بقلم: يوسف سيدهم
قراءة في ملف الأمور المسكوت عنها (542)
لم يكن من قبيل المصادفة أن تنشر وطني في صدر صفحتها الأولي العدد الماضي خبر صدور حكم بالإعدام من محكمة أمريكية علي المتهم بتفجير قنبلة ماراثون بوسطن عام 2013 والتي أودت بحياة ثلاثة أشخاص وأسفرت عن إصابة 260 آخرين من جمهور المشاركين والمتابعين للماراثون… كما تنشر وطني في هذا العدد رصدا لتداعيات هذا الخبر وردود الأفعال التي تتابعت عقب الإعلان عنه.
أقول لم تكن مصادفة لأن الاهتمام بذلك الخبر كان مزدوجا: أولا لأنه مرتبط بإنزال القصاص العادل علي متهم بارتكاب جريمة بشعة هزت العالم كله وقت ارتكابها, وثانيا: لأنه جاء في توقيت يتزامن مع ازدياد وتيرة الهجوم علي مصر وانتقادها والتعريض بقضائها بسبب أحكام الإعدام التي تصدر عنه في حق مجرمين إرهابيين متهمين بجرائم لا تقل في بشاعتها عن جريمة ماراثون بوسطن إن لم تفقها.
وقبل أن أخوض في تحليل هذا الحدث دعوني أسجل أني لست أنصب من نفسي مدافعا عن أحكام الإعدام أو الإبقاء عليها في قانون العقوبات المصري, فذلك أمر يختص به المشرعون وفقهاء القانون, وإذا كنت علي المستوي الشخصي أتطلع إلي اليوم الذي تلغي فيه عقوبة الإعدام لارتباطها بإزهاق نفس إنسانية, إلا أنني حتي يأتي هذا اليوم أثق في نزاهة وعدالة وشموخ القضاء المصري وأن استخدامه لعقوبة الإعدام المنصوص عليها في القانون يتم بعد أن يستقر لدي رجال القضاء وفي ضمائرهم اليقين الراسخ بحتمية العقوبة وعدالتها.
إنما أخوض في تحليل ذلك الخبر -خبر صدور حكم المحكمة الأمريكية بإعدام مفجر قنبلة ماراثون بوسطن- لأرصد التناقض الصارخ في ردود الأفعال العالمية بين هذا الحكم الصادر عن محكمة أمريكية وبين أحكام الإعدام التي صدرت عن محاكم مصرية, وهو ما يفضح ازدواجية المعايير التي تحكم ردود الأفعال والتي تثبت أن دولا وحكومات ومنظمات حقوقية ومنابر إعلامية كثيرة تتشدق باستنكارها أحكام الإعدام وتعبر عن فزعها من قسوتها بل وتتهم المحاكم التي أصدرتها بأنها محاكم مسيسة غير عادلة… هذا إذا كانت الأحكام صادرة عن محاكم مصرية… أما في حالتنا اليوم حيث الأحكام صادرة عن محاكم أمريكية فالأمر يختلف, ووتيرة الاستنكار تخفت ودرجة الفزع تتراجع والتباكي علي إزهاق النفس البشرية يمتنع وأخيرا لا يجرؤ أحد علي المساس بنظام القضاء الأمريكي أو التعريض بالمحكمة الأمريكية التي أصدرت الحكم بالإعدام أو اتهامها بأنها مسيسة أو واقعة تحت ضغوط أجهزة السياسة في الدولة.
* * لم نسمع أن المتحدث باسم البيت الأبيض أو المتحدث باسم الخارجية الأمريكية عقبا علي الحكم باستنكاره أو شجبه أو التعبير عن القلق إزاءه!!.
* * لم نسمع أن وزير خارجية ألمانيا يستنكر الحكم ويطالب الحكومة الأمريكية بمراجعة أحكام الإعدام الجائرة التي تزهق حياة المعارضين السياسيين!!.
* * لم نسمع أن رئيس البرلمان الألماني انبري في التعريض بالحكم واتهام القضاء الأمريكي بالخضوع لضغوط سياسية وأعلن عن رفضه لقاء الرئيس الأمريكي أوباما في حالة قيامه بزيارة ألمانيا!!.
* * لم نسمع أن البرلمان الأوروبي أدان في جلسة عاصفة حكم الإعدام واتهم القضاء الأمريكي بالقسوة والتخلف بإبقائه علي قوانين تسمح بعقوبة الإعدام!!.
* * لم تصل إلينا صرخات منظمات حقوق الإنسان أو بياناتها الغاضبة التي تتباكي علي حقوق المتهم في قضية ماراثون بوسطن وتتهم القضاء الأمريكي بالتسرع في إصدار حكم الإعدام عليه دون مراعاة إنسانيته!!.
* * لم نقرأ في الصحافة العالمية -والغربية منها علي الأخص- تحليلات ومقالات تتهم القضاء الأمريكي بأنه أداة لخدمة السياسة وأن علي الحكومة الأمريكية النظر في تفعيل مسارات المصالحة والتفاوض مع المتهم والتيارات المعارضة التي ينتمي إليها من أجل دمجهم في الوطن وفي الخريطة السياسية بدلا من تعقبهم ومطاردتهم والحكم بإعدامهم وقتلهم!!.
* * لم ترتفع الآهات وتنهمر الدموع لوعة علي إعدام الإرهابي مفجر قنبلة ماراثون بوسطن من أبواق مرهفة الحس تسكن أنقرة والدوحة وغيرها من معاقل التحضر والديمقراطية والعدالة وحقوق الإنسان!!.
* * * إزاء كل ذلك تدفعني مرارة السخرية لأن أقول: لا تحزني يا مصر أمام ازدواج المعايير هذا ولا تأسفي أنك لست أمريكا… بل امضي شامخة مرفوعة الرأس لا السهام المصوبة نحوك عن طريق أنت عازمة علي خوضه.
نقلا عن وطنى