بقلم : على سالم | الأحد ٧ يونيو ٢٠١٥ -
٠٧:
٠١ م +02:00 EET
على سالم
من الأفكار الشائعة التي تمتلئ بها أسواق الكتابة والقراءة والحديث في برامج الفضائيات، أن الإرهاب لا يُحارب بواسطة الأمن فقط، بل على ساحة الأفكار. فالإرهاب فكرة أو حزمة أفكار، والفكرة تواجه بفكرة أخرى. هذه هي السلعة الرائجة في أسواق التفكير. لكني أصارحك بأنني لست مستريحا لها، وأشك كثيرا في صحتها. ولما كنت أعاني هذه الأيام من نوبة طفولة تزحف على عقلي، لذلك فأنا قادر فقط على فهم الأفكار عندما تقدم لي في وضوح تماما كما نقدمها للأطفال في كتاب المطالعة الرشيدة. ولحسن حظي قابلت بالصدفة إرهابيا يركب دراجة نارية ويحمل مدفعا رشاشا. بسبب ضجيج الشارع لم أستمع لصوت دراجته وهو يقترب مني. تنبهت لوجوده عندما توقف بجانبي. سألته: ما هذا الذي تحمله يا خليل..؟
- «هذا مدفع رشاش يا سمير.. وأنا أريد أن أقتلك.. سأطلقه عليك فتخر على الأرض صريعا».
شعرت بالفرحة.. لقد ساقت لي الصدفة إرهابيا أعرف منه الإجابة عن عدد من الأسئلة التي تتعلق بعلاقة الإرهاب بالتفكير والأفكار. سألته: هل تريد أن تقتلني يا خليل، أم أنك تفكر في قتلي.. أريد أن أعرف الدافع الذي يدفعك لارتكاب هذه الجريمة، هل هو الرغبة في قتلي؟ عند ذلك ستتفضل يا عزيزي خليل بشرح العوامل التي أدت لتكوين هذه الرغبة.. أما إذا كنت ستقتلني لأنك فكرت في ذلك، فهذا معناه أن الإرهاب فكرة، عندها سأرد عليك بفكرة أخرى. وإن كان وجود هذا المدفع معك سيمنعني من التفكير السليم.. لذلك فأنا أقترح عليك يا خليل أن تتخلى عنه لدقائق لتتيح للأفكار أن تتدفق بيننا.
قال خليل: «لماذا تزيد الأمر صعوبة.. أفكار إيه وبتاع إيه؟.. أنا أفكر في قتلك لأنني أريد ذلك.. هل فهمت يا سمير..؟».
- نعم نعم.. أشكرك يا خليل.. الآن فقط اقتنعت بأن الأساس في العملية كلها هو رغبة سيادتك في قتلي.. وأن الدافع الواضح لذلك هو أنك تريد ذلك. وبذلك تكتسب حكاية مواجهتكم بالأفكار بعدًا جديدًا ومهمًا، هو أن ننشغل نحن بالتفكير يا خليل في العوامل والأسباب التي تختمر داخل نفوسكم وعقولكم لتنتج في نهاية الأمر تلك الرغبة القوية في القتل.. أي أن كرة التفكير يا خليل في ملعبنا نحن.. علينا أن نفكر ليس في استخدام الأفكار في مواجهتكم.. بل في فهمكم، للتعرف على المصادر التي كوّنت عندكم تلك الرغبة في القتل. علينا أن نعرف طبيعة الميكروبات والفيروسات التي تسللت إلى أجهزتكم النفسية وتمكنت من القضاء على غرائز الحياة بداخلها، ثم تفرغت لتغذية وتسمين كل غرائز الموت عندكم، إلى أن تمكنت من تحويلكم جميعا إلى قتلة. أنا آسف يا خليل.. لقد عطلتك عن أداء مهمتك.. ومع ذلك اسمح لي بأن أعرض عليك اقتراحا.. أن تنشغلوا أنتم بنسف أنفسكم في تجمعات الناس.. وإطلاق النار على البشر.. وأن نتفرغ نحن للتفكير.. ما رأيك يا خليل؟
لم يرد خليل.. كان آخر ما سمعته من حواري معه هو صوت المدفع الرشاش.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع