..ومع إذاعة الحلقة الرابعة من مسلسل عادل إمام الأخير الذي يلعب فيه دور أستاذ جامعي، هاجمته هيئة علمية واتهمته بتلك التهمة الشهيرة؛ وهى: الإساءة لسمعة الجامعة المصرية وأساتذة الجامعة المصرية، وهي امتداد لتلك التهمة الشهيرة؛ وهي: الإساءة لسمعة البلاد، التي اكتوى بنيرانها كثيرون من قبل. والأصل في تلك التهمة، خصوصا في المراحل الثورية، أنه كان يتم التعامل بها في محيط السياسة، ففي الوجدان الشعبي، مصر تُصور دائمًا على أنها امرأة.. لاحظ تمثال «نهضة مصر»، وفي القصائد الشعبية.. «مصر يامه يا بهية»، وفي المسرحيات الوطنية كانت تسمى «خضرة»، وقد يعود هذا التقليد إلى أغنية محمد عبد الوهاب القديمة: «من زيك عندي يا خضرا».. ولأن سمعة الأنثى حساسة للغاية في بلادنا، لذلك فكروا في سمعة مصر بوصفها عذراء سينال من سمعتها فيلم أو مسلسل أو مسرحية خارجة عن دائرة المألوف.
الواقع أن عادل إمام وزملاءه صناع المسلسل يمكن اتهامهم بتهمة أسوأ بكثير من تهمة الإساءة للجامعة وأساتذتها، وهي التخلي عن الحرفة.. عن الوظيفة.. عن الواجب.. عن الكوميديا. المؤلف والمخرج والبطل وقعوا فريسة للإحساس السائد عند معظم الفنانين والكتاب هذه الأيام، وهو أن يكونوا زعماء. والزعماء بالطبع لا يشغلون أنفسهم بالكوميديا التي هي صنعة شاقة بطبيعتها. بالطبع يستطيع صناع المسلسل أن يقولوا: وهل قلنا إننا نقدم كوميديا؟
بالفعل مع كثرة الأخبار التي انهمرت بكثافة عن المسلسل، لم يتكلم عنه أحد بوصفه كوميديا، كان أكثر من كاف أن يقال «مسلسل عادل إمام الجديد»، وذلك ليعلم الناس أنهم موعودون بالضحك. إذا لم تضحك في مسلسل من بطولة عادل، فمن غيره سيكون قادرًا على إضحاكك.
لقد حدثتك من قبل عن أهم ما تتميز به الدراما المصرية، وهو الاهتمام، والهمّ، والبهجة. ولقد بحثت عن هذه العناصر في الحلقات المذاعة، وفشلت في العثور عليها. كانت اللقطة الأولى في المسلسل للبطل على نقالة داخلاً مستشفى. لم تكن به إصابات ظاهرة، ومع ذلك، نعرف من خلال الحوار أنه تعرض لعملية ضرب فظيعة.. كان فاقدًا للنطق، وعندما تمكن من الكلام جاء وكيل النيابة ليستمع إلى أقواله، وردا على السؤال الشهير: من فعل بك هذا؟ أشار بكف يده وكأنه يعني جماعة ما، فأعاد وكيل النيابة السؤال: مين؟
فأجاب: النظام.
لقد حدد صناع المسلسل خط سير البطل بهذه الكلمة التي تشكل ما نسميه في الدراما «نقطة الهجوم»، وهو ما يذكرك بالمقولة الشعبية: «الجواب باين من عنوانه».. هذا هو عنوان العمل بالفعل.. النظام في مصر أرسل رجاله ليضربوا هذا الأستاذ.. والله لو أن الماكيير هو الذي ضربه لوضح ذلك على وجهه. مع أول ظهور للبطل، أكد للجميع أنه ليس مهتمًّا وليس مهمومًا بما يقدمه.. من أين ستأتي البهجة إذن؟
لدينا أكثر من حاجتنا من الزعماء والمفكرين الاستراتيجيين وأصحاب الدم الثقيل في كل مكان.. الضحك عملة نادرة هذه الأيام يا عزيزي عادل.. بل كان عملة نادرة طوال التاريخ وعرضه.. وإلى الأبد سيظل الناس في حاجة لشارلي شابلن، وليس إلى غيفارا.
ali.salemplaywright@yahoo.com
نقلا عن الشرق الاوسط