الأقباط متحدون - حرم عبدالله كمال
أخر تحديث ١٢:٥٠ | الأحد ١٤ يونيو ٢٠١٥ | ٧بؤونه ١٧٣١ ش | العدد ٣٥٩١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

حرم عبدالله كمال


 ماذا يكتب الإنسان عن جزءٍ منه بل عن كل.. لست مُجرد زوجة مُحبة وأم لابنتيه الصغيرتين اللتين مازالتا تحاولان فهم ما جرى.  أنا أولاً وأخيراً عاشقة مُتيمة بعبد الله كمال، احتفظت بمشاعر العشق بيننا لآخر لحظة.. كنا عاشقان لحياتنا معًا بفرحها واختباراتها، بصعودها وكبواتها ولآخر لحظة.. وكانت اللحظة الأخيرة لا تقل عن سابقاتها سرعةً وشجناً وغرابةً وهدوءاً.

 
كان حبيبي عائداً من سفرٍ استمر عشرة أيام ووصَل المنزل فجراً، سلم علينا ونحن بين الصحو والنوم كأنّّه الحُلم.. احتضننا مطولاً ومودعًا وتركنا نُكمل نومنا استعدادًا للغد، حيث كان موعد بروفة حفل الباليه النهائي لابنتينا.
 
وبالفعل.. كان صباح اليوم التالي صباحاً ثقيلاً غريباً، حاول البنات إيقاظه لكنه كان نائماً بعمق على غير العادة، وانطلقنا وبعد ساعة تقريبًا، أي حوالي الحادية عشرة من ظهر الجمعة، اتصل بي حبيبي.
 
ريهام: صحيت حبيبي ؟!
عبدالله: آه الحمد لله هتخلصوا أمتى؟!
ريهام: بعد نص ساعة إن شاء الله.. هتغدينا فين النهاردة !؟
عبدالله: زي ما تحبوا لكن مال صوتك ؟!
ريهام: تعبانة جدا 
عبدالله: ليه مالك فيكي إيه ؟ 
ريهام: حاسة أن روحي هتطلع عندي هبوط شديد وقلبي واجعني. 
عبد الله: خلاص تعالي البيت ارتاحي وبعدين نخرج 
ريهام: أوك نص ساعة ونخلص.
وبعد نصف ساعة. اتصل حبيبي ولم أكن أعلم أنها آخر مرة أسمع فيها صوته.. فلو علمت ما أغلقت الهاتف أبدًا، وكانت مكالمته كالتالي: 
عبدالله: وصلتوا فين ؟ 
ريهام: خمس دقائق ونبقى عندك.. هتنزل ولا تستنانا؟!
عبدالله: هستناكوا 
ريهام: بجد ! 
عبدالله: مش هنزل إلا لما تيجوا. يالله أوام 
 
وصلنا وعند مدخل العمارة شممنا رائحة عطره المُفضل بكثافة، فظننا أنه ذهب للكتابة ولم ينتظرنا، ولكن عندما صعدنا للشقة وجدناه ينتظرنا على كرسي قرب الباب.. واضعا قربه موبايلاته وحقيبته وأدوات كتابته.. كان نائماً في وضع الجلوس وحرصنا على عدم إيقاظه لينال قسطا من الراحة.. ريثما تُغير البنات ثياب الباليه، ولكن حدث أن أقلقني عدم انتباهه لقدومنا مع أن نومه خفيف جدا.. فاقتربت منه لأتفقده وناديت عليه بصوت مُنخفض لم يرد رفعت صوتي وناديت ولم يرد، خفت وناديت ولم يرد، وصرخت.. بناتي: بابا بابا.. و لم يرد ليثبت في ذاكرتنا مشهدا لن ننساه ما حيينا.
 
صدق حبيبي فقد انتظرنا كما وعدنا وكان يضع أمامه هداياه الأخيرة صافا إياها بالترتيب كعادته.. فحبيبي يعشق الترتيب والنظام والأصول. وفي لحظة خيم الحزن والألم على منزل كانت تملؤه السعادة والبهجة، وكان لا يخلو من الأحباب والأصحاب.. ليكتسي المنزل وأصحابه وضيوفه بسوادٍ قاتم حزين، فتتحول الضحكات والاحتفالات إلى مأتم يغتال الروح و ينهش الوجدان.
 
عرفت حبيبي منذ عام ٢٠٠٢ معرفة غريبة جدا. وعرفته زوجة منذ ٢٠٠٦، أي منذ ثمان سنوات تقريبا .. وبين المعرفة والزواج حدث الكثير والجميل بل الأرقى والأقيم. عندما كتبت يوما على صفحة الفيس بوك الخاصة بي قبل وفاته بأشهر أني فهمته فاحترمته فأحببته، وقررت مكافأته بأن تزوجته.. يومها ضحك أصدقائي وأقربائي بل ضحك هو أيضاً وقال: بتمدحي نفسك يا حلوة.. ماشي يا مكافأتي!
 
أما ما قصدته أنا بمكافأته فإنه التالي: 
 
كنت حالمة أبحث عن الكمال أو عن أقرب الصور له، وتجسد لي ذاك الكمال إن وجدت عبد الله كمال أو وجدني هو.. لا أدري كيف اجتمعنا، ولم يسع أحدٌ منا إلى الآخر.. جمعنا الله وكان زواجنا مكافأتنا معًا، وجائزة لكلينا.
 
وكانت مكافأتي له بأني كنت أطيعه أكثر مما أطعت والديّ.. وكنت أكثر صبرًا عليه من صبري على بناتي.. وكنت أصدق معه من صدقي مع نفسي.. هذه هي المكافأة التي قصدت هكذا كافأته.. أحببته أكثر من أي شيء في الكون. 
 
كان زواجنا حُلما رائعا لكلينا.. لهذا أستغرب كيف للحياة أن تكتمل على هذا النحو ؟ كنت أتنفس من رئتيه، وكان قلبه ينبض في صدري أنا.. إذًا كيف رحل كيف؟ فأنا مازلت على قيد الحياة كيف رحل وحده ؟!
 
كان حبيبي يهوى مفاجأتي بمواعيد سفره ورجوعه، فيخبرني قبلها بوقت وجيز جدا بالكاد يسمح لي بتجهيز حقيبة سفره مودعة أو بتحضير المنزل، وأطيب الطعام مستقبلة إياه.. وها هو يفاجئني للمرة الأخيرة، وأنا أصرخ فيه للمرة الأخيرة معترضة على مفاجأته.. يا عبد الله قوم قوم.. ما اعرفش أعمل حاجة من غيرك.. ما اعرفش أعيش من غيرك قوم.... ولكنه لم يقم.
 
خمس دقائق فقط كانت بيني وبينه لم أتمكن من إمساك يده وروحه تفارقه، مع إني منذ أن تزوجنا لم أترك يده لحظة في السراء وقبلها الضراء حتى الصعاب كانت معه متعة.. التحدي والإصرار والثبات وتحمل ما لا يُحتمل.
 
وبمناسبة المنغصات التي تعرض لها أتذكر أيام يناير في أولها، وكيف تحوَّلت غرفة معيشة منزلنا إلى غرفة عمليات.. جميع المحطات الإخبارية والمذيعين يتحدثون إليه.. يسألونه ويستعلمون منه، ويطلبون منه الشرح والإفادة والتحليل وبعضهم كان يتجاوز، مُطلقا عليه سهام من غضب وغل وانحطاط، ظانا أنه بذلك ينال من الدولة المصرية بذاتها.. نعم أنا لا أبالغ عندما أقول إن عبدالله كمال رمزا أصيلا للدولة المصرية هو رجل دولة .. مخلص أمين أحب مصر وخدمها لآخر نفس فيه.
 
قلبه الأبيض لم يعرف سوى التسامح والحب والغفران.. وهنا أكاد أراني في نفس الأيام بل السنوات العصيبة، أتأبط ذراعه في الأماكن العامة رافعة رأسي متحفزة مُخرجة أنيابي وأظافري استعدادا لمتجاوزي الثوار والإخوان.. وأراه يلتفت إليّ فجأة مستغربا وأحيانا ضاحكاً: " ماذا تفعلين لماذا تتصرفين بهذا العنف؟! وأرد عليه وأنا مازلت على حالتي من التحفز وربما الاستعداد للانقضاض على المتفرسين به وبأسرته: "سيبني يا عبد الله أنا عاوزة حد فيهم ييجي تحت إيدي. نسيت الإنبوكس عندك وعندي فيه افترا وتجاوز وتهديدات أد إيه ؟
 
هو مين اللي بيصحينا كل يوم الصبح على بلاغات كيدية ؟ هو مين اللي بينشر عنوان منزلنا في الصحف للنيل منك ومن أسرتك؟ ومن الذي يتهمنا في ذمتنا المالية وأنت أشرف من رأت عيني.. وكان يجيب: لا عليكِ ربنا كبير .. كان حبيبي صبورًا كتومًا وأما عن صبره فتُؤلف الكتب.
 
لم أخجل يوما من التصريح بحبه وعشقه والذوبان فيه.. كانت عيناي تفيضان بالدمع عند الحديث عنه.. لا أترك أحدًا من معارفي إلا وهو عاشق له مثلي.. أتحدث وأتحدث وأتحدث.. عن جميل خصاله ومحاسنه وعن عشقي له.. حتى إن صديقاتي كان بعضهن ينعتني بمسحورة عبد الله كمال والبعض الآخر يقلن توقفي عن امتداحه بهذه الصورة والحديث عنه بهذا الولع فنحن قد أحببناه ألا تخشين عليه ؟! و كان ردي دائماً: وماذا إن أحببتموه ؟ إن إنسانًا مثله جديرٌ بكل حب، وهو أهل للعشق والافتتان والولع والانتظار والحُلم.. ولكن لا تقربونه فهو شجرة الجنة المُحرمة.. أنا فقط من تقترب.. فوحدي أنا وبلا منازع وبكل فخر.. وإلى الأبد.. حرم عبد الله كمال.
نقلا عن دوت مصر

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع