جاءت حركة التفجيرات عن بعد التي شهدتها مناطق عدة من مصر على مدى اليومين الماضيين، لتفتح قضية الخطوط مجهولة الهوية من جديد، فعلى الرغم من الإجراءات الصارمة التي اتبعتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تجاه شركات المحمول؛ لقصر بيع الخطوط مجهولة الهوية، إلا أنه ما زال هناك العديد من المخالفين غير الملتزمين بتلك القواعد.
واتخذ جهاز تنظيم الاتصالات قرارًا في 19 مايو الماضي، يقضي فيه باقتصار بيع شرائح المحمول الجديدة على أفرع شركات المحمول فقط لمدة 3 أشهر، ابتداءً من 20 مايو 2015، لحين توفيق أوضاع الشركات مع الموزعين في هذا الشأن، إلا أن جولة بسيطة لأي شخص بأماكن متفرقة من العاصمة، تكشف أن تلك القرارات هباء، وليس لها أي جدوى.
شهر رمضان من أكثر الشهور التي يحتاج فيها الإنسان إلى التنزه بعد الإفطار للتمتع بالأجواء الرمضانية، فإذا ما قررت التوجه إلى منطقة وسط البلد، وبمجرد خروجك من محطة مترو العتبة أكثر أماكن القاهرة ازدحاما، خاصة المخرج المطل على شارع 26 يوليو، لتجد أول من يتلقاك الباعة الجائلون لخطوط المحمول مجهولة الهوية، ليعرض عليك الخط بدون بيانات وبسعر لا يتعدى الـ5 جنيهات.
الحال نفسه تجده في العديد من المناطق الشعبية، كمناطق بولاق الدكرور وأرض اللواء، والسيدة نفيسة، وغيرها من تلك المناطق التي لا يبالي مواطنوها بخطورة شراء تلك الخطوط التي قد تتسبب في العديد من التفجيرات والعمليات الإرهابية، وقد تودي بحياة أصحابها.
وتتم عمليات تفجير القنابل عن بُعد باستخدام شريحة المحمول وتثبيتها في الدائرة الكهربائية للقنبلة عبر جهاز محمول، وبمجرد الاتصال على الشريحة يتم إغلاق الدائرة الكهربائية للقنبلة، ومن ثَمَّ يتم تفجيرها، ولدى محاولة جهات البحث الجنائي تتبع صاحب شريحة المحمول، تجد أنها دون بيانات أو مسجلة ببيانات غير صحيحة.
نفس التقنية هو ما اعتمدت عليه عملية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات أول أمس؛ حيث تم استهداف موكبه عبر مجموعة من المتفجرات تم تفجيرها عن بعد، وهو في الغالب ما تم عبر الاعتماد على شريحة محمول، لتبدأ وزارة الداخلية في البحث وراءها، وغالبا ستجد أنها مجهولة الهوية وغير مسجلة البيانات.
ورغم محاولة وزارة الاتصالات مواجهة الخطوط مجهولة الهوية عبر قراراتها إلى جانب قيامها في أكتوبر الماضي، بقطع الخدمة عن نحو ١٠ ملايين اشتراك بخدمات الهاتف المحمول في مصر، كنتيجة للحملات التي تقوم بها الوزارة؛ حيث تم إيقاف أكثر من 4.5 ملايين خط لحين استكمال وتحديث بياناتهم، فضلا عن خروج أكثر من 5.5 ملايين خط من الخدمة كانوا يستخدموا بطريقة عشوائية.
وقال أحد الموزعين لتلك الخطوط لـ"فيتو": إن عمليات بيع الخطوط الجديدة لديهم كموزعين لا تزال قائمة، بل إن مندوبين الشركات يعملون كما هم، حيث يقومون بتزويد الموزعين الجائلين إلى الموزعين لطرح كميات من الخطوط عليهم، بما يؤكد أن المنظومة قائمة، ولم تتوقف، وأن الشركات حريصة على بيع أكبر قدر من الخطوط دون مراعاة ما يتطلبه الأمن القومي، مشيرًا إلى أن هناك موزعين يطلق عليهم "أمريكاني S" وهم أصحاب النصيب الأكبر من المبيعات للشركات، وهم مَن كانوا يفعلون 10 خطوط على بطاقة واحدة، وتسببت في فوضى السوق.
وصف محمد عبد الخالق، الخبير الأمني، حالة قطاع الاتصالات المصري بالفوضى، خاصة على صعيد خطوط المحمول مجهولة الهوية، التي تسببت في التستر على جرائم كبيرة، فضلا عن التأثير السلبي على النواحي الاجتماعية.
وتساءل عن السبب الكامن وراء عجز جهاز مباحث الإنترنت والتليفونات التابع لوزارة الداخلية عن القضاء على تلك الظاهرة؛ رغم قيامه بدوره بالشكل الكامل في مراقبة وسائل الاتصالات.
واتهم عادل عبد الكريم، رئيس الجمعية المصرية لقانون الإنترنت، جهاز تنظيم الاتصالات بالتخاذل عن القيام بدوره بالشكل المنوط به، عبر فرض قواعده على الموزعين الرسميين التابعين للشركات.
وتابع: "من الهام أن يقوم جهاز تنظيم الاتصالات بحملات تفتيشية مفاجئة على الوكلاء الرسميين وغيرهم، ومتابعة الالتزام بقراراته، خاصة مع اتجاه شركات المحمول إلى مخالفة القوانين في ظل المنافسة الشرسة بينهم على العملاء".
بدوره طالب الدكتور محمد عبد التواب، أستاذ القانون العام بجامعة حلوان، بضرورة العمل على تشديد العقوبات على شركات المحمول، حال استمرار بيع خطوط المحمول دون الحصول على بيانات عن العميل الذي يتقدم لشراء الخط.
وأضاف "لا بد من محاسبة الشركة التي يطلب منها من قبل النيابة العامة بيانات عميل يحمل أرقاما لديها بالخدمة، وتجيب بأن الخط غير مسجل وأن تتحمل هي عقوبة الغرامة".
وتابع: "هناك ضرورة ملحة لاستحداث نصوص عقابية خاصة تتلاءم مع التطورات الحديثة في مجال الاتصالات الإلكترونية، وكذلك تعديل بعض قواعد قانون الإثبات فيما يتعلق بنقل عبء الإثبات بالنسبة للأضرار الكهرومغناطيسية للهاتف المحمول، وتبني المسئولية الموضوعية الوقائية، كما أوصى بضرورة تعديل نصوص قانون الإجراءات الجنائية بشكل يتناسب مع التنصت واستراق السمع والبصر من خلال الهاتف المحمول، التي لا تستوعبه شركات الهاتف المحمول".
وكان وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المهندس خالد نجم، أكد أن الشرطة عليها دور مهم في ضبط هذه المخالفات، وما قامت به الوزارة من إصدار تلك القرارات بوقف بيع الخطوط للموزعين والتجار، واقتصارها على أفرع الشركات فقط هو أقصى ما تستطيع الوزارة أن تفعله، لافتًا إلى أن الوزارة تؤكّد على الموزعين والتجار ومَن لديهم كميات من الخطوط المخزنة، أن بإمكانهم ردّها إلى الشركات دون أي خسائر تقع عليهم، محذرًا من استمرار الأمر بهذا الشكل، وهو ما سيتبعه تغليظ العقوبات.
وبلغ عدد مشتركي المحمول في السوق المصرية بنهاية يوليو 2014، نحو 102 مليون مشترك، وبدأت حملات قطع الخدمة عن الخطوط مجهولة البيانات، وانتهت بفصل الخدمة عن نحو 7 ملايين مشترك، يبلغ عدد مشتركي المحمول في الوقت الحالي، قرابة 96 مليون مشترك.