قرأت، أمس، خبر القبض على ثلاثة شبان مسيحيين فى الإسكندرية يوزعون تمراً على الصائمين فى رمضان ممن كانوا فى الشارع وقت مدفع الإفطار كما يفعل إخوانهم المسلمون أيضاً، لكن الجريمة كانت فى أن داخل كيس التمر تحية من كنيسة كذا، وهذا يعتبر جريمة نكراء تستحق أن تقبض عليهم الشرطة بسببها وتوجيه تهمة التبشير إليهم خوفاً من دخول المسلمين أفواجاً إلى تلك الكنيسة طلباً للتعميد بعد أكل بلحة التبشير والإلقاء بنواية الإيمان الصحيح فى الشارع!!، المصادر قالت إنه قد تم الإفراج عن هؤلاء الشباب بكفالة عشرة آلاف جنيه لكل شاب منهم، انتظاراً لتقرير الأمن بعد توجيه تهمة الازدراء لهم!!، انتظرت تكذيباً من الجهات الأمنية لهذا الخبر الذى ينتمى إلى عالم العبث والكوميديا السوداء، لكن لم يصدر للأسف أى تكذيب حتى ساعة كتابة المقال.
الصادم والمأساوى فى الخبر ليس تفاصيله البوليسية لذلك ليس حله المرضى- بضم الميم- هو الإفراج بكفالة، فالمهم تفاصيله الثقافية ودلالاته الفكرية والعقلية، ولذلك حله المرضى هو استيعاب تلك التفاصيل وتحليل تلك الدلالات، نحن يحكمنا للأسف فزع ورعب على ضياع الدين وكأنه طفل مازال يتعلم الحبو ونخاف عليه أن يتوه فى المولد!!،
المفهوم الذى يحكمنا بناء على هذا التفكير وتلك التصرفات هو أن الدين هش قابل للكسر مع أى خدش أو من مجرد لمسة، مفهوم طاغ مسيطر وضاغط على أعصابنا فى كل دقيقة، إلحق ياجدع هذا يبشر، خد بالك لحد يوقعك ويمسح دماغك ويجرجرك لدينه، امنع قراءة الأديان الأخرى عشان ماتتأثرش، اشطب من الريسيفر أى قناة بتذيع قداس ولا بتصور فى كنيسة أو معبد يهودى، إوعى تكلم بنت من دين تانى لتضحك عليك وتوقعك فى حبها زى ما محمد عمارة كشف لنا سوزان اللى ضحكت على طه حسين!!،
يقولون إن الدين لازم يبقى فى صوبة مغلقة معقمة، يصرخون بأن الدين جهاز مناعته حساسة ممكن أى ميكروب بسيط يرقده فى الفراش ويشل حركته... إلى آخر تلك الفزاعات التى يبثونها فى أمخاخنا طوال الوقت، بدلاً من زرع الثقة بالنفس وبالدين، يزرعون فى وجداننا إحساس الرهبة والخوف وبأن الكون كله يتآمر عليك أيها الغلبان المطرود من حسابات العالم لخطفك من دينك، والعالم كله يريد ضمك يامن تكمل عشاءك نوماً إلى معسكر عقيدته!!، ا
لسؤال الذى يفرض نفسه لماذا عندنا نحن فقط هذا الرعب والهوس والخوف من تربص الآخر ورغبته فى إيقاعك فى شبكة دينه؟، ولماذا أيضاً فى المقابل ننفرد دوناً عن الأديان والعقائد الأخرى بفرحة عارمة واحتفال واحتفاء يصل إلى حد إقامة الليالى الملاح عند خروج فرد من دينه ودخوله إلى دينك؟!!،
هل قبيلتك الدينية وحلفك العقائدى أو المذهبى تنقصه الأفراد أم هو نوع من الكيد والغيظ للطرف الآخر؟، وماذا فعلت أنت ومن تنتمى إليهم بالعدد الرهيب الذى بحوزتك حتى تطلب المزيد؟، ولماذا لا نجد الصينيين أو الهنود مثلاً يحتفلون ويحتفون بالأمريكان نجوم الفن والمال والرياضة الذين يعلنون عن اعتناقهم البوذية أو الهندوسية، مثل النجم ريتشارد جير أو ستيف جوبز أو جوليا روبرتس؟!!، لماذا لا نجد مانشيتات جرائد الصين والهند تعلن عن انضمام النجم فلان أو النجمة فلانة إلى قبيلتنا المباركة وفرقتنا الناجية وشعبنا المختار؟!، لماذا لا يخرجون مزغردين يطلقون الألعاب النارية يغيظون بها الأمريكان الذين لم يحافظوا على نجومهم فلجأوا دينياً إلينا نحن الجنس الأصفر؟!!. يامن نصبتم أنفسكم وكلاء الله على الأرض لابد أن تعرفوا أن للبيت وللدين أيضاً رباً يحميه ولا يحتاج أبداً إلى حمايتكم المزعومة.
نقلا عن خالد منتصر دوت كوم