تظاهر بضع عشرات من متضررى الأحوال الشخصية من الأقباط، بباحة الكاتدرائية المرقسية بالعباسية فى توقيت عظة البابا الأسبوعية مساء الأربعاء الماضى، بشكل أزعج قداسة البابا، الذى بادر بإلغاء العظة، مما أثار ردود فعل متباينة، خاصة أن القنوات المسيحية كانت تنقل الصلاة على شاشاتها فى بث مباشر.
وبشكل غير مفهوم، استدرج نفر من شباب المتظاهرين ليجدوا أنفسهم فى قبضة الأمن، الذى تلقى مذكرة رسمية من سكرتارية الكاتدرائية بالتدخل، وأحيلوا إلى النيابة التى أفرجت عنهم بكفالة مالية. والأمر بجملته يحتاج لقراءة موضوعية بعيداً عن التناول الحاد والغاضب والمنحاز لطرف من الأطراف، لنجد بدايةً أن رد فعل البابا جاء ليؤكد أنه لا ينحو باتجاه المصادمة، وقد تشكل وجدانه على الالتزام باحترام الكنيسة وجلالها، بما لا يتفق وخيار التظاهر، ومقاطعة الصلاة. وأن المتظاهرين، اختاروا المكان الخطأ، فبحسب التغطيات الصحفية كانت مطالبهم أن تعتمد الكنيسة الزواج المدنى، وهو أمر يخرج عن صلاحيات الكنيسة، دستورياً ومسيحياً، أما دستورياً فلأن الزواج «المدنى» شأن يخص الدولة تقرره أو ترفضه لكل مواطنيها، وأما مسيحياً فلأن الزواج الكنسى ليس مجرد عقد يقوم باتفاق طرفيه، إنما تحكمه قواعد ملتزمة بإيمان الكنيسة التى تعتبره أحد «ترتيباتها الأساسية» ويتم بالصلاة التى تستدعى الروح القدس ليتمه ويشرعنه، ويؤسسه، ومن ثم لا تملك مباركة أى زواج خارج قواعدها الإيمانية.
وعليه فعلى من يطالب به أن يخاطب الدولة باعتباره مواطناً مصرياً لا دخل للدين، ومن ثمة للكنيسة، فى طلبه، ويدرك أن هذا الزواج لا يخاطب الكنيسة ولا يلزمها بقبوله أو رفضه فى السياق المدنى. على أن هذه المظاهرة وفى هذا التوقيت تطرح عدة أسئلة، لعل أولها لماذا التباطؤ فى إصدار لائحة الأحوال الشخصية للأقباط حتى الآن، ومن المسئول عن هذا.. هل انتهت الكنائس من تعديلاتها على مشروع اللائحة وأعادته إلى وزارة العدالة الانتقالية فتعطل هناك أم ما زال فى أروقة الكنائس؟
هل كانت المظاهرة عفوية تعبر عن حالة أزمة متضررى قضايا الأحوال الشخصية، أم هى جزء من سعى البعض لإحراج قداسة البابا وهم يدركون أنه يتجنب المصادمة والعنف فى المواجهة؟
هل لهم دور عبر أعوانهم فى استدراج بعضهم وتسليمهم للأمن لإظهار البابا وكأنه ضد أولاده؟
هل كانت المظاهرة هى الجملة الأخيرة فى محاولات عرض مشاكلهم على البابا وحال دونهم سكرتارية البابا؟
هل تكشف الواقعة عن حاجة الكنيسة لمراجعة قنوات التواصل بين الناس والمقر البابوى بشكل جدى وعلى أسس تنظيمية صحيحة، تأسيساً على أن العلاقة بين البابا وأولاده هى علاقة أبوة، وقداسة البابا تواضروس يملك القدرة على التواصل واحتواء الأزمات، وتفويت الفرصة على المتربصين بخطواته الإصلاحية التى يسعى من خلالها لنقل الإدارة ومن ثم الكنيسة من الفرد إلى المؤسسة وفق ترتيبها الآبائى الصحيح؟
فى هذا الإطار تصبح الدوائر المعاونة للبابا البطريرك بحاجة إلى إعادة ضبط وتنظيم لتتسق مع طبيعة ومسئوليات ومستجدات المرحلة، فلم تعد سكرتارية البابا شخصاً أو أشخاصاً يرتبون المواعيد والمقابلات، أو يقدمون تقارير عن أحوال الكنيسة، وما طرأ فى ساحتها من مشاكل، أو غير ذلك من اهتمامات، وحتى لا يتحولوا إلى مراكز قوى تحول دون التواصل الطبيعى مع رعيته وأولاده، وحتى لا تصبح جزءاً من أزمة إدارة الأزمات. خاصة بعد أن أصبحت السكرتارية واحدة من العلوم الإدارية المتطورة، وتحولت إلى مراكز معلومات تمد المسئول بكل ما يحتاجه من بيانات ومعلومات وتقارير موثقة فى الدوائر التى تقع فى نطاق مسئولياته، ليأتى قراره فيها موضوعياً بعيداً عن الانطباعية وردود الفعل المترتبة على المفاجأة.
نقلا عن الوطن