الأقباط متحدون - آَفَاقُ العَمَلِ المَسْكُونِىِّ
أخر تحديث ١٣:٢٧ | الأحد ٧ يونيو ٢٠١٥ | ٣٠بشنس ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٨٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

آَفَاقُ العَمَلِ المَسْكُونِىِّ

أرشيفية
أرشيفية
(في يوم المحبة الأخوية بين الكنيستين القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية)

القمص أثناسيوس فهمى جورج
علم اللاهوت علم رِعائي حياتي مُعاش، ينقلنا من نظريات وذهنية الدفاع إلى ذهنية محبة الوحدة والشركة والاتحاد بالثالوث القدوس فرح حياتنا. ذلك الثالوث الذﻱ هو مُبتغانا ومنتهانا، وبه نحيا ونتنفس أكسجين الحياة الحقة فى كل ملئها، لنعيش فى جدة الحياة وتعقلها، متحاشين التشنُّج والتشدد البعيد عن أصالة فكر الآباء. تلك الحالة التي تتزايد معها السِّجالات الفلسفية، التي لا تتوقف عند الدفاع؛ لكنها تتخطى ذلك للهجوم ولفتح هجوم مضاد، إلى مزيد من جولات الهجوم.
 
الأصالة السرائرية والليتورجية والعقيدية راسخة فى كنيستنا؛ ولا مساومة ولا مجاملة فيها؛ وليس معنى أن نتجه للوحدة المسكونية؛ أنْ نميِّع أو نطوِّع أو نفرِّط فى تقليدنا والتُّخْم القديم، بل علينا أن نجدده ونقدمه ونشرحه ونعيشه نقيًا صافيًا؛ لأن الحواجز التي بين الكنائس لن تزول إلا بمصالحة وفهم خبرة الروح الوديع الهادئ، لا المتشنج والصاخب. روح وديع وهادئ كالنسيم؛ لكنه نارﻱ فى ذات الوقت. روح حرية تهُبّ حيث تشاء، ليربّي عندنا حرية قبول الآخر، وينمّي عندنا المسكونية الواعية؛ وحتمية الوحدة مع الكنائس الرسولية عامة على صعيد عاجل وقريب.
 
الوحدة الكنسية مع الكنائس الرسولية التقليدية، احتياج سريع وحتمي؛ لا كعلاقات عامة ومآدب وبيانات مشتركة، لأن ما صدر منها يكفي ويزيد!! لقد قال أرشميدس -(أعطوني نقطة ثابتة خارج الكرة الأرضية؛ وأنا أحرك الأرض كلها)- والكنيسة هى النقطة الثابتة خارج الكرة الأرضية. فهي التي تستطيع أن تحرك الكرة الأرضية المريضة؛ لأنها ليست من العالم ولا تندمج فيه؛ لكنها تنقله وعندها الدواء الفعال بوحدتها لتعالجه بحدس Intuition  الإلهام

 Inspirationالذﻱ يجعل العالم يراها (الأيقونة الشاملة الكاملة للشفاء الخلاصي) الذﻱ تقدمه برصيد سلاح محبتها، وتسخير مسيرتها نحو المصالحة والوحدة إلى أبعد من الميل الثاني؛ لأن الوحدة هى أقوى سَنَد رسولي على ألوهية المسيح الواحد وأعماله (مكتوبة ومُعاشة)، وربما ضعف الكرازة بصفة عامة سببه الانقسامات والاقتناص وما حولهما.
 
نحن مع الأصالة؛ لكن ضد التشدد المؤدﻱ إلى التهجم. فالتراخي والتشدد مرفوضان. لا للتهويل أو التهوين، لا للإفراط والتفريط، لا للذوبان أو الاندثار. لا غلو ولا انفلات، لا انعزالية ولا هَرْوَلَة، لا تقوقُع وانكفاء على الذات؛ لكن أيضًا لا ضياع للهوية العقيدية؛ بحفظ الأمانة المستقيمة. 
 
إن العالم الآن تتصاعد فيه أمراض التشنج المتطرفة للإمساك بطرف واحد، حتى وصلت العدوَى وصار الأمر عندنا إلى حالة من (التأفُّف المسكوني)؛ فأخذ التباعد وواقع الرفض يتسعان فى الأذهان، ليعكسان قناعاتهما على مسافة من المنطلقات الإيمانية السليمة. وكأن الوحدة صارت فَذْلَكَة غير ضرورية أو كمالية ديكورية ورفاهية لا لزوم لها. كيف؟! هذا الحَدْس ناقص بل كئيب؛ لأن بناء الأسوار والحواجز يحُدّ الأبصار؛ بينما الوحدة هى رغبة وشهوة قلب المسيح، حتى نملأ الأجران بالخمر الجيدة التي تجعل من حياة الكنيسة ملء كنيسة الحياة؛ حيث استيعاب الإيمان القادر على استنباط أجوبة واحتياجات عصرية تواجهنا. مسيح واحد وإنجيل واحد وملكوته واحد .
 
انفتاحنا الأصيل المتجدد يجعلنا لا نخشَى الآخر، ولا لقاءه وجهًا لوجه، كي نقول كلمتنا وشهادتنا بمحبة وبلا تردد ولا مساومة، فكل وردة تزداد أوراقها انفتاحًا ويزداد أرِيحها؛ ما دام جزعها منغرسًا فى الأرض، وله جذوره وأساساته؛ ويتغذى من العُصارة الآبائية الليتورجية السرائرية؛ المؤسسة على التفسير الصحيح للكتاب المقدس والتسليم الرسولي؛ لأن شهادتنا الإيمانية لا تمرّ عبر التشدد والتشنج، بل عبر التأصيل والرجوع إلى فكر ونهج سيرة واقتداء حياة الآباء.
 
هناك أسباب بشرية وأخرى سياسية وإدارية متعددة؛ يصعب حصرها وتحليلها فى سبب الانشقاق الذﻱ حدث قديمًا بين الكنائس، وهى تنطوﻱ بالأكثر على الفهم المختلف للصِيَغ والتعبيرات والمصطلحات اللاهوتية، والتي كان يعتبر كل جانب منها؛ أن مصطلحاته هى الأساس لعقيدته، وهي الحد الذﻱ لا يمكن التزحزح عنه.
 
وهناك أيضًا إشكاليات ذات صبغة كنسية متصلة بالتفاهمات والإجراءات الإدارية البشرية، التي يمكن أن تهتم بسرعة الحسم؛ لبلوغ الوحدة بإخلاص ومصارحة للاتفاق العقائدﻱ، مع ضرورة رفع الحرومات والحفاظ على السمة الخاصة لكل كنيسة، ومشروعية تنوع وتعدد التعبيرات الليتورجية واللغوية، داخل الوحدة العقائدية، مع تخطي العقبات المحتملة بروح الصلاة؛ لتهيئة الكنائس لاهوتيًا وسيكولوجيًا، لقبول إجراءات خطوات الوحدة الحاسمة، ولياقتها الرعوية وترتيباتها الزمنية، بخبرة الاتضاع عند طرف لتقابلها محبة الطرف الآخر، من أجل تذليل أﻱ عقبة صعبة؛ ما دامت ليست عقيدية.
 
إن الوحدة هبة النعمة التي ترتبط بصدق الرغبة فى الفهم والمعرفة نحو اتفاق تُلاقي مواضع التلاقي، لا لإثبات مواقف تاريخية؛ ولكن بالتطلع نحو الوحدة التي لا تعني أيضًا أن نصمت عن الفروق، فالصمت عن الفروق كالصمت عن المرض؛ يمنع التشخيص ووصف الدواء. فليكن علم اللاهوت من أجل تدبير الوحدة المسكونية؛ ومن أجل التعاون الرعوﻱ لكرازة عملية كي "يكونوا واحدًا؛ مثلما أنت وأنا واحد" (يو ١٧ : ٢٢).
 
والمجد لله على كل شيء.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter