أقرت المحكمة العليا بأمريكا - وهي أعلى سلطة قضائية بأغلبية أصوات القضاة الليبراليين - بزواج المثليين، معتبرين أن "الزواج حق جوهري"، وبناء عليه قام أوباما بتهنئة الشواذ بـ"انتصار الحب" على هاشتاج موقع التواصل الاجتماعي الذي يحمل عنوان "الحب ينتصر".
الحقيقة أن قرار المحكمة وموقف أوباما لا يعنيني من قريب أو بعيد، لكنني دوما مهمومة ومهتمة بالإعلام وصناعة الرأي العام، تسألون عن علاقة هذا بذاك أجيبكم.. البداية في الإجابة عن السؤال: كيف تغيرت وجهة نظر الأمريكيين من رفضهم للمثلية إلى تشريعها بل الاحتفال بهم في كل الولايات، فحتى العام 2010 كان أكثر من 60 بالمائة معارضين؟
الإجابة تكمن في الكتب المهتمة بعلم النفس والتسويق، التي حملت تساؤلا هاما: كيف تجعل أمريكا تقبل المثلية الجنسية وتنتصر على خوفها وكرهها للشواذ؟
تركز تلك الدراسات منذ صدورها في نهايات القرن الماضي، على عدة نقاط هامة، أولها: الناس بطبيعتها تخاف من المختلفين وتتوجس منهم، فكان دور الإعلام الخطير في إظهارهم على أنهم أشخاص طبيعيون مثلي ومثلك يشبهوننا في كل شيء في المأكل والملبس والاهتمامات بل ينتمون لنفس الوطن، ويوما بعد يوم زال القلق من المجتمع تجاه هؤلاء الشواذ.
ثانيها: تقبيح كل من يعارض هذه الفئة ووصمهم بالتخلف والرجعية، وبث أفلام وبرامج إعلامية تسخر وتسفه كل من ينظر للمثليين نظرة دونية؛ حتى أصبح المعارض محاصرا ويخاف من إبداء رأيه فيهم، ثالثها: تمرير الفكرة عن طريق المشاهير والفنانين والإعلاميين الذين يحظون بشعبية وجماهيرية وسط الناس، فدُفعت لهم أموال طائلة لدعم المثليين إعلاميا حتى يتقبل الناس الفكرة.
قبل الميلاد، حدثت أول عملية إعلامية لتضليل لرأي العام، كان بطلها سرجون العظيم ملك الدولة الآكدية في بلاد ما وراء النهرين (تناولتها بالتفصيل في عدة مقالات نشرت لي بجريدة المشهد)، وكما توالت حملات التضليل الإعلامي واكبها كذلك دراسات وفلسفات تعنى بـ"سائسي العقول"، كما يسميهم هربرت شيلر في كتابه "المتلاعبون بالعقول"، وهم القادرون على طرح أفكار وترويجها مستخدمين فنون الاتصال المختلفة؛ حتى صار التضليل الإعلامي علما قائما بذاته يتم تدريسه، يُلبس الزيف رداء الحقيقة؛ للسيطرة على وعي الجماهير فيغدو "وعيا معلبا" من خلال عشر خطوات، كنا نحسبها نهاية المطاف، فإذا هي أول خطوة تلاها الأخطر والأخبث.
Social Engineering
علم الهندسة الاجتماعية أو فن اختراق العقول، الذي يجمع بين علم الاتصال والنفس والاجتماع، هو الأشد خطرا الآن، فلم يعد إقناع الجماهير يتأتى بمناقشة المنطق أو الخضوع لسيطرة القيم والأخلاق، بل بإستراتيجيات ممنهجة يقودها سياسيون وصناع للرأي العام، مفادها أن يظل الإعلام يكذب ويكذب حتى يصدقه الناس، تماما كما فعل هتلر ووزير دعايته جوبلز، حين قال: اكذب حتى يصدقك الناس، أعطني إعلاميين بلا ضمير أعطيك شعبا بلا وعي..
نفس ما فعله بوش حين صدق 75 بالمائة من الأمريكيين أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل، فصوتوا لصالح قرار الحرب على صدام، بمعنى آخر وبكل صراحة، الشعوب الآن ضحايا وفئران تجارب ويعاملون بسياسة القطيع، يجب استغلالها وإقناعها بما يود أصحاب المصالح؛ استنادا لقول أرسطو إن "الطبيعة الإنسانية يجب قمعها ومراقبتها كي يعيش الناس في سلام".. ومع ذلك يظل التعليم والتثقيف ورفع الوعي والارتباط بالقيم الدينية الصحيحة والأخلاقية ومواثيق الإعلام والاختيار السليم للإعلامي الحق، والقضاء على احتكار أصحاب المصالح ومناقشة الأفكار بشفافية، هي العروة الوثقى التي يجب أن تحتمي بها الشعوب، فمتى تمتلك شعوبنا هذه المؤهلات؟
نقلا عن فيتو