بقلم : علي سالم | الخميس ١٨ يونيو ٢٠١٥ -
٤٧:
٠٣ م +02:00 EET
أردوغان والنحس
«نشر هذا المقال فى جريدة الشرق الأوسط فى شهر نوفمبر 2013. وأنا أعيد نشره فى «المصرى اليوم» بعد أن أكدت الأيام كل ما جاء فيه من توقعات. لقد أخطا السيد أردوغان خطأ سياسيا كبيرا عندما لعب ضد مصر والمصريين فى مباراة لا تخصه، وذلك عندما أنشأ حلفا مع جماعة الإخوان المسلمين. كنت على يقين أن الشعب التركى سيرفض تحالفه هذا مع جماعة هى فى أحسن الفروض تجسيد للفاشية الدينية. لقد بدأت الفواتير فى الوصول، وعلى السيد أردوغان وحزبه تسديدها. ومازال سؤالى هو: بماذا أبلغت أجهزة المعلومات التركية حكومتها فيما يتعلق برابعة العدوية، والخروج شبه الجمعى للمصريين فى 30 يونيو يطلبون فيه إبعاد جماعة الإخوان عن الحكم..؟ هذا السؤال موجه للسيد داوود أوغلو رئيس وزراء تركيا الذى أعتقد أن التاريخ يدخر له دورا هاما فى الأيام المقبلة.. أقصد بعد أن يقدم السيد أردوغان كأى سياسى نبيل، استقالته من رئاسة الحزب».
أسوأ الأمور فى الدنيا هى تلك التى لا لزوم لها (لورنس ــ أعمدة الحكمة السبعة) لم يكن هناك لزوم لما فعله أردوغان بمصر والمصريين. لقد ضرب المصريين حكومة وشعبا ولكن ليس فى مقتل ولقد ردوا عليه. أما ضربته الكبرى فقد كانت لحزبه وحكمه، وهذا ما ستثبته الأيام القليلة القادمة. الرجل اختار فى لحظة نحس أن يلعب دور الحليف لجماعة الإخوان المصرية، وذلك عندما رفع أربعة من أصابعه إشارة لموقعة رابعة العدوية وهو يوجه طلقات كلماته لمصر والمصريين. لقد انشغل الجميع بدراسة تأثير ما فعله على المصريين ولكن لن يمر وقت طويل قبل أن نكتشف أن السؤال هو: ما تأثير ذلك على الأتراك؟ هل سيشعر المواطن فى تركيا بالسعادة لدفاع رئيس وزرائه بالباطل عن جماعة الإخوان المصرية؟
الحقيقة الآن عابرة للحدود والقارات واللغات والجنسيات، وإذا لم تكن الحقيقة، حقيقة ما فعلته جماعة الإخوان وتفعله بمصر والمصريين، قد عبرت الحدود التركية لكى تستقر فى أذهان الأتراك وقلوبهم، فلابد أنها ستصلهم بعد قليل. أما السيد أردوغان كأى رجل مشتغل بالحكم والسياسة، فليس مقبولا منه أن ينتظر وصول الحقائق إليه على مهل، من الصعب علىّ أن أصدق أن أجهزته الدبلوماسية والمعلوماتية لم ترسل إليه حقيقة ما فعلته جماعة الإخوان بالمصريين. وإلا لما رفع أصابعه الأربعة تمجيدا لواقعة إجرامية. هل تجاهل الرجل الحقيقة عمدا ليثبت أنه صديق لجماعة فقدت احترام المصريين؟.. بماذا يفيده ذلك عند الناخب التركى؟ أم أنها لحظة من لحظات التاريخ النادرة والمنحوسة أيضا التى يقرر فيها مسؤول كبير أن يخسر مكانه ومكانته السياسية بفعل غريزة تدمير الذات.
حسن الطالع يسعى لبعض الناس، أما النحس فهم يجلبونه إلى أنفسهم عندما يقومون بفعل أشياء لا لزوم لها. بعد قليل سيكتشف مفكرو حزب العدالة والتنمية أن الشعب التركى سينظر إليهم بوصفهم الفرع التركى لجماعة الإخوان المصرية الدولية، سيكتشفون أن أردوغان أفقدهم استقلالهم.
أنت مسؤول عن اختيارك لأصدقائك، وخاصة عندما تتطوع بالدفاع عنهم وبالأخص عن جرائمهم، وإذا كنا لا نستطيع على الأرض اختيار جيراننا، غير أننا فى السياسة نختار من نشاء من الجيران، ومن الطبيعى أن نختار هؤلاء الذين تتحقق معهم مصالحنا، وهنا يقول المثل الشعبى «من جاور السعيد يسعد، ومن جاور الحداد اكتوى بناره».. لقد اختار أردوغان أن يكون صديقا لأسوأ الحدادين فى الدنيا، وعليه أن يكتوى بنارهم.
يالعبقرية التاريخ فى التعامل مع خصومه الذين يلوون عنقه ويحاولون إرغامه على السير إلى الوراء. يعطيهم فى البداية كل شىء ثم يسحب منهم كل ما أعطاه لهم فى لحظات، وذلك عندما يكتشف أنهم ليسوا أهلا لقيادته. يالعبقرية التاريخ عندما يرسل بأوهام القوة إلى خصومه فيقومون بضرب أنفسهم فى مقتل.. نعم لقد وجه أردوغان ضرباته إلى المصريين ولكن ليس فى مقتل، وأرى أن المقتول الوحيد سيكون حزبه.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع