت طرفاً من حكاياته الجذابة عن شقيقه الأكبر وأبيه الروحى وصديقه الأوحد د. ثروت عكاشة، هذا العبقرى الذى ندين له جميعاً بجزء كبير من تكويننا ووجداننا وبنائنا الثقافى، عرفت أن أحمد عكاشة كان لابد أن يكون هكذا ولم يكن له اختيار، لأن أزميل نحت الشخصية كان فى يد نحات ماهر اسمه ثروت عكاشة، لأن المناخ والزاد والأسرة والظروف كان لابد أن تعجنه وتنفخ فيه هذه الروح الإبداعية الخلاقة، يكفى أن تعرف أن أحمد عكاشة، ابن العشرين، أثناء عمل شقيقه د. ثروت ملحقاً فى باريس، كانت فسحته اليومية ونزهته الشبابية هى واجباً يومياً فى كشكول لابد من تسليمه لكى يتمم عليه الشقيق الأكبر ويمنحه زيادة فى المصروف، ماذا كان يحمل هذا الكشكول من أسرار؟ إنها تفاصيل الرحلة اليومية التى يحج فيها أحمد عكاشة إلى اللوفر لتدوين تفاصيل الأعمال الفنية!! هل كانت لدى د. أحمد عكاشة فرصة ليكون غير هذا الشخص الذى نراه محللاً للشخصية المصرية، قارئاً لثقافتها، سابراً أغوار جذورها التاريخية والسلوكية، والذى دائما يراهن على جينومها المتفرد ونواتها الصلبة؟! اختتمت الندوة بالمستقبل، انتقلت من الماضى الفرعونى العظيم إلى جيل شباب الأطباء النفسيين المبشر، إنه تقليد سنوى وضعه د. عكاشة، وهو تقديم جائزة لهؤلاء الشباب على بحوث متميزة، وقد أدهشنى البحثان الفائزان بالجائزة، الأول عن التأثير النفسى على المتبرع بجزء من كبده، والثانى عن الخلفية النفسية لمن يصرون على إجراء جراحات تجميل الأنف!! بحوث مبتكرة تطرق أبواباً جديدة وبكراً، وهكذا على ضفاف شاطئ د. أحمد عكاشة استمتعت بيوم مختلف، أبحرت فيه إلى الماضى الجميل وحلمت بالمستقبل الأجمل.
نقلا عن المصرى اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع