أول من أمس، تكلم زميلي مشاري الذايدي عن حرق الكتب معلقًا على ما قرره وزير الأوقاف المصري من حرق الكتب التي تشيع الأفكار المتطرفة والموجودة في مكتبات الجوامع ومنها بالطبع كتب حسن البنا وسيد قطب ويوسف القرضاوي.. بالطبع الوزارة لديها أسبابها لحرق هذه الكتب تمامًا ككل من أحرقوا الكتب والبشر في مراحل التاريخ السوداء وآخرها حرق الطيار الأردني الأسير رحمه الله. هم جميعًا كانت لديهم أسبابهم المقنعة لهم التي دفعتهم لذلك. الواقع أنه لا وزارة الأوقاف ولا أي جهة أخرى فوق الأرض من حقها أن تحرق كتابًا حتى لو كان الشيطان نفسه هو من قام بتأليفه.
نحن نخوض معركة وجود ضد الإرهاب وهو المنتج النهائي للأفكار المتطرفة. ومهما كانت ضراوة هذه المعركة وقسوتها، فعلينا أن نتمسك فيها بإنسانيتنا ولا نفقد فيها عقولنا فنرتكب تلك الحماقة التي لن يغفرها لنا أحد وهي أن نحرق الكتب وكأن النار ستقضي على ما فيها من أفكار. النار تحرق الأوراق فقط وتحرق معها سمعتنا كشعوب تسعى لكسب احترام العالم. في الحرب ضد الإرهاب، نحن لسنا وحدنا، كل شعوب العالم الحر تخوض معنا المعركة بشكل أو آخر فلماذا نتطوع بأفعال تفقدنا احترام حلفائنا؟
إذا كانت لدينا وفرة في النيران ووفرة في الرغبة في إشعال النيران في شيء ما، فلنحرق الزبالة. إذا كانت ألسنة اللهب المتصاعدة من النيران تشعرنا بالارتياح وتملأنا بالإحساس بالفخر فلماذا لا نستمتع بهذه الانفعالات عن طريق حرق الزبالة. على الأقل لن يلومنا أحد بل لعلهم سيزدادون احتراما لنا لرغبتنا في تنظيف أنفسنا.
أعتقد أن ما قررته وزارة الأوقاف هو تطبيق عملي لما رأته تجديدًا في الخطاب الديني. هناك توجيهات أو توجهات بتجديد الخطاب الديني. هناك بالفعل احتياج شديد عند الشعب المصري لخطاب ديني جديد نطلبه ونتوقعه من كل الهيئات والجهات المشتغلة والمهتمة بالشأن الديني. ومن الواضح أن ما نتوقعه منهم يدل على حسن نية بحجم الجبال. لقد طلبنا من القديم أن يكون جديدًا وكأنه قادر على ذلك حتى لو توفرت لديه الرغبة. حركات التجديد في أي شأن من الشؤون بما في ذلك الشأن الديني، تأتي من خارجها بل وصادمة لها ومحتجة عليها.
ولكن من الطبيعي أن هذه الجهات لا تريد أن تعترف بأنها عاجزة عن توفير احتياجات المصريين من خطاب ديني جديد. وإذا كان هناك من هو قديم وجديد في هذا الشأن، فهم يمثلون القديم. وهم أذكياء يعرفون جيدًا أنهم أعمدة المبنى القديم وأن أي اقتراب من هذه الأعمدة بالإصلاح أو التجديد سيترتب عليه انهيار المبنى كله.
ولكن لا بأس من التعامل مع حكاية التجديد هذه بذكاء البيروقراطية المعهود إلى أن ينسى المصريون الحكاية كلها. «سيتكلمون» عن التجديد وأبعاده ومحاذيره وضرورته و.. و.. و.
والسؤال هو: هل السادة الذين ذكرت أسماءهم، ما زالت لهم بالفعل كتب في مكتبات الجوامع؟
كمصري خبير في شؤون اللوع والملاوعة أقول: لو أنك سألت أي مسؤول في وزارة الأوقاف المصرية عن هذه الحكاية لأجابك في دهشة.. حريق إيه ونيلة إيه؟.. إحنا لا عندنا أفران ولا عندنا الكتب اللي بتقول عليها دي.
نقلا عن الشرق الاوسط