تتعرض مهنة الصحافة والإعلام حالياً لانتكاسة كبيرة، وبسبب القائمين على تلك المهنة أنفسهم.. فالمهنة لم تعد تخضع لأى ضوابط مهنية أو قيمية إلا فيما ندر، وقد أظهرت ممارسات الأعوام السابقة قوة كبيرة للإعلام والصحافة على متخذ القرار السياسى، بل إن البعض أصبح يروج أن المسئولين يخافون من الإعلام.
والحقيقة التى لا نبغى غيرها فى هذا المقال، أن البعض من العاملين فى حقل الإعلام والصحافة بدأوا يظنون أنهم فوق القانون ولا يجوز محاسبتهم على أى خطأ، وعادة ما يتطور الأمر للحديث عن تضييق مساحة الحرية أمام الإعلام إذا تجرأ أحد وقال إن الإعلام أخطأ أو أن الصحفى تجاوز.
وهذا خلط واضح، فحرية الإعلام لا تعنى التجاوز بأى حال من الأحوال. والأصل فى حرية الإعلام أنها حق يمنحه المجتمع للإعلامى والصحفى حتى يبذل كل منهما قصارى جهده فى الحصول على المعلومة الدقيقة وتوصيلها للمواطن بأسرع وقت.
فإذا قدم الإعلامى أو الصحفى معلومة خاطئة أو مضللة أو ناقصة، وجبت محاسبته لأنه لم يحسن استغلال الحق الذى منحه المجتمع له، وقصر فى أداء واجبه الصحفى والإعلامى، بل على العكس، وربما يترتب على خطأ الصحفى والإعلامى ضرر أكبر بالمجتمع ككل إذا ضلل الرأى العام أو أثاره بسبب شىء لم يمتلك هو كل حقيقته. وهنا تنبغى محاسبة هذا الصحفى والإعلامى بشكل حاسم، وهذا لا يعنى إطلاقاً المساس بحرية الرأى والتعبير كما يحاول البعض من المزايدين ترويج الصورة، ولكنه يعنى تصحيحاً لوضع خطأ قد يترتب عليه كارثة مجتمعية والأمر لا يحتاج إلى وقفات نقابية احتجاجية أو مقالات عنترية، فالصحفى والإعلامى مواطن عادى وليس فوق القانون ومهمته تقديم خدمة للمجتمع وليس صاحب فضل عليه.
فالطبيب مثلاً إذا أخطأ يصيب مريضاً واحداً، والمهندس إذا أخطأ ربما يترتب على خطئه انهيار عقار فيه عدة أسر، أما الإعلامى إذا أخطأ فيترتب على خطئه ضرر بالمجتمع كله.. فكيف نحاسب الطبيب أو المهندس فى حالة الخطأ، ولا نحاسب الإعلامى على خطأ أكبر؟!
والمشكلة الكبرى فى الوسط الصحفى والإعلامى أنه يفتقد حالياً للمعلم أو الأستاذ الذى يقوم بنقل الخبرة للأجيال الجديدة أو يدربهم على المعايير المهنية والقيمية، وهذا يعنى أن أجيالاً حديثة من أبناء المهنة فقدوا التوجيه، وأصبحوا أحراراً فيما يكتبونه أو يبثونه، وأصبح الاندفاع فى نشر المعلومات قبل التحقق هو السمة الغالبة، وساعد على ذلك الإعلام الإلكترونى الذى يذيع الخبر فى نفس لحظة حدوثه ووفق رؤية كاتبه عملاً بمبدأ إذا حدث خطأ تقوم بتصحيحه، ولكن الخبر مثل طلقة الرصاص إذا خرجت لا تعود، فإن كان الخبر مغلوطاً أصبح مثل الطلقة الطائشة التى ستصيب أحداً بالتأكيد.
بل إن هناك صحفاً بعينها بكل أسف أصبحت معروفة بأنها لا تتحقق وتنشر كل ما يقع أمامها، وفى الغالب يكون ما يقع أمامها مقصوداً من آخرين يستغلون حماقتها وحماقة القائمين عليها، فتنشر حتى دون أن تسأل من يطعن فى حقه. وخرج علينا جيل من الصحفيين والإعلاميين يقتنعون بأن الإثارة هى أقصر طريق للنجاح والشهرة، ولكن المجتمع كله يدفع ثمن هذا الحمق.
لا يجب أن يقع المجتمع فى هذا الخطا أكثر من ذلك، فالصحافة والإعلام من المهن الخطيرة فى تأثيرها.. فإذا فسدت فسد المجتمع كله، وإذا صلحت صلح المجتمع كله. ولا يمكن أن تظل هذه المهنة بلا ضوابط تتفق مع هذا التطور التكنولوجى الهائل الذى طرأ على المهنة. فأصبحت المهنة كمن يمسك بمدفع سريع الطلقات، ولكنه ليس مدرباً على الرماية بهذا السلاح.
وقد كنت وما زلت من الرافضين لتوقيع عقوبة الحبس على الصحفيين والإعلاميين فى قضايا النشر، وكنت أرى من الضرورى جداً أن تقتصر العقوبات فى قضايا النشر على عقوبات مالية غير مقيدة للحرية.. ومع الانفلات الإعلامى الزائد الذى تعانى منه مصر، أصبح من الواجب أن تكون هذه العقوبات المالية مغلظة بدرجة كبيرة تكفى لتحقيق الردع. ويجب أن يكون الفصل فيها سريعاً للغاية حتى لا ينتشر تأثير الكلمة المضللة على المجتمع ويتحول إلى سرطان ينهش فى جسد المجتمع كله.. وفى حالة تكرار الجريمة وهى كذلك يجب تغليظ العقوبات أكثر وأكثر.. ولا يجب أن يعفى صاحب المؤسسة أو رئيس تحريرها أو مديرها من العقوبة باعتبار أن الصحفى حر ينشر ما يراه، فلا يمكن أن توجد مهنة فى العالم لا تحكمها ضوابط أو معايير.
نحن كصحفيين وإعلاميين علينا أن نراجع أنفسنا، ولا نترك المهنة تنهار وتفقد سمعتها واحترامها أكثر من ذلك.. وأوجه الخلل كثيرة، والكل داخل الوسط يعلمها.. ولا بد من إصلاحها.
نقلا عن الوطن