قال المستشار نبيل صليب، الرئيس السابق للجنة العليا للانتخابات، إنه منذ مقتل المستشار الخازندار عام 1948، ثم اغتيال «النقراشى» وقبله أحمد ماهر، يتعامل الإخوان بمنطق «التصفية» مع من يقف ضدهم سواء قاضٍ أو غيره، وأى إنسان له رأى معارض، لأنهم يريدون أن يكونوا الحاكمين بأمر الله، ولا يستطيع أحد أن يعارضهم، ومن يفعل هذا يكون مصيره التصفية، رافضاً التصالح معهم، وأضاف: هشام بركات بالنسبة للآخرين هو نائب عام، لكن بالنسبة لى كان أخى الشقيق وتوأم روحى، وتلميذى وأستاذى، و«أنصار بيت المقدس» و«داعش» و«الإخوان» لهم دور فى هذا الاغتيال، ولكن التحقيقات لم تكتمل ولم تصل إلى شىء.
وأوضح فى حواره مع «الوطن» أن تشكيل دوائر الإرهاب من اختصاص القضاة، وأنه شكلها لأن كل دائرة يكون بها كشكول قضايا، قتل وسرقة ومخدرات وإرهاب، لأنها تعمل 6 أيام وتكتب الأحكام فى بقية الشهر، وأن قضايا الإرهاب تحتاج دوائر متفرغة، وتصبح الدائرة شغلتها فقط قضايا الإرهاب، وكان لا بد أن تفرغ الدوائر لنظر قضايا الإرهاب.
■ كيف تفسر إشارة الرئيس المعزول مرسى بالقتل أثناء إحدى جلسات محاكمته، وما دلالاتها؟
- الإشارة بذبح القضاة شىء هم يفعلونه ويتمنون تنفيذه، والرجل كان صريحاً مع نفسه، هو قال ما يريد فعله وما يشعر به، لكن المهم أن نتصرف برد فعل مناسب بالإشارة التى فعلها.
■ وما رد الفعل المناسب؟
- سرعة إصدار الأحكام وتنفيذها بعد أن تصبح نهائية وباته.
■ الرئيس السيسى قال أثناء تشييع جنازة النائب العام السابق إن الدولة ستنفذ أحكام الإعدام اليوم قبل الغد، هل سيزيد هذا حدة عنف التنظيم؟
- هذا شىء طبيعى، واحترام لأحكام القضاء أن ينفذها، الأحكام القضائية لم تصدر للذكرى أو للاحتفاظ بها أو لتكون ملفاً فى قضية، من واجب الرئيس أن ينفذ أحكام القضاء ولا يعدلها، كما صدرت تنفذ، لأنه رئيس السلطة التنفيذية، القاضى مهمته إصدار الحكم، واحترام الدولة للقاضى ولعمله وحكمه أن تنفذه.
■ هل معنى ذلك تنفيذ حكم الإعدام بحق «مرسى»؟
- طبعاً، وإيه المشكلة، والمواجهة مطلوبة شئناً أم أبينا، وبحسم وحزم، لأن بعد هذه الأحداث كلها من اغتيال النائب العام وقتل القضاة فى العريش، لا بد من مواجهة الأمر بنفس الصورة ليشعروا أن الدولة قادرة على مواجهتهم.
■ كيف تفسر العداء التاريخى بين القضاة والإخوان؟
- منذ مقتل «الخازندار» عام 1948، ثم بعد ذلك اغتيال «النقراشى» وقبله أحمد ماهر، هذا هو أسلوبهم فى التعامل مع من يقف ضدهم سواء قاض أو غير قاض، أى إنسان له رأى آخر معارض يريدون أن يكونوا الحاكمين بأمر الله، ولا يستطيع أحد أن يعارضهم، ومن يفعل هذا يكون مصيره تصفيته سواء كان قاضياً أو غير قاض.
■ الرئيس السيسى ناشد سرعة تعديل القوانين لإيجاد عدالة ناجزة، ما خطوات تحقيق ذلك؟
- تعديل قانون إجراءات المحاكمة، سير محاكمات عادلة وسريعة، وللأسف لا نفكر فى تعديل شىء أو تقديم حل إلا بعد حدوث الكوارث، وهذه طريقتنا فى السياسة أو الإدارة، وهو منطق رد الفعل وليس الفعل، وهو أن ننتظر حتى تحدث الكارثة لتعديل قانون.
منذ أكثر من عام ونصف وكنت وقتها رئيساً لمحكمة استئناف القاهرة، فى فبراير عام 2014، أرسلت مذكرة مكتوبة للسيد المستشار وزير العدل لعرضها على قسم التشريع واقترحت فيها كل الاقتراحات المعوقة لبطء التقاضى، والتى ننادى بها الآن لتحقيق العدالة الناجزة، والأكثر من هذا، أننى يوم تسلمى الوسام وإحالتى للتقاعد من رئيس الجمهورية فى نهاية أغسطس 2014، شرحت بالتفصيل النصوص المعوقة لبطء التقاضى وكيفية تعديلها لكى نحقق العدالة الناجزة وهى أمل الجميع، ومع هذا لم يتحرك أحد فى وزارة العدل ولم يهتم أحد بذلك، ويمكن لو كانت اتعدلت واستطعنا نوصل بسرعة فى الفصل فى القضايا، لم يكن ليحدث هذا الحادث الجلل الذى روع مصر كلها وروع الأمن.
■ وبم تفسر عدم الاهتمام بمذكرة التعديلات؟
- تسأل فيها الجهات التى أرسلت لها التعديلات المقترحة، وطبيعى «مستنيين» حادثة طالما الأمور ماشية عادية ومفيش حادث، وهى عادتنا التراخى، عندما تحدث واقعة جليلة نبدأ نفكر فى الحلول، كل الاقتراحات الحالية ذكرتها منذ أكثر من عام فى 3 نقاط، والاقتراحات تتعلق بـ3 مواد رئيسية لو تم تعديلها أنا أستطيع أن أطمئنكم بالعدالة الناجزة، وهى تعديل النص الخاص بسماع الشهود، والنص الخاص برد القضاة والنص الخاص فى إجراءات الطعن بالنقض.
■ وما تفاصيل هذه التعديلات؟
- فيما يتعلق بسماع الشهود، توجب المادة 271 من قانون الإجراءات الجنائية أنه على المحكمة سماع شهود الإثبات مهما كان عددهم، ثم بعد ذلك شهود النفى طبقاً للمادة 272، من ذات القانون، وقد يكون عدد الشهود كبيراً، قد يتجاوز المائة، وهو يستغرق أكثر من شهرين لسؤالهم جميعاً، هذا إن لم يكن أحد منهم قد غيَّر عنوانه أو موقعه الوظيفى، ما يحتاج لوقت آخر للتوصل للعنوان الجديد، أو الوظيفة الجديدة وإعلامه بالمثول أمام المحكمة للإدلاء بشهادته، ومن ناحية أخرى، فليست شهادة جميع الشهود على نفس المستوى فى قيمتها أو أهميتها، ومع ذلك فالقاضى ملزم تبعاً للنص السابق بسماع شهاداتهم جميعاً سواء كانت مهمة فى الدعوى أو غير مهمة فى تكوين عقيدة المحكمة والقاضى، كذلك فإن جميع الشهود يتم سؤالهم جميعاً فى التحقيقات وفور وقوع الحادث، مما تكون معه شهاداتهم مطابقة للواقع ومتسقة مع الحقيقة، على عكس شهادتهم أمام المحكمة بعد وقوع الجريمة بسنة أو أكثر، فمعظم الشهود لا يتذكرون كل الوقائع وقد يحدث ضغط أو توجيه من أحد من ذوى المتهم على الشاهد لتغيير شهادته أو نفى بعضها مما يضعف الدليل، ولذلك كان اقتراحى المرسل لوزارة العدل هو الاكتفاء بأقوال الشهود فى تحقيقات النيابة العامة، وتعطى للقاضى الحرية والسلطة التقديرية لسماع جميع الشهود أو بعضهم كما يتراءى له، دون أن يكون ملزماً بسؤالهم جميعاً لإصدار حكمه وفق الثابت بالأوراق ما دام الحكم فى نهاية المطاف راجعاً لضميره وحده وما احتوته الأوراق من أدلة لتكوين عقيدته للفصل فى النزاع المعروض عليه.
أما الاقتراح الثانى بشأن تعديل القانون رقم 57 لسنة 59، بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض، لا سيما المادة 39، التى تنص على أنه إذا نقضت محكمة النقض الحكم، عليها إعادة الدعوى إلى المحكمة التى أصدرته لتحكم فيها من جديد، فهذه الإعادة تستغرق نحو عامين وأكثر، حتى تعاد الدعوى أمام المحكمة مرة ثانية وتنظرها بهيئة جديدة وتسمع الشهود مرة ثانية أمامها ثم تصدر حكمها القابل للنقض أيضاً، وكان اقتراحى محدداً مثل بعض قوانين الدول العربية، وهو إذا رأت محكمة النقض نقض الحكم فلها أن تلغى الحكم الذى أصدرته محكمة أول درجة، وتحكم فى الدعوى من جديد بناء على ذات الأدلة والمستندات التى حوتها الأوراق دون إلزام عليها بسؤال الشهود من جديد، أو استدعاء خبراء لمناقشة تقاريرهم إلا إذا رأت أنها فى حاجة إلى ذلك، وكان يتعين على محكمة أول درجة استيفاء هذا النص.
هذان مثالان للوصول إلى نصوص بقانون الإجراءات الجنائية يتعين تعديلهما ويكفى أن القانون الذى يحكمنا صادر عام 1937، أى منذ ما يقرب من 80 عاماً، وكثير من نصوص أخرى فى حاجة إلى تغيير، بل أبواب بأكملها فى حاجة إلى حذف، خاصة فيما يتعلق بنظام إقامة الجنحة المباشرة.
أما اقتراحى الثالث فكان يتعلق بقانون المرافعات وتعديل نصوص الرد المنصوص عليها فى المادة 148 وما بعدها، ومن خبرتى القضائية على مدار خمسين عاماً فى العمل القضائى فنادراً ما يقبل طلب رد لأحد القضاة، ويلجأ للرد وكيل المتهم لتأخير الفصل فى القضية، خاصة إذا شعر أن قاضى النزاع ملم تماماً بالموضوع وقارب الحكم فيه ويميل إلى الإدانة، فيلجأ إلى الهروب بالقضية من أمام قاضيها، فقد نصت المادة 162 مرافعات على أنه يترتب على تقديم طلب الرد وقف الدعوى إلى حين الفصل فى طلب الرد نهائياً، فإيقاف الدعوى هو الغاية التى يبغى المتهم من ورائها طلب الرد، فيتعين علينا أن نفوت عليه قصده والاستمرار فى نظر القضية وتهيئتها للفصل فيها من سماع الشهود والخبراء وفض الأحراز لحين الفصل فى طلب الرد، خاصة إذا كان فى القضية أكثر من متهم ولم يتقدم بطلب الرد سوى أحدهم، فما المانع وما الضرر فى السير بإجراءات القضية وتهيئتها للفصل فيها لحين صدور حكم الرد، فإذا قضى فيها لصالح المتهم وهذا نادراً، تحيل المحكمة الدعوى إلى دائرة أخرى وإذا رفض طلب الرد، وهذا ما يقضى به غالباً، تستمر المحكمة فى نظر الدعوى دون أى تعطيل أو تأخير.
هذه بعض التعديلات التى طالبنا بها، وللأسف هى ذاتها المطروحة الآن، وما كنا بحاجة إلى حادث جلل مثل اغتيال النائب العام وهو أمر غير مسبوق ولم يحدث من قبل، بالإضافة إلى مناشدة رئيس الجمهورية الحالى لرجال القضاء سرعة تعديل القوانين المعوقة للعدالة الناجزة، وكان يمكن إجراء التعديلات منذ عام مضى، دون حاجة إلى زلزال مروع كحادثة الاغتيال أو مناشدة الرئيس لنا، وهذا إن دل فإنما يدل على أننا نسير بسياسة رد الفعل والتبعية وليس الفعل، وأننا فى حاجة إلى كوارث ونكبات كى نفكر فيما نتخذه من إجراءات وتعديل للقوانين.
إجراء هذه التعديلات لقانونى الإجراءات والمرافعات، بالإضافة إلى سرعة إصدار قانون مكافحة الإرهاب سيسهم إلى حد كبير فى استئصال الإرهاب من جذوره، وسرعة معاقبة مرتكبيه.