د.عبدالخالق حسين
أفادت الأنباء يوم 20/6/2015 أن موقع ويكيليكس" نشر أكثر من ستين ألف برقية دبلوماسية مسربة من السعودية، وأنّه سينشر نصف مليون برقية أخرى خلال الأسابيع المقبلة. وأشارت الى أنّها حصلت على مراسلات بالبريد الالكتروني بين وزارة الخارجية السعودية ودول أخرى بالإضافة إلى تقارير سرية من وزارات سعودية أخرى."
فمن يطالع التقرير الموجز الذي نشرته وكالة (المسلة)(1)، مع بعض الصور لهذه المراسلات، لا يخامره أدنى شك في صحة هذه الوثائق. وقد دعتني فضائية الفيحاء مشكورة مساء نفس اليوم للمشاركة في مناقشة هذا الموضوع، وعن مدى صدقية هذه الوثائق وأهميتها، ولماذا نشرت في هذا الوقت بالذات... إلى آخره من الأسئلة المشروعة.
فقد لاحظنا أن بعض المعلقين من محامي السعودية، وداعمي الفساد في العراق سارعوا في التشكيك بهذه الوثائق، وادعوا أن الغرض من نشرها الآن هو تدمير السعودية، وإثارة الشكوك حول بعض القادة السياسيين العراقيين من جميع الأطياف...الخ، لذلك حاولوا تفنيد هذه الوثائق أو على الأقل التشكيك بصحتها.
لا ننكر ما للحيطة والحذر من أهمية إزاء هذه الوثائق، ولكن في رأيي أنها أقرب إلى الحقيقة، وصدرت في الوقت المناسب، و حبذا لو نشرت من قبل، خاصة فيما يخص العراق. كذلك أثبت التاريخ أن معظم الوثائق التي نشرها موقع ويكيليكس أو المتمرد الأمريكي إدوارد سنودون هي صحيحة. فالحكومة الأمريكية تريد مقاضاة هذين الشخصين ليس بتهمة تلفيق الوثائق أو تزييفها، بل بتهمة الخيانة في فضح أسرار الدولة، ومعنى هذا أن جميع الوثائق التي سربها هذان الشخصان هي صحيحة.
كذلك يمكن التأكد من مصداقية هذه الوثائق من الصور، إضافة إلى أن الذين قاموا بنشرها ليسوا عرباً ولا يعرفون العربية لكي يفبركوا مثل هذه الوثائق العربية وأختامها وتواقيع المسؤولين السعوديين عليها، ولو أن هذه الأمور ممكنة في عصر التقنية المتطورة، ولكن ما هي مصلحة العاملين في الويكيليكس ببذل المال والوقت والجهد في هذه الأمور المضنية والباهظة التكاليف والمعقدة، باختلاق مئات الألوف منها. لا شك أن هذه الوثائق حقيقية ومخزونة أصلاً في كومبيوترات دوائر الخارجية السعودية، و من السهل التسلل إليها إلكترونياً في زمن التكنولوجية المتطورة. أما كون رئيس ومؤسس (ويكيليكس) السيد جوليان أسانج، لاجئ في السفارة الأكوادورية في لندن منذ ثلاثة أعوام، فهذا لا ينفي مصداقية هذه الوثائق، فللرجل فريق من المساعدين في هذه المؤسسة غير المرئية، وكلما يحتاجه الإنسان في هذا المجال هو الخبرة وكومبيوتر نقال (Laptop)، والربط بالانترنت، وبذلك يمكنه أن ينقل كل العالم إلى شاشته أين ما يكون. وهذا لا يمنع حتى السيد أسانج نفسه من ممارسة هذا العمل وهو حبيس السفارة.
أهمية هذه الوثائق تأتي من كونها فضحت المملكة العربية السعودية بما تلعبه من دور في تأسيس تنظيم الإرهاب ودعمه وتصديره إلى سوريا والعراق، وشراء قياديين سياسيين عراقيين. ففي إحدى هذه الوثائق نقرأ مثلاً: "مالك ومدير قناة البغدادية [رجل الأعمال العراقي عون حسين الخشلوك]، طلب دعما سعوديا لإقامة تحالف شيعي وطني مؤيد للسعودية وضد إيران..، والرياض ترفض لدوره في غسل اموال عُدي." وتابعت الوثيقة "وجاء في برقية رئاسة الاستخبارات المتضمنة انه [الخشلوك] كان على علاقة واسعة مع النظام السابق وخاصة مع عدي صدام حسين لغسل ملايين الدولارات في السوق العراقية، ومعروف بانتمائه لجهاز مخابرات النظام السابق وعلاقاته الجيدة مع القيادة الإيرانية وله مواقف مناهضة ضد رئيس الوزراء الحالي (المقصود نوري المالكي) وحكومته وانه شخصية تسعى لتحقيق مكاسب شخصية من خلال مشروعه السياسي ولا ترى ان هناك فائدة من توجيه دعوة لزيارته للمملكة."(2)
وكشفت وثيقة أخرى عن قيام رئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني بقيادة حملة إعلامية ضد رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بتوجيه ودعم سعودي وقطري وتركي من أجل زعزعة استقرار الحكومة المركزية (3).
كما وأظهرت إحدى الوثائق المسربة أن رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم أبدى رغبته في زيارة المملكة العربية السعودية، لكن الأخيرة رفضت ذلك لكي لا يمثل دعما له ضد خصومه في الانتخابات.(4)
وثيقة أخرى برقية مؤرخة في 19-03-2012 بعثها وزير الخارجية السعودي السابق، سعود الفيصل، الى خادم الحرمين الشريفين، ان نائب رئيس الجمهورية الحالي أسامة النجيفي، سعى الى طلب الدعم السعودي ضد رئيس الحكومة العراقية - وقتها - نوري المالكي. وتفيد البرقية ان النجيفي يعتبر المالكي، "نافذة للهيمنة الإيرانية على العراق"(5)
وبهذه الطريقة يريد قادة العراق الجديد بناء الدولة العراقية الديمقراطية عن طريق الاستجداء من السعودية والإستقواء بها! والله في عودنك يا شعب العراق.
في الحقيقة إن معظم ما جاء في هذه الوثائق وما سيأتي قريباً من معلومات، هي معروفة وتحدثنا بها سواءً في مقالاتنا، أو في مقابلات في وسائل الإعلام، وكان البعض يشكك بما نقول، ويعتبرونه من وحي "نظرية المؤامرة" إلى أن نشرت هذه الوثائق على موقع ويكيليكس. وحتى في هذه الحالة لم تسلم هذه من التشكيك، ولكن هذا لا يهم، فالدور السعودي والقطري والتركي في دعم الإرهاب وإشعال الفتن الطائفية بات معروفاً. أما أن يتباكى البعض على أن توقيت نشر هذه الوثائق جاء متزامناً مع مؤامرة غربية- إيرانية ضد السعودية فهذا لذر الرماد في العيون والضحك على الذقون.
والمطلوب من الحكومة العراقية جمع هذه الوثائق وما لديها من أدلة ثبوتية أخرى لتقديم شكوى إلى الأمم المتحدة ضد السعودية وغيرها من الحكومات الراعية للإرهاب لقيامهم بإثارة الفتن الطائفية، وتصدير الإرهاب إلى العراق، وقتل مئات الألوف من أبناء شعبنا، وتدمير مؤسساته الاقتصادية، وبناه التحتية، ومحاربة نظامه الديمقراطي. فما ضاع حق وراءه مطالب.
والجدير بالذكر أن صديقاً لي كان عضواً في قيادة (المؤتمر الوطني العراقي الموحد) إلى ما قبل إسقاط حكم البعث الصدامي، أخبرني أنهم عند تأسيس المؤتمر في لقاء فينا في حزيران 1992م، وكان قد حضر وفد سعودي معظمهم من المخابرات، اتصلوا بقيادي عراقي سني وطلبوا منه أن يمدهم بقائمة بأسماء جميع المشاركين العراقيين في المؤتمر، و أن يذكر أمام اسم كل منهم انتماءه الديني والمذهبي، وهل هو سني أو شيعي. فمنذ ذلك الوقت كان السعوديون، ورغم دعمهم للمعارضة، يخططون لإثارة الفتنة الطائفية في عراق ما بعد صدام.
مرة أخرى نعيد القول، أن غرض السعودية والدول الخليجية من نشر الإرهاب والفوضى في العراق هو لتخويف شعوبهم من الديمقراطية، فإذا ما طالبتهم شعوبهم بالديمقراطية قالوا لهم أنظروا إلى حال العراق و ما جلبت لهم الديمقراطية من فوضى وإرهاب وخراب، لذلك اقبلونا فاستبدادنا أفضل لكم من ديمقراطية تجلب لكم هذه الكوارث. و دون أن يقولوا الحقيقة لشعوبهم أنهم (حكام الدول الخليجية)، وليست الديمقراطية، من جلب الفوضى والإرهاب إلى العراق.
ولكن السؤال هو: إلى متى تبقى شعوب الجزيرة العربية تحت ذل وعبودية هذه العوائل الحاكمة المستبدة التي تعتبر شعوبها عبيداً لها، وتفرض عليهم حكم القرون الوسطى المظلمة؟ في الحقيقة إن هؤلاء الحكام البدو المتخلفين لا يملكون غير الفلوس، لا يعرفون أن التطور الحضاري سنة الحياة، وأن المستقبل للشعوب، وأن مصيرهم كمصير من سبقهم من الطغاة، في مزبلة التاريخ.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ــــــــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
4- ويكيليكس يكشف أسرار عراقيين ينسقون مع السعودية ضد بلادهم
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193135.html
2- ويكيليكس: رفْض سعودي للخشلوك.. غَسَلَ أموال "عدي" وعميل لمخابرات صدام
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193195.html
3- أخطر وثيقة نشرها ويكيليكس ... السعودية جندت بارزاني لتسقيط المالكي إعلامياً
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193201.html
4- نائب عن المواطن: وثائق ويكيليكس لم تثبت صحتها والحكيم يعمل لصالح العراق
أظهرت إحدى الوثائق المسربة أن رئيس المجلس الأعلى عمار الحكيم أبدى رغبته في زيارة المملكة العربية السعودية، لكن الأخيرة رفضت ذلك
http://www.akhbaar.org/home/2015/6/193232.html#
5- النجيفي طلب دعم السعودية "ضد" الحكومة العراقية السابقة
http://almasalah.com/ar/NewsDetails.aspx?NewsID=55159