«معلش يا ابوحميد انت عارف بقى الانتخابات بيبقى ليها ظروفها».
أصدق الفريق شفيق فيما نقله عن المشير طنطاوى، ولكن غير شفيق كثير قال الكثير على لسان المشير، وروى عنه قصصا وحكايات، وقلت للمشير، وقال المشير، والمشير قائم بيننا صامت، نذر صوماً لا يكلم إنسيا، آن للصامت أن يتكلم، آن للمشير أن يتكلم، قمة الألم أن تصمت وفى قلبك جرح يتكلم!!
كل الناس تكلمت عن المشير، ونسبت إليه أقوالا وأفعالا لو صحت، والرجل صامت لا ينفى مقولة، ولا يعقب على حادثة، ولا يثبت موقفا، يلتزم صمتا، لسان حاله، لقد أديت الأمانة وحفظت الأمة من مصير أمم سبقت، لولا وقفة طنطاوى وجيشه العظيم انحيازا لشعبه لتخطفته الغربان.
سبحانه، سخّر طنطاوى ليكون رجل مرحلة هى الأصعب فى تاريخ هذا الشعب الصابر، سمع النداء فى «التحرير» صاخبا، فخرج بجنده لا يلوى على شىء، أوصى جنده على شعبه، لم يُمَارِ فى العيش والحرية، قدم واجبه الوطنى عما سواه، نَحَّى الرئيس جانبا، وتفرغ لمعركة الوطن.
قدر طنطاوى أن يقف فى مواجهة أخطر حلقات «لعبة الأمم»، كانت أجهزة المخابرات الغربية وذيولها العربية تقطع البلاد شرقا وغربا، والسفارات الأجنبية تعمل على مدار الساعة لتقويض البلاد، نشط النشطاء فى التخريب، ومارست فرق المارينز المصرية أقذر أدوارها، وبغت وتجبرت جماعة الإخوان متحالفة مع السلفيين ملتحفة بجماعات العنف، واستطال الأقزام مردة فى الظلام.
وتشكلت تحالفات تتقاتل على جثة الوطن، وخرجت من قبورها أحزاب عاشت طويلا فى ظلام مقراتها، وانفتحت الحدود لجماعات المرتزقة، وصار الأمن القومى مختَرَقا، وسقطت الشرطة، وتهاوت مؤسسات الدولة كبيت العنكبوت، وخرج الإعلام الوطنى من المعركة، وتَسَيَّدت «جزيرة الشيطان» المشهد بالكلية، وباتت البلاد على شفير الحرب الأهلية، والبيت الأبيض يرعى الفوضى الخلاقة، ويمد النار المشتعلة بأسباب الحريق الكبير.
رجل إذ فجأة وجد نفسه فى لجة موج مضطرب، فأمسك بدفة سفينة قديمة، ماكيناتها معطوبة، أجهزتها الملاحية متعطلة، طوفان هائل يجرفها للارتطام بالصخور، تقدم ورجاله يقاومون الموج، ويصارعون قدراً محتماً، معركة لم يكن أبدا مستعدا لها، والربان الذى احتكر القيادة طويلا مغضوب عليه وتَنَحَّى بعيدا، ومن تبقى من الملاحين قابضين على الجمر كانوا بين يائس ومَحبَط وكَسير، وركاب السفينة هائجون يخرقونها من أسفل، وهم عن الغرق فى بحر الفوضى غافلون.
لله دَرّ الصابرين، لو تكلم طنطاوى لاستحال أبطال أشباحا تتخفى فى الظلام، ولو فتح فمه بكلمة لأحرق كيانات وهمية تتحدث كذباً بالوطنية، ولَعَرَّى شخوصا ترتدى مسوح الحكمة، طنطاوى شاهد حَىّ على مؤامراتهم، وأطماعهم، وقذاراتهم، وتحت يديه ملفاتهم التى يرتعبون من هول ما تختزنه من خيانات عظيمة لهذا الشعب العظيم.
الفريق شفيق يحترم شقيقه المشير، ولكن كثر مَن ينهشون فى جسد طنطاوى، يستبيحون صمت الرجل، ويستنيمون إلى عزوفه عن البوح، رموز هذه المرحلة جميعا يعرفون أن طنطاوى لو تكلم.. آه لو تكلم الصمت، ولكنه صامت صمت الصابرين عنهم، صامت على البلوى احتساباً.
نقلا عن المصري اليوم