أكثر من مليار ونصف تكلفة مسلسلات شهر رمضان هذا العام، وهو مبلغ كبير لم تستفد منه الدولة؛ لأن معظمه دخل أرصدة الفنانين في البنوك، بل إن أضراره على البلد أكبر، فالموضوعات التافهة التي تناولتها دراما رمضان في تركيزها على السلبيات وكأنهم لا يرون في مصر نماذج إيجابية تستحق أن يشاهدها المواطنون على الشاشة، هذا الكلام نكتبه كل عام وللأسف الأمور في ازدياد كما وكيفا، كأن أهل الفن والدراما في مصر اتفقوا على خرابها وتدمير شبابها.
ووسط هذا الكم الهائل من التفاهات التي تقدمها شاشات الفضائيات، فإن الإذاعة المصرية مازالت تحاول الاحتفاظ بقيمها ومبادئها، فقدمت هذا العام أعمالا رمضانية محترمة سواء برامج أو دراما؛ حيث أنتجت إذاعة البرنامج العام مسلسلين غاية في الأهمية وبملاليم مقارنة بتكلفة الشاشة.
المسلسل الأول "شيخ من باريس" تأليف الكاتب الكبير محمد السيد عيد، وهي دراما محترمة تسلط الضوء على الإسلام المعتدل من خلال قصة حياة الشيخ مصطفى عبد الرازق، شيخ الأزهر الأسبق وأحد تلاميذ الإمام محمد عبده، والمسلسل الثاني هو "التنظيم السري" للمفكر ثروت الخرباوي، حول التاريخ الأسود لجماعة الإخوان في القتل والإرهاب، ويُظهر مؤسسها حسن البنا ليس فقط قائد تنظيم إرهابي خرجت من عباءته كل التنظيمات المتطرفة، ولكن المسلسل أيضًا يُظهر البنا بأنه خائن لبلده من خلال تعاونه مع الإنجليز حتى يصل إلى كرسي الحكم، وأيضًا هو منافق فكان يتعامل مع الإنجليز واليهود بوجه، ومع المصريين وحتى أعضاء جماعته بوجه آخر، وتقريبًا هذه هي سياسة الإخوان حتى اليوم، وكانت سببا في توليهم حكم البلاد لمدة عام، ويؤكد خيانتهم أحكام الإعدام والمؤبد التي حصلوا عليها في قضايا اتهامهم بالخيانة والتخابر لصالح جهات ودول أجنبية.
عودة لمسلسل التنظيم السري، الذي تأتي أهميته أن مؤلفه كان قياديا سابقا في جماعة الإخوان ويعلم خباياها وأسرارها، فهي شهادة من الداخل، ولأنني أعتز بصداقتي بالمفكر الكبير ثروت الخرباوي، فسألته عن حقيقة الأحداث الواردة في المسلسل، فأكد لي صحتها ولكنها وضعت في إطار درامي شيق حتى تصل إلى المستمع، هو بحق مسلسل يستحق المتابعة من المواطنين والشكر لمؤلفه ولقيادات الإذاعة المصرية على الجرأة في تنفيذه، كما أنه يستحق اهتمام الدولة، وأن يتحول إلى عمل تليفزيوني ضخم ومترجم، فسوف يكون له بالغ الأثر في توضيح الوجه الحقيقي لجماعة الإخوان، وكيف أنها اتخذت الدين ومازالت تتخذه لتحقيق أغراضها في الوصول إلى السلطة.
التنظيم السري وهو أول تجربة درامية لمؤلفه، فقد تفوق على نفسه؛ حيث قال في المسلسل ما لم يستطع أن يقوله هو في مئات البرامج والحوارات الصحفية أو يستخرجه منه أشهر المحاورين، بل ومع احترامي للكاتب الكبير وحيد حامد مؤلف مسلسل "الجماعة"، فإن "التنظيم السري" يأتي في المقدمة، وهكذا حينما تكون الدراما هادفة تستطيع مساعدة المجتمع في النهوض والتقدم وغرس القيم الإيجابية في نفوس مواطنيه.
أما ما نشاهده اليوم على الشاشة، تأثيره المدمر لن يكون فقط في الخسارة المادية بل التدمير الأخلاقي، فيجب أن يكون الإعلام في خدمة المجتمع، وأكبر جريمة نرتكبها في حق أطفالنا هذه الأيام أننا لم نحثهم على الاستماع إلى الإذاعة وتركناهم أسرى للصورة؛ حتى لو كانت مدمرة سواء من شاشة التليفزيون أو الإنترنت، فالراديو بجانب أنه يحاول تقديم ما هو مفيد بعيدا عن الإسفاف، فإنه أيضا يحرك ملكة الإبداع والخيال لدى مستمعيه.
نقلا عن فيتو