الاثنين ٢٢ يونيو ٢٠١٥ -
٢٥:
٠٩ ص +02:00 EET
بقلم منير بشاى
يقول الخبر الذى تناقلته الصحافة العالمية مؤخرا ان شابا ابيضا اقتحم كنيسة للسود من طائفة الميثودست فى ولاية ساوث كارولينا بالولايات المتحدة، وفتح النيران على المصلين، وكان نتيجة الهجوم مصرع 9 من المواطنين السود. حادث مأسوى اليم يدمى له القلب.
وقد تباينت ردود الافعال ازاء هذا الحدث. فى مصر، وحتى قبل ظهور نتيجة التحقيق، ومعرفة ملابسات الجريمة ودوافعها، صدرت أدانة من وزارة الخارجية المصرية على لسان السفير بدر عبد العاطى، ولكنه تحاشى الاشارة الى من يوجه الادانة. ولكن آخرين كانوا اكثر جرأة اذ نددوا بالمجتمع الامريكى كله بل وأمريكا كدولة. ومنهم من وجدها فرصة فاصدر بيانا غاضبا قال فيه ان "امريكا التى تدافع وتتشدق بانها الحامية لحقوق الانسان هى التى يمارس فيها ابشع انواع العنصرية وخاصة من البيض ضد السود وهى مازالت تنتقد غيرها فى ملف حقوق الانسان وهى تحمل على ظهرها ملفا اسودا منذ قيامها بالتعذيب والاعتقالات".
أما فى امريكا فالصورة التى نقلتها لنا الصحف عن ما دار فى اول جلسات المحاكمة تعبر عن روعة النعمة فى مواجهة شناعة المأساة، وتستحق ان نتوقف عندها قليلا. وكان المتهم قد قبض عليه بعد ساعات من ارتكابه الجريمة والذين ساعدوا على القبض عليه اسرة من الأمريكان البيض. وفى المحكمة اتيحت لبعض عائلات الضحايا ان ترى المتهم وتوجه كلمة له . وعلى عكس ما كنت اتوقع كانت الكلمات تعبر عن المحبة. من هذه ابنة لواحدة من الضحايا قالت للرجل "لقد جرحتنى وجرحت كثيرين غيرى. حياتى بعد اليوم لن تكون كما كانت، ومع ذلك فأنا اغفر لك وارجو من الله ان يغفر لك". ومن ناحيتها اعتذرت اسرة الشاب المتهم لأسر الضحايا وعبرت عن "عميق مواساتها وتعازيها". اما القاضى فوجه كلمة لكل اسرة معبرا عن تفهمه لمشاعر الألم التى يمرون فيها. وبالنسبة لمدينة شارلستون ولاية سوث كارولينا حيث وقع الحادث فقد شهدت محاولات بين سكانها من مختلف الاجناس لاعلان توطيد اواصرالمحبة والتعاطف بكيفية لم تعهدها من قبل..وفى يوم الاحد التالى فتحت الكنيسة ابوابها كالمعتاد ووقف راعى الكنيسة يلقى عظته كما يفعل كل احد ومنها قال هذه العبارة الموحية "ان كل شر هذا العالم لم يستطيع ان يغلق ابواب هذه الكنيسة".
هذه اللمسات تاتى من امريكا. وهى تعبر عن وجه يختلف عادة عن ما يصورونه عن امريكا ". هى القيم المسيحية التى تسكن فى اعماق الكثيرين من ابناء هذا الشعب وتظهر بالذات وقت المحن.
والسؤال الذى يطرح نفسه: هل لأن امريكيا ارتكب جريمة قتل معناه ان امريكا كلها قاتلة؟ نعم المجتمع الأمريكى ليس مثاليا او خاليا من العيوب. والعنصرية ما تزال تعشش فى اذهان البعض خاصة ممن يعيشون فى ولايات الجنوب ومنها ولاية سوث كارولينا. ولكن هل العنصرية امر مقبول ومعترف به من الدولة والقضاء وتنفذ بامر القانون؟ الجواب على كل هذه "لا" بكل تاكيد.
وهل من حق امريكا ان تنتقد مخالفات حقوق الانسان فى بلاد اخرى رغم وجود حوادث تعدى على حقوق المواطنين داخلها؟ طبعا هذا حقها وواجبها طبقا للقانون الدولى طالما من يمارس المخالفات على ارضها افراد يحركهم تعصبهم الشخصى وليس سياسة عامة للدولة وطالما يقبض عليهم وياخذوا عقابهم القانونى. وايضا من حق أمريكا ان تنتقد المخالفات فى البلاد الأخرى اذا كانت الحكومات فى تلك البلاد ضالعة او متواطئة او متساهلة مع مرتكبيها.
دعنا نكون واقعيين فلا نتوقع من امريكا اكثر او اقل مما يجب. امريكا بلد متحضر ومزدهر وشعبها فى معظمه كريم ومحب ومعطاء ولكن امريكا ليست الجنة وشعب امريكا ليسوا جميعا من الملائكة فهى تعانى مثل غيرها من العنف والجريمة. كل الجرائم الموجودة فى بلاد العالم موجودة ايضا داخل امريكا: وفى دولة يبلغ تعدادها 350 مليون من المتوقع ان تجد فيها من يرتكب الجرائم. ولكن الجرائم تتضخم فى امريكا نتيجة وجود وسائل الاعلام الحديثة المتطورة التى لا تتكتم على هذه الحوادث. ففور حدوث الجرائم تنتشر الاخبار وتدخل كل بيت عن طريق الصحف الورقية والالكترونية والتلفاز والراديو والانترنت ووسائل التواصل الاجتماعى المختلفة.
الجريمة التى نحن بصددها تكاد تحدث مثيلها فى بلادنا كل يوم ولكن يأخذها الناس على انها حدث طبيعى متوقع ونخشى حتى مجرد الكلام عنها حتى لا نعرض مصر للنقد العالمى. هذا حتى وان كانت علامات الاستفهام توجه للدولة فى بعض الحوادث مثل حادثة تفجير كنيسة القديسين التى ما زلنا نتساءل حتى الآن عن من يكون الجانى وما صلة الدولة به؟ والأدلة بدأت تتسرب عن دور قائد الشرطة العسكرية فى قتل المتظاهرين الاقباط تحت عجلات المدرعات فى حادث مسبيرو حيث قال شهود العيان ان (بدين) قال لجنوده ان عليهم الدفاع عن انفسهم ضد الاقباط الذين سيأتوا ليعتدوا عليهم.
ويتزامن حادث ساوث كارولينا مع تفجير آخر فى كنيسة كاثوليكية تاريخية على بحيرة طبرية فى شمال اسرائيل تحمل اسم معجزة اشباع الخمسة الالاف. والتفجير يعتقد انه قام به عدد من المتطرفين الذين يعيشون فى مستوطنة قريبة بعد ان كتبوا على الجدران عبارات مستقاة من صلوات يهودية تدعو الى ازالة عبادة الأوثان. وقد ادانت السلطات الاسرائيلية الحادث وقالت المتحدثة باسم الشرطة، لوبا سامرى، فى بيان "تم اعتقال 16 شابا فى منطقىة قريبة من الكنيسة للتحقيق معهم ومعرفة دورهم فى الحادثة".
لقد اصبحت الكنائس هدفا للعنف فى كل مكان مع انها بيوت الله التى يذكر فيها اسم الله ويطلب فيها الناس التوبة والمغفرة والهداية والسلام. والمعتدين لكل منهم اجندته الخاصة واهدافه التى تنبع من قناعات لها جذورها العميقة بعضها عنصرى والآخر دينى. ولكن الدرس المستفاد ان حوادث العنف يجب ان توصم وتدين مرتكبيها ولا يجب ان توصم الدولة او المجتمع الذى تحدث فيه الا اذا ثبت ضلوعهم فى الجريمة او التهاون فى القبض على المجرمين او التساهل معهم فى التحقيقات والعقاب. وهذا ينطبق على جميع الدول وبدون تحيّز، سواء كانت مصر او اسرائيل او امريكا. وان الشر سيظل جزءا من طبيعة الانسان رايناه يؤدى الى قتل قايين لأخيه هابيل، وكانا فى امكانهما ان يتقاسما العالم ويعيشان معا فى سلام.
Mounir.bishay@sbcglobal.net