منذ عام على وجه التقريب كان الإعلان عن تسلطن تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش) على أرض الموصل. لم يكن يتخيل أحد أن يتمكن التنظيم من الاحتفاظ بثانى أكبر مدينة عراقية، لكنه استطاع، بل زاد عليها وتمدد إلى الأنبار، ومدن وقرى عراقية أخرى، وهو الآن يسيطر على ما يقرب من 40% من مساحة العراق. الأمر نفسه ينطبق على سوريا، حيث تتزايد كل يوم مساحة الأرض التى يسيطر عليها «الدواعش». وينطبق على ليبيا، بعد أن وصل الزحف «الداعشى» إلى مدينة «سرت»، وبدأ التمدد منها إلى ما حولها، ورغم اختلاف المشهد فى مصر، إلا أن مؤشرات عديدة أصبحت تؤكد وجود عناصر لهذا التنظيم فى سيناء، وأخيراً فى الصعيد.
هذا التمدد الداعشى يشهد على أن التنظيم يعتمد على خطة مُحكمة سواء فى إدارة المناطق التى استولى عليها، أو مواجهة القوات التى تتصدى له، وتحاول إزاحته عن الأرض التى احتلها. فى إطار العديد من التقارير الإعلامية التى تناولت الظروف المعيشية لمن يقطنون المناطق التى سيطر عليها «داعش» توجد عدة إشارات إلى أنهم يعانون من عمليات قهر منظم من جانب عناصر التنظيم، فبعضهم يتعرض للجلد والرجم عند ارتكاب مخالفات يعتبرها «الدواعش» محرمة، وبعضهم تقاعد فى بيته بعد أن قرر التنظيم تحريم العمل فى مهن معينة، وغير ذلك من أمور، لكن هذه التقارير تقول فى المقابل إن خدمات البنية الأساسية ما زالت تعمل على يد التنظيم، من مياه وكهرباء وإنترنت، بالإضافة إلى توفير الاحتياجات الغذائية، وتقديم مساعدات مالية للسكان فى بعض الروايات. والشاهد فى هذا الأمر أن التنظيم نجح نسبياً فى التعامل مع واحد من أهم الاستحقاقات التى تشكل تحدياً وجودياً بالنسبة له، والمتمثل فى استحقاق توفير حد أدنى من الظروف المعيشية التى تساعد على الحياة، بصورة تدفع المواطن الذى يخضع لسلطة «داعش» إلى عدم الإحساس بفارق بين أداء الحكام الجدد والحكام التقليديين القدامى، أما القهر فيكاد يكون عاملاً مشتركاً ما بين النوعين من الحكام!.
استطاع التنظيم أيضاً أن يجر القوات التى تواجهه إلى الملعب الذى يجيد القتال فيه. وهو ملعب «حرب العصابات» و«فرق الاغتيال» و«المجموعات الانتحارية». فتجربة العام الماضى تؤكد أن التنظيم استولى على أغلب الأراضى التى سيطر عليها بعد انسحاب القوات المنتمية إلى جيوش نظامية منها، حدث ذلك فى الموصل والأنبار، وكذلك فى سوريا. الأهم من ذلك أن القوات التى تواجه «داعش» حالياً فى العراق هى مجموعة من الميليشيات التى تتشابه مع التنظيم فى أسلوب العمل، لكن المواجهة لم تثبت بعد أنها قادرة على مجاراته. فميليشيات «الحشد الشعبى» فى العراق فرضت نفسها كبديل للقوات النظامية العراقية فى مواجهة «داعش». ومن المتوقع أيضاً أن تتفكك بقية قوات «جيش بشار» إلى مجموعة من الميليشيات لتواصل الحرب. وهذا الأمر له دلالته من زاوية أن النجاح فى توريط خصمك فى العمل بنفس طريقتك فى القتال تعنى قطع منتصف الطريق نحو هزيمته. ما زلت عند رأيى فى أن «داعش» وأشباهه إلى زوال، ولكن ليس فى المستقبل القريب، لأن الواقع متخم بالعديد من العوامل التى تساعد على نمو التنظيم وليس انقراضه!.
نقلا عن الوطن