بقلم منير بشاى
قوانين مكافحة ازدراء الاديان اصبحت ظاهرة منتشرة فى العالم. ولكن عندما حاولت السلطات تطبيقها فى مصر، فكما يحدث دائما، انحرفت الفكرة عن مغزاه وتحول القانون الى مجرد صورة بغير مضمون. والصورة ما لبثت ان انقلبت الى كابوس اصبحت الحياة معه جحيما لا يطاق. واستمر مسلسل ازدراء الاديان، ومعه ظهرت آفة ازدراء الانسان.
فكرة قانون ازدراء الاديان فى مصر جاءت اصلا كأداة لحماية المسيحيين من الاساءة لمقدساتهم وبالتالى حمايتهم من ارهاب الجماعات المتطرفة. ولكن سرعان ما تحول هذا القانون من مكافحة ازدراء الاديان الى مكافحة ازدراء الاسلام، واصبح القانون سيفا مسلطا على رقاب المسيحيين من نفس الفئة التى قصد القانون حمايتهم منها.
يقول القانون "يعاقب بالسجن وغرامة لا تقل عن خمسين الف جنيه او احدهما كل من تعدى او حط او ازدرى او سخر من الذات الالهية او احد الاديان السماوية او رسولها وانبيائها او زوجاتهم او الههم او صحابتهم، كما يعاقب بنفس العقوبة كل من حبّذ او روّج لذلك بأى وسيلة من الوسائل، مقروءة او مسموعة او مرئية او عبر التوابع الصناعية او شبكة المعلومات الدولية، وايا كانت الطريقة المستخدمة فى ذلك سواء بالكتابة او الرسم التعبيرى او الكاريكاتورى او الرمزى او التصوير او الغناء او التمثيل او غيرها وبأى لغة من اللغات".
وهى نفس المادة التى طبقت على كل من استخدموا الفيسبوك وشبكة الانترنت بدعوى انهم اساءوا للاسلام. وقيل ان نص هذا القانون لفت انتباه الحكومات الامريكية والاوروبية الذين حذّروا من خطورة القانون اعتقادا منهم انه يمكن ان يستخدم للنيل من الاقباط، وهو ما حدث فعلا.
من مشكلات هذا القانون انه يضفى على اشخاص عاديين صفة القداسة فالقانون يحظّر نقد اشخاص من غير الانبياء كالصحابة وزوجات الانبياء. هذا بالاضافة الى ان القانون يستعمل كلمات فضفاضة مثل "تعدى او حط او ازدرى او سخر" وهى تتوقف فى تطبيقها على تقدير من يستعملها ويمكن ان تطال من يستعملها بحسن نية فى مجالات النقد العلمى ومقارنة الاديان.
ومع دعاوى ازدراء الدين جاءت ظاهرة جلسات صلح المصاطب العرفية التى تتم فى وجود السلطات الامنية وبمباركتهم. وهى تفرض عقوبات احيانا تكون جماعية من الطرف المسلم المتشدد ضد الطرف المسيحى الضعيف نتيجة اتهامات كاذبة او مبالغ فيها. ومن هذه فرض الغرامات الباهظة التى اصبحت مثل الاتاوات لا يعرف أحد لمن ستذهب او فى أى هدف ستستعمل. والى جانب ذلك تم تطبيق عقوبات التهجير القسرى لعائلات بأكملها. وقد حدث هذا لعشرات الاسر ولم يتحرك احد.
استمر هذا المسلسل الى ان تفجرت القنبلة بتهجير خمسة اسر دفعة واحدة من عائلة واحدة فى قرية كفر درويش فى دعوى هزيلة منسوبة الى شاب بأنه نشر على الفيسبوك صورة مسيئة للرسول. والمعروف ان الشاب لا يعرف القراءة والكتابة ولا يعرف كيف يستخدم الفيسبوك ولابد ان العمل كيدى مدسوس من آخرين. وهنا ثار الجميع ومعه اضطرت الدولة الى ارجاع المهجّرين الى بيوتهم. وليس معروفا مدى قدرة المسئولين على فرض هيبة الدولة وتوفير الحماية للعائدين.
وقد رأينا قضايا ازدراء الدين تصب غالبا فى اتجاه واحد هو ادانة الاقباط ووصلت الى درجة من التربص والتعنت والتشفى بحيث اصبحت مهزلة. وفيما يلى بعض الأمثلة.
نيفين نادى جاد مدرسة قبطية بأسيوط تحاكم بازدراء الاسلام لأنها نطقت اسم رسول الاسلام دون ان تضيف له عبارة "صلى الله عليه وسلم". دميانة مدرسة الاقصر البريئة يحكم عليها بالسجن 6 شهور وبغرامة قدرها 100 الف جنيه بدلا من الغرامة المعتادة وقدرها الف جنيه. كيرلس يحكم عليه بالسجن المشدد لمدة 6 سنوات لمجرد انه ضغط على زرار (لايك) فى الفيسبوك لمقال ينتقد الاسلام. مايكل منير ارسل لأصدقائه فى الفيسبوك تسجيلا لحلقة تلفزيونية لمناظرة فى الدين الاسلامى سبق بثها فيحكم عليه بالسجن سنة بتهمة ترويج فكر متطرف. الطفلين نبيل (10 سنوات) ومينا (9 سنوات) يقبض عليهما بتهمة ازدراء القرآن ويودعان السجن ويحقق معهما مع انهما طفلين قرويين لايجيدا القراءة والكتابة. سبعة من اقباط المهجر من ضمنهم احد الآباء الكهنة يحكم عليهم بالاعدام بتهمة انتاج فيلم يسىء للرسول مع انهم لا صلة لهم بالفيلم المزعوم ومع ان العقوبة المعتادة السجن 3 سنوات.
ومن الذين طالهم هذا القانون الكتاب والمفكرين. من هؤلاء الكاتبة فاطمة ناعوت لكتابتها مقالا طالبت فيه بالرحمة بالحيوان عند ذبح أضحية العيد. ومنهم الاعلامى اسلام البحيرى الذى اتهم بالهجوم على علماء الاسلام والتشكيك فى صحيح البخارى وصحيح مسلم وكتب السنة النبوية.
ومن الفنانين الذين اصطدموا بقانون ازدراء الاسلام الكوميدى عادل امام لتقديمه اعمالا فنية قيل انها تسىء للدين الاسلامى وتستهزىء من مرتدى الجلباب والحجاب والنقاب. وايضا الرسام الكاريكاتيرى مصطفى حسين الذى نشر رسما فى صحيفة اخبار اليوم يسخر من السلفيين وكتب فكرة الرسم الكاتب احمد رجب.
يبدو ان مكافحة ازدراء الاديان أمر يستحيل تطبيقه فى مصر. فى صميم المشكلة حقيقة بديهية اننا كمصريين نختلف فى نظرة كل منا لدين الآخر. ومع اننا نعرف هذه الخلافات فمع ذلك نحس بالاهانة كلما سمعناها تذكر امامنا، وكأننا نفاجأ بها، ثم نتناحر بدلا من ان نتحاور، لأننا لا نجيد ثقافة الخلاف. فهل مجرد التصريح بالخلافات التى نعرفها جميعا يقع تحت بند الازدراء بدين الآخر وبالتالى الغرامة والسجن وربما التهجير القسرى وقد يصل الأمر الى التصفية الجسدية؟
اذا كان قانون ازدراء الاديان قد وضع أساسا لحماية المسيحيين وعقيدتهم من الازدراء، ولكن بعد ان تسبب القانون فى المزيد من الازدراء، فالافضل له ان يلغى. الله لم يعين انسانا ليكون وكيلا له على الارض، كل ما يريده الله من الانسان ان يتوقف عن ازدراء وايذاء اخيه الانسان. أما الدين فلا يحتاج لحماية من إنسان، للدين رب يحميه.
Mounir.bishay@sbcglobal.net