والسؤال إذن:
أين تكمن الأزمة؟
كان رأيى فى بحث ألقيته فى أكتوبر 1977 فى ندوة عقدتها جامعة عين شمس تحت عنوان « ندوة أكتوبر» أن الأزمة تكمن فى رؤية إسرائيلية لمستقبل المنطقة. وقد تأسست هذه الرؤية على تيارت ثلاثة بدأت تشيع فى المنطقة:
■ تيار تتارى ينبذ الحضارة الحديثة، ومن ثم يشكك فى سلطان العقل وما يترتب عليه من تحقير العلم.
■ تيار لاثورى يحذف ثورة 23 يوليو بدعوى تدميرها لنفسية الشعب العربى ومن ثم يدعو إلى العودة إلى ما قبل هذه الثورة بدعوى أنها نوع من العبث.
■ تيار لا علمانى يشهر بالعلمانية على أنها مرادفة للإلحاد.
والسؤال إذن:
ما مغزى هذه التيارات الثلاثة؟
مغزى التيار التتارى تدعيم التخلف الحضارى للعالم العربى. ومغزى التيار اللاثورى عبثية أى محاولة لتغيير الواقع الاجتماعى. ومغزى التيار اللاعلمانى إسقاط دعوى منظمة التحرير الفلسطينية الخاصة بإنشاء دولة علمانية فى فلسطين كبديل عن دولة إسرائيل العنصرية.
وفى هذا الإطار تتحدد الرؤية الإسرائيلية لمعنى الأمن، إذ هو لن يكون إلا أمناً حضارياً، وهو فى هذه الحالة يكون مستنداً إلى تخلف العالم العربى وتقدم إسرائيل، وبناء عليه تكون إسرائيل هى المتحكمة فى العالم العربى أو بالأدق فى دول الخليج المالكة للبترول، ومن ثم تكون أمريكا هى الحاضنة لإسرائيل ودول البترول معاً وذلك بتزويد كل منهما بالأسلحة المتطورة على أن يكون التفوق العسكرى محكوماً بإسرائيل. والغاية من ذلك تكوين جبهة موحدة من إسرائيل ودول الخليج لإخراج الاتحاد السوفييتى من معادلة الشرق الأوسط وهو أمر من شأنه أن يلغى مؤتمر جنيف الذى يضم القوتين العظميين. وبعد ذلك يبقى الباب مفتوحاً أمام المفاوضات المباشرة بين إسرائيل وكل دولة عربية على حدة. ولا أدل على صحة هذه الرؤية الإسرائيلية من مقال نُشر لفولبرايت فى مجلة «الشرق الأوسط الدولية» (1975) جاء فيه أن ثمة خطة أمريكية جديدة تقوم على احتضان أمريكا لإسرائيل ودول البترول فى آن واحد. وقد قبلت إسرائيل هذه الخطة بشرط أن يكون لها الدور القيادى. وقد قبلت أمريكا هذا الشرط.
وليس لى من تعليق على ما قاله فولبرايت سوى إعادة نشر ما ورد فى جريدة روزاليوسف بتاريخ 31/ 7/ 2007 تحت عنوان: إسرائيل تؤيد صفقة الأسلحة الأمريكية المتطورة لدول الخليج.
ولا أدل كذلك على صحة هذه الرؤية من بزوغ الدعوة إلى الوحدة العربية أثناء حرب أكتوبر ثم تصدعها بمجرد انتهاء الحرب مع بداية محاولة لتقسيم لبنان إلى دولتين عنصريتين إحداهما إسلامية والأخرى مسيحية مع تصدير هذه المحاولة إلى دول عربية أخرى بحيث يتحد كل مطلق دينى فى مواجهة المطلقات الدينية الأخرى. أليس هذا التقسيم هو المعبر عن الوضع القائم فى الشرق الأوسط الآن؟
وإثر الانتهاء من إلقاء بحثى تسلمت دعوة من حزب التجمع للمشاركة فى حوار يدور بين أعضاء السكرتارية واللجنة السياسية للحزب من جهة وبين الدكتور وليم كوانت المساعد السابق لمستشار الأمن القومى الأمريكى من جهة أخرى. وأنا لم أكن عضواً بالحزب، ولهذا جاءتنى الدعوة باعتبارى رئيساً للجمعية الفلسفية الأفروآسيوية ومن مؤسسى مجلة «الطليعة».
والسؤال إذن:
ماذا دار من أفكار فى الحوار؟
وما الغاية المنشودة من حوار أحد طرفيه حزب تحكمه رؤية سياسية متأثرة بأيديولوجيا إحدى القوتين العظميين وهى الاتحاد السوفييتى والطرف الآخر تحكمه رؤية سياسية معبَرة عن أيديولوجيا مضادة وهى أيديولوجيا الولايات المتحدة الأمريكية؟
نقلا عن المصري اليوم