الأقباط متحدون - الكَنِيسَةُ وَفَلْسَفَةُ النُّسُورِ
أخر تحديث ٠٤:٣٠ | الاربعاء ٨ يوليو ٢٠١٥ | ١أبيب ١٧٣١ ش | العدد ٣٦١٥السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الكَنِيسَةُ وَفَلْسَفَةُ النُّسُورِ

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
القمص أثناسيوس فهمى جورج
الله يعُولنا مثل النسر الذﻱ اعتاد أن يدرِّب ويختبر ذريته؛ لتحتفظ بملكية صفات سلالتها القوية الجيدة ذات البنية السليمة غير المشوَّهة، ويقودها إلى القوة وعدم التفسخ... يحيط بنا ويحملنا على أجنحة النسور... يلاحظنا كحدقة عينه... يعولنا ويرعانا ويسيج علينا كَسُورِ نارٍ من حولنا ، ويحل مجدًا في وسطنا ، فمن يمسنا يمس حدقة عينه (زك ٢ : ٨).
 
مثل نسر ينشر أجنحته فوقنا؛ نحن فراخه الصغيرة؛ حاميًا وحارسًا لنا ؛ حتى لا يقتنصنا الصقر، باسطًا جناحَي صليبه؛ كي نعتصم به؛ ونبِيت عنده... يحملنا على كتفيه ويحرسنا، ويشمِّر عن ذراعَيْه؛ ليحتضن شعبه ورعيته في عُشّه (كنيسته). 
 
يداه حارستان لقطيعه الصغير؛ ورافعة لهم؛ لتغذيتهم وتقويتهم في مراعٍ خُضْر؛ يقودهم وسط الوعر بحماية مراحمه؛ وينشر جناحيه الذيْن هما يداه العظيمتان؛ ليحملانا ويأتيا بنا إليه، جناحاه هما ذراعاه الممدودتان على عود الصليب رمز رعايته... يحرك عُشّه؛ وعلى فراخه يرفُّ؛ ليأخذهم ويحملهم على مناكبه.
 
بعظمته وسموه وبأمره نحلِّق معه ونعلو، وبأحكامه وحسب وصاياه نسلك ونعيش؛ لأن جناحيه المبسوطين هما كتابنا المقدس بعهديه؛ يرفعان كنيستنا إلى مراقي الحكمة الإلهية بتعليمها أنفاس الله... وكنيسته أيضًا لها عين نسر في تطلعها إليه، فلا تخشى بوّابات الجحيم ومؤامرات الأعداء؛ لأنها آمنة بربها تسمو وترتفع، كإمتياز النسور بين سائر الخلائق، فتبلغ خبرة إدراك لاهوت الثالوث القدوس، فاحصة كل شيء حتى أعماق الله.
 
مسيحنا يطير بنا على مرتفعاته العالية، ويحلِّق بنا فوق الزمان والمكان؛ ليكشف لنا عجائب من شريعته؛ منقذًا كنيسته من المعاند (الغربان)؛ لأنه نسر نار؛ صاحب عين حانية حارسة ثاقبة، يثبِّت أقدامنا في بوصلة متسعة متجهة إلى ما هو فوق؛ بعيدًا عن الدَّنايا والحيونات الميتة، ويرفعنا فوق العواصف وأنواء التجارب، بل ويحولها لخيرنا وخلاص نجاتنا.
 
يعلمنا الطيران لنحلِّق في آفاق الروح؛ ويسندنا بوسائط نعمته؛ مشددًا عزائمنا، فيتجدد شبابنا مثل النسر يومًا فيومًا.. وتتغير أشكالنا في ذهنية روحية متجددة... مانحًا لنا ماءًا أحلى من العسل؛ وغذاءًا من دسم لُبّ الحنطة ؛ وشرابًا من عصير عنب الكرمة، ماسحنا بنعمه حرية مجد أولاد الله؛ وبزيت دهن ميرون مسحته؛ لننطلق ونحلِّق ونرتفع إلى علو شاهق؛ فلا يتجسس أحد على حريتنا فيه.
 
يأخذنا لمعاينة أسراره وليتورجياته؛ محلِّقين في أجواء الوجود غير المحسوس بالجسد أو الحواس... مرتفعة أرواحُنا الكليلة وقلوبنا المثقلة بهموم الزمان؛ لتُشفَى وتحيا وتتثبت.. ويصير كل مكان مفتوحًا أمامنا على مجد الأبدية؛ كما رأى يعقوب أبونا السُّلَّم في حُلمه، فقال : ”إن هذا المكان - الذﻱ رقد فيه - ما هو إلا بيت الله؛ وهذا باب السماء“.. فتصير حياتنا غير مقيدة ولا سجينة؛ منتظره إكليل خلاصها؛ ”متمسكة برسوخ بإقرار الرجاء؛ مرشوشة قلوبنا من ضمير شرير؛ ومغتسلة أجسادنا بماء معمودية طاهر“ (عب ١٠ : ٢٢).
 
مرتفعين فوق مستوى إعواز وتعظم وأباطيل هذا الدهر؛ لأننا أكبر منه بالاكتفاء والكفاف وغنىَ الروح؛ حتى صار هذا العالم جزءًا منحصرًا فينا، ولسنا نحن الجزء المنحصر فيه.. نقف على قمة هذا العالم؛ لأن لنا اسم يسوع الغالي القيمة؛ فلا نلهس وراء أمواله وسلطاته وبريق سطوته. 
 
إن كنيستنا هي الملكوت؛ محمولة على أجنحة النسور؛ تعيشه منذ الآن؛ مختبرة طقسه... كلامها طعام دسم يتحول فينا إلى سيرة، وفعل ارتفاع وارتقاء لنفوسنا وأجسادنا وأرواحنا... يجذبنا وراءه فنجرﻱ؛ لنُستعاد مجددًا إلى الآب من الابن بواسطة الروح القدس.
 
نِسْرُنا هو رمز صعودنا وقوتنا الروحية، وله القدرة الكلية؛ مرتفعًا أعلى من كل الألحاظ والأنظار، يدرِّبنا على الطيران إلى العُلا؛ فنستتر على سن الصخور العالية من دون افتخار أو بِرٍّ ذاتي؛ حتى لا نسمع صوته القائل ”وإنْ رَفَعْتَ كَنِسْرٍ عُشَّك؛ فَمِنْ هُنَاك أُحْدِرُكَ؛ يَقُولُ الرَّبُّ“ (إر ٤٩ : ١٦).
 
مسيحنا هو نسرنا؛ وقد رفعنا معه بقيامته وأعطانا قربانًا لله أبيه، ووهبنا روحه القدوس الذﻱ يجدد طبيعتنا ويرفعنا بأجنحة الروح للسماء، متحررين من العبودية ”منتظرين الرب؛ متجددين قوة، نركض ولا نتعب، نمشي من دون إعياء“ (إش ٤٠ : ٣١)؛ بسلوك قوة الروح اللائق بشركة الملائكة؛ لأن إلهنا يحملنا على أجنحة النسور بالروح القدس، وقد جاء بنا إليه (خر ١٩ : ٤)؛ في أحضانه الأبوية؛ لنختبر أحشاء محبته؛ ونتعرف على أبوّته ويضيء بوجهه علينا؛ فلا يقدر أحد أن يأخذنا من يديه.. نسمع صوته؛ ونحفظ عهده؛ ونكون له خاصة من بين جميع الشعوب... مملكة وكهنة وأمة مقدسة وشعب اقتناء.
والزارع الإلهي يُفلِّحنا بنفسه؛ ولا يخيِّب رجاء الذين التجأوا إليه... ملقيًا بذاره الإلهية وبركة نعمة مطره المبكر والمتأخر بغير انقطاع، ويسندنا على الدوام بروحه في هجرة وترحال مستمر؛ من قوة إلى قوة؛ ومن عمق إلى عمق ومن مجد إلى مجد؛ أعلى من كل أرض، وهو سيأتي في بهاء ليختطف المنتصرين من منتظريه.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter