الأيام الماضية كانت اليونان مركز الأخبار، فالعالم أجمع توجهت أنظاره للبلد العريق القابع في شمال المتوسط، العنوان الرئيس في اغلب الصحف كان "اليونان تصوت" وكساكن من سكان هذا الكوكب تبادر لذهني سؤال بديهي: ما الذي يحدث في اليونان؟
أول من توجه نظري إليهم كانت الوسائل المصرية سواء جرائد أو مواقع الكترونية، وهنا كانت المفاجأة؛ لا توجد تغطية مناسبة للخبر الأبرز عالميا اليوم، بل إن كثيراً من الجرائد والمواقع لم تتناول الحدث من أساسه!
اما الجرائد التي تعد الأكثر كفاءة فقد تعاملت مع الحدث بطريقة واحدة: صور رئيس الوزراء اليونان ي هو يدلى بصوته في إحدى اللجان، وبالطبع لم يفت على الإعلام المصري إبراز تصريحات الرجل الذي تحدث فيها عن الديمقراطية واختيار الطريق، وتحتها كتب على عجالة أن اليونان ستختار اليوم بين الموافقة أو رفض شروط الدائنين.
لكن من هم الدائنين؟ وما هي شروطهم؟ ما الأسباب والخلفيات ؟ ما تأثير قرار اليونان يون على اليورو وربما الدولار؟ وهل سيؤثر هذا علينا؟ هذه أسئلة لم يتطرق لها أهل المهنة هنا
المواقع الأجنبية بطبيعة الحال كانت اكثر مهنية ؛ فعلى سبيل المثال موقع "BBC عربي" قام بتغطية الحدث من كافة الجوانب تاريخيا سياسيا واقتصاديا، فضلا عن أن تحديث النتائج الأولية للتصويت كان يتم لحظة بلحظة.... باختصار قُدم لنا أجوبه على كل الاسئلة.
دعك من المواقع العالمية، فالمقارنة ظالمة، لا من حيث الميزانية ولا الخبرات ولا حتى السياسة التحريرية، فلنتجه اذن لما هو عربي فالمقارنة طبيعية وعادله.
مرور سريع على جرائد "الحياة" "الشرق الاوسط" أو "الأخبار" اللبنانية يجعلك تدرك أن "اليونان " حاضرة بقوة، وأنك أمام تغطية وافية للحدث.
"اليونان " تصلح كنموذج ومدخل للحديث عن اشتباكنا مع العالم وتقييم نشرات الأخبار لدينا من حيث اهتمامها بتغطية المستجدات الدولية.
الملاحظ أنه عبر سنوات تحولت نشراتنا الاخبارية إلى نشرات محلية بامتياز، فالخبر الاول والثاني دوما عن الرئيس (أي رئيس) ثم رئيس الوزراء ثم رئيس البرلمان ثم الوزراء والمحافظين (على حسب قوة المنصب) وإن تصادف وجود خبر عن فلسطين وربما الخليج فلا مانع من عرضه، وقد يمر المُعدِون مرور الكرام على الأحداث العالمية، ثم نُنهي بالفقرة الرياضية والتي هنا تعنى الدوري الممتاز... وسلام على من مر من هنا.
المفارقة أن كثير من الاعلاميين يتحدثون عن غياب دور مصر الإقليمي ويتباكون على القوة الناعمة التي تلاشت مشددين على حتمية عودة مصر لمكانتها، دون أن يقف أحدهم ليسأل نفسه: هل العالم موجود في مطبوعته أو قناته اصلا؟!
من ابجديات المهنة ان تكوين النشرات الإخبارية هو علم له أصول وانه قد يكون الحدث بعيد عنك جغرافيا، لكنه سيؤثر عليك إقليميا أو محليا وعليه يجب مراعاة ذلك في التغطية، اما تجاهل الدولي لصالح المحلي فبالقطع يضعك في منطقة ادنى من الاخرين
لكن لماذا تحول الإعلام المصري لهذه "الانغلاقية الإعلامية لماذا انزوينا خلف حدودنا تاركين الفراغ لغيرنا يملؤه؟
"وجدان مباشر" أحد مؤسسي "راديو مصر" والمستشار بقطاع الاخبار تقول "للأسف سوء الإدارة وسوء الفهم لفكرة الاخبار، أضف إليهم غياب التخصص تجعلك تدرك سبب الانهيار" فالمناصب هنا غير مرتبطة بتخصصك أو خبراتك، فكونك مذيع رائع لا يعني بالضرورة أنك تصلح لوضع خطة إعلامية أو تتبوأ منصب ذو طابع تخططي أو غيره. وعن تجربة راديو مصر تقول "وجدان" بأسى بادي "التجربة كانت جيدة، قبل أن تتحول من محطة إخبارية متخصصة إلى محطة عامة."
لكن ليس كل اهل المهنة يرون ان هناك خلل في التناول المصري لمعطيات العالم بالعكس هناك من يرى انه لا يوجد خلل اصلا....فأحد رؤساء التحرير حين تناقشنا في الامر اجابني "أن ما يحدث طبيعي، فمن المنطقي أن يكون الاهتمام الأول بشأن المحلي الذي يهم القارئ بالأساس، بل انه رأى أنه بالعكس هناك تعتيم من الجانب الاوربي على الأخبار في مصر، ضاربًا مثلًا بحادث اغتيال النائب العام والذي يرى رئيس التحرير أن الإعلام الغربي قد تجاهله.
كثير من العاملين بالإعلام المصري يرون انه لا يجوز مقارنة ما نقدمه بما تقدمه الصحف العربية فيما يتعلق بالشأن العالمي، مؤكدين ان صحف مثل الحياة والشرق الاوسط انشئت بالأساس لتكون مطبوعة دولية وليست محلية، فضلا عن أنها جرائد غير ربحية بل تهدف لخدمة أهداف سياسية لذا فالخسارة الاقتصادية لا تعنيها، بتعبير آخر هم لا يهتمون "بالترافيك" مثلنا وعليه لا توجد اجندة اهتمامات تفرض عليهم سياسية تحريرية ما
وهو كلام فضلا عن انه يعكس عقول إنغلاقية فهو مردود عليه، ان فكرة "الدولية" وان انطبقت على مطبوعة او اثنين، فأنها بالقطع لا تنسحب على كافة المواقع العربية فالصحافة اللبنانية مثلا والتي رغم محدودية ميزانيتها، وانشغالها بالحال اللبناني الملتهب، الا انها مازالت تقدم لقارئها طرحاً جيداً ومحترماً لما يحدث في العالم.
للأسف... نظرة واحدة على التغطية المصرية لتصويت اليونان يجعلنا ندرك اننا نحن من قررنا أن ننكفئ على أنفسنا وننسحب للداخل، لذلك لا داعى للاندهاش حين نكتشف أن المصريين كانوا يتابعون ما يجرى في سيناء الاسبوع الماضي على شاشات سكاي نيوز الاماراتية والجزيرة القطرية
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع