طول عمرى بحلم.. ومَن الذى بمقدوره أن يمنعنى من الحلم؟!.. أغمض عينىّ الصغيرتين وأنا طفل وأرى الله عز وجل.. ألمسه بأناملى الصغيرة.. ثم أصحو لأحكى لأصحابى وأمى عن أحلامى الجميلة مع خالقى.. كان أصحابى يتمتعون بنفس براءتى، فيندهشون، ويحسدوننى: «بجد.. شُفت ربنا.. ده أكيد نور على نور.. وجميل وكبير قوى قوى».. أما أمى يرحمها الله فكان لها رأى آخر «أنت طفل صغير.. مفيش حد بيشوف ربنا فى الحلم» ثم تضحك فترنّ الضحكة فى البيت وهى تقول «انت وأصحابك أهبل من بعض».. أضحك وأرتمى فى حضنها وأنا أحلم من جديد «نفسى أكبر بقى.. وأحلم بربنا وأنا كبير وماما تصدقنى»..!
كبرت.. ومازلت أحلم وأحلم.. غير أن كل شىء تغير: لم أر الله سبحانه وتعالى فى أحلامى.. ولكنه مَنّ علىّ بفضله ورأيت رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم فى رؤيا رائعة فى إحدى ليالى شهر رمضان المعظم.. وحين رويتها للداعية الحبيب على الجفرى.. قال «الله.. الله.. الله».. وحين هاتفت شيخى الجليل وإمام الأئمة الدكتور على جمعة، قال لى «من رآنى فقد رآنى».. كبّرت.. وما زلت أحلم.. ولكن أمى ماتت.. ولم يعد بمقدورى أن أرتمى فى حضنها لأروى لها كيف رأيت سيدى وحبيبى الرسول وصليت خلفه فى المنام.. ولم يعد بمقدورى أيضاً أن أقول لها أو لأبى، رحمه الله، إن الإسلام الذى تعلمته صغيراً، ليس هو الإسلام الذى يريدون نشره الآن.. لم يعد بمقدورى أن أبكى على صدر أحد لأقول له «مشهد الدماء يمزقنى.. استشهاد الأبرياء يقتلنى.. بطولات الجنود والضباط على جبهة القتال تأسرنى.. غير أننى كنت أحلم منذ مذبحة زملائى التلاميذ فى مدرسة «بحر البقر» القريبة من بلدتى بأن نموت ونحن نحرر القدس، فكيف أعيش لأرى عدواً أخطر من إسرائيل يقول لى «أنا أقتلك يا مسلم لأدخل الجنة.. أنا أقتلك باسم الإسلام».. أسأل نفسى كثيراً: لماذا عشت لأرى هذه اللحظة؟!.. ثم أستغفر ربى وأدعوه: يارب إن كنت تحبنى فتوفّنى على الرسالة التى بعثت بها عبدك ورسولك محمداً.. وإن غضبت علىّ فلا تفتنّى كما فتنت أولئك القتلة.. أما وأنك رحيم غفور فلا تمد عمرى لأرى دماءً أكثر من ذلك باسم الدين»؟!
هل عرفتم لماذا أكتب أحياناً بانفعال.. بغضب.. بشحنة رفض للواقع.. برغبة دفينة لا أقوى على مقاومتها بأن أرحل عن دنيا يموت المسلم فيها على يد من كان أخاه، فنشيّع جنازة الشهيد، ونعود إلى منازلنا فى انتظار الجنازة الجديدة.. ؟!.. لا أحد فينا يريد أن يعترف بأننا أصبحنا أعدى أعداء الإسلام.. حتى الأزهر الشريف الذى اعتقدنا أنه سيهب لنصرة الإسلام الحقيقى، تكلس وشاخ وبات جُل علمائه موظفين، فلم يعد للإسلام المعتدل حصن يحميه»!
ولأن العقل الجمعى فى مصر بات يعانى خللاً واضحاً.. توهّم بعض «الإخوان» أن ما كتبته فى مقالاتى الأخيرة غضباً من ارتواء أرضنا بدمائنا يعنى تعاطفى معهم.. وفى ذاك الوهم تسويق وترويج تآمرى ولكنه ساذج ومتخلف.. إذ إن اقتطاع النص من سياقه لا يجعله نصاً من الأساس.. ولـ«الجماعة الإرهابية» أقول مثلما قلت على مدى سنوات عمرى «أنتم أصل ومنبع الإرهاب والتطرف والتكفير.. حسن البنا غرس البذرة.. وسيد قطب نشرها بين العقول المريضة.. الرحم الذى ولدت منه تنظيمات الجهاد والجماعة الإسلامية والتكفير والهجرة وداعش وبيت المقدس.. وحين لفظكم الشعب المصرى كشفتم عن وجهكم الحقيقى إرهاباً وقتلاً وتفجيراً.. فكيف يكون المشهد الراهن مواجهة أو صراعاً بينكم وبين الدولة؟!.. أنتم الآن فى المعركة الأخيرة مع الشعب المصرى كله.. وسوف تنتصر مصر حتماً لأنكم «جماعة إرهابية» ونحن شعب تربّى على الإسلام الحقيقى، وليس إسلامكم..! تقولون إنكم سلميون، إذن شاهدوا مداخلة أشرف عبدالغفار أحد أبرز قيادات «جماعتكم» فى قناة إخوانية منذ أيام قليلة «لا يوجد شىء اسمه السلمية المطلقة أو المواجهة المطلقة.. هناك درجات من السلمية ونحن ننفذ عمليات نوعية مثل استهداف محطات الكهرباء وأعلى من ذلك وأقل من ذلك»؟!.. أى جنون ذاك حين تحاولون نفى علاقتكم بكافة أشكال الإرهاب فى مصر.. وأى جنون يصور لكم إمكانية انتصاركم على الشعب المصرى؟!.. وأى إسلام تريدون تجسيده؟!
فى ظنى أن آفة «الإخوانى» أنهم ينزعون من عقله وقلبه - وهو يؤدى قسم الولاء والطاعة - ذاك المركز المسئول عن الحلم.. هو إنسان لا يحلم.. ومن لا يحلم ليس إنساناً..!
وللحديث بقية.
نقلا عن الوطن